الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علاقات قطر والإخوان..بين السياسة والبرجماتية

رياض حسن محرم

2017 / 6 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


يرجع تاريخ العلاقة بين قطر والإخوان لما قبل إنشاء دويلة قطر بكثير، وذلك منذ أن كانت قطر مشيخة خليجية يعيش بها بضعة الآف من البدو الرحل ويسكنون الخيام على ضفة الخليج، وبعدحدوث تلك الطفرة التى صاحبت إكتشاف النفط فى الوقت الذى كانت كل تلك المشيخات المتناثرة تحت حماية بريطانيا العظمى والكلمة العليا لها، وبعد حرب السويس بدأت تلك الإمبراطورية تمهد للخروج من المنطقة ومنها ترتيب ملاذ آمن للإخوان المسلمين بعد صدامهم مع عبد الناصر فى 1954 فكانت قطر أحد أهم تلك الملاذات حيث تلاقت تلك الرغبة الإنجليزية مع ترحيب رأس قبيلة آل ثانى فى قطر الشيخ على بن عبد الله آل ثانى الذى فتح لهم أبواب المشيخة مهيئا لهم مجالا للإستقرار المعيشى وتكوين تيار إسلامى محافظ يتلاقى مع العقيدة الوهابية للشيخ، وكان من الرعيل الأول الذى لجأ الى قطر الشيخ يوسف القرضاوى الذى سيطر على جامعة قطر وأنشأ كلية الشريعة، وعبد البديع صقر الذى ارتقى فى المناصب حتى وصل إلى منصب المستشار الثقافى لحاكم قطر، وحسن المعايرجى الذى وصل إلى أرفع المناصب فى وزارة التعليم للدرجة التى جعلته يقوم بالتدريس للشيخ حمد بن خليفة، وأحمد العسال الذى عمل فى قطر طوال فترة الستينيات، وعبدالحليم أبوشقة الذى ألف الكثير من الكتب المتعلقة بالمرأة فى قطر، وسيطر على الجمعيات الخيرية، وكمال ناجى وعز الدين إبراهيم وعبدالمعز عبدالستارمن الرعيل الأول للإخوان، وتولى تأليف الكتب المدرسية القطرية، وأيضا سيطر على الجمعيات الشرعية والأوقاف، وجاء تركيز الإخوان كعادتهم دائما على قطاع التعليم وتربية النشأ حيث يتم لهم غرس أفكارهم بسلاسة وهدوء.
كان اهتمام بريطانيا في البداية بمنطقة الخليج، والذي انطلق في القرن السابع عشر، يهدف لتطوير المصالح التجارية فى طريق شركة الهند الشرقية، حيث تم اكتشاف آبار النفط خلال ثلاثينات القرن العشرين، سعت بريطانيا لضمان منح هذه الامتيازات فقط لشركات مملوكة لها، ومنذ خمسينات القرن العشرين وما تلاها تطورت صناعة النفط وازدادت ثروات الدول الخليجية ما مكنها من إستقدام عمالة من الدول العربية خاصة مصر لثقلها السكانى ومن دول آسيا، ومع تنامى الحركة القومية فى الخمسينات وبروز الدور الناصرى، تواكب ذلك ونشوء حركات مسلحة ضد الإستعمار البريطانى فى اليمن وعمان والبحرين وباقى المجتمعات الخليجية، وعجّل ذلك برحيل المستعمر بدئا من الكويت فى بداية الستينات، وساهمت بريطانيا فى ما يعرف بمفاوضات الوحدة بين مان يسمى بالإمارات المتصالحة "أبو ظبى ودبى ورأس الخيمة والشارقة وعجمان وأم القوين" بالإضافة الى قطر والبحرين، تلك التى إنتهت بقيام دولة الإمارات العربية المتحدة بينما فضلت إمارتى قطر والبحرين أن تستقلا بنفسيهما.
فى فترة التسعينيات انقسم جسم الجماعة القطرى، وأصبح هناك قسمان، فبرز تيار ركز على الأمور التربوية والمؤسسات التعليمية، وحلقات حفظ القرآن، والأُسَر، والتعليم الشرعى، والقسم الآخر تعاون مع التنظيم العالمى للجماعة، إلا أنه فيما بعد أعلن عن حل نفسه فى عام ٢٠٠٣، بعد ضغوط، وخوفًا من أن ينال الجماعة أى تفتيت بعد الضغط الخليجى، وحرصًا على أن تمرر الجماعة ذاتها بسهولة فى المجتمع القطرى، وفى عام ١٩٩٥ تولى حمد الإمارة بعد إنقلابه على أبوه، وبعدها أنشأ قناة «الجزيرة»، وبدأت الدوحة تبحث عن دورٍ إقليمى ودولى بما يفوق إمكانياتها وبما توفر لها من أموال طائلة، واستغل حمد وجود الإخوان، وأصبح من ساعتها الإخوان موظفين رسميين لدى المخابرات القطرية، فالإمارة الصغيرة لا تملك أدوات صنع الصراع الرئيسية، وهى القوة البشرية والجغرافيا «مساحة وموقع»، ولا تستطيع - كما غيرها من الدول - إنتاج تكنولوجيا المتقدمة ككوريا الشمالية مثلا، لذا اعتمدت على الإخوان كأداة من أدوات "القوة الناعمة"، ومولت قطر الإخوان عن طريق عبدالرحمن النعيمى، الذى أنشأ "منظمة الكرامة لحقوق الإنسان"، ومقرها الرئيسى فى جنيف بسويسرا، ولها فرع بالدوحة، وجميع أعضائها من المنتمين لجماعة الإخوان، ويمثلون الأغلبية فى التنظيم الدولى للإخوان، وهم من المطلوبين أمنيا لدى كثير من أجهزة الأمن العربية مع العلم بأن النعيمى أيضا موضوع على قوائم الإرهاب كممول رئيسى، للجماعات الإرهابية فى العراق وجبهة النصرة فى سوريا وجماعة الشباب فى الصومال وغيرها.
بعد ثورة 2011 مباشرة اجتمع خيرت الشاطر بحمد بن جاسم، وطلب منه "قبل الانتخابات الرئاسية المصرية" أن يخبر أمريكا أن الإخوان سيحافظون على كامب ديفيد، وجميع العلاقات الدولية بالدول الغربية، وفى المقابل طلب دعمًا ماديًا، وهو ما وفرته قطر بالفعل للجماعة، عن طريق بنك قطر الإسلامى حيث يتم تحويل الأموال إلى حساب بنكى يخص «أكاديمية التغيير» التى يديرها هشام مرسى زوج ابنه الشيخ يوسف القرضاوى فى القاهرة، وصار على قطر أن تلعب دورا وظيفيا في بلورة التوجهات الأمريكية الجديدة القائمة على إشراك التيارات الإسلامية المعتدلة في الحكم وفقا للسيناريوهات التي يتيحها الربيع العربي في عدد من الدول كتونس ومصروالمغرب وليبيا.. هكذا يمكن رصد البصمات الواضحة للدعم القطري الإعلامى والمالى وتوفير حواضن آمنة والدعم بالسلاح والتدريب لمنظمات إخوانية وسلفية جهادية فى مصر وسوريا وليبيا وغيرها.
تعانى قطر من "عقدة الصغير" وتسعى من خلال علاقتها بالإخوان الى لعب دور أكبر من حجمها، وفى سبيل تحقيق قطر لهذا الدور وثّقت علاقاتها بإيران من جهة وزادت ارتباطاتها بإسرائيل حيث أنشأت مكتب اتصال في تل أبيب واستقبلت مكتب اتصال إسرائيلي في الدوحة، كما زارها شمعون بيريز وتسيبى ليفنى وكثير من القيادات الصهيونية، فى نفس الوقت الذى تعزز فيه علاقتها بحماس وتحتضن قياداتها، كما أن قطر بلغت في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية مستويات كبيرة، إلى حد احتضان أكبر قاعدة أمريكية فى العالم لعبت دورا كبيرا فى العدوان على العراق، والدعم القطري للإخوان دعم مفتوح، يقضي بمصاحبة الإخوان إلى حين الفوز في الانتخابات داخل البلدان التي تعتمد صناديق الاقتراع قاعدة للتداول على الحكم، أو دعمهم بالسلاح والتمويل في البلدان التي يقتضي تغيير الأنظمة فيها عملا عسكريا حاسما كما حدث في ليبيا ويحدث في سوريا، . وهذا ما حصل في الإمارات حيث وجهت أصابع الاتهام بشكل شبه رسمي إلى الدور القطري الداعم لشبكة الإخوان التي تم تفكيكها في الإمارات، بالإضافة الى دور "الجزيرة" ذراع قطر الإعلامية التى رست في السنوات الخمس الأخيرة على جانب واحد بعد أن تقلبت بين الطرحين القومي والإسلامي وأصبحت منبرا للإخوان المسلمين يدافع عنهم باستماتة ويهاجم أعداءهم بعنف.
رغم كل ما تقدم فإن دور قطر يبدو شبه مستحيل مهما كان لديها من أموال، فالسياسة ليست لعبة كرة القدم التى إشترت حق إقامة كأس العالم بأموالها وتشترى اللاعبين وتجنسّهم من مختلف دول العالم، ولا يمكن مقارنة دور قطر بالدور التركى، لأن أنقرة تنطلق في موقفها المساند للإخوان المسلمين من قاسم مشترك يجمع الطرفين هو الإسلام السياسي في صيغة شبه متطابقة، بالإضافة إلى أن وصول الإسلام السياسي للسلطة في البلدان العربية يخدم مصالح حزب "العدالة والتنمية" ويمنح الدولة التركية نفوذا سياسيا واقتصاديا وعسكريا في المنطقة يجعلها في أقل تقدير على رأس ما يشبه امبراطورية عثمانية جديدة، وقد يغنيها ذلك نهائيا عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، فماذا ستجني قطر بالمقابل؟، أم أن قطر تكتفى بلعب دور الطفل المشاغب الذى يريد إمتلاك العالم!، وما يزيد من غموض دور قطر في هذه اللعبة الكبرى أن اندفاع الدوحة في هذا الطريق لم يتوقف، بل تواصل بزخم أكبر على الرغم من الضغوطات الكبيرة من قبل السعودية ودول الخليج الأخرى، ما يعني أن نهج الدوحة خيار استراتيجي لم يفقد قيمته حتى بعد حدوث تغيير في رأس السلطة في قطر عام 2013 بتنازل حمد بن خليفة آل ثاني عن الحكم لنجله تميم.
فى نهاية المطاف، يمكن القول إن قطر الآن تتخندق مع الإخوان في أكثر من بلد عربي مرت به رياح التغيير أو الثورة، وحتى الآن دفعت الدوحة المليارات من أجل "التمكين" للإسلام السياسي متمثلا في الإخوان، في ليبيا وسوريا ومصر وتونس إلا أن جهود الدوحة لم تحقق النجاح المأمول، فهي تواجه مقاومة عنيفة في ليبيا، فيما باءت بالفشل في مصر بعد تنحية محمد مرسي عام 2013، وهي تنحسر في سوريا وتدور في حلقة مفرغة، إنها تعلم يقينا أنها لا يمكن أن تتحول لدولة عظمى أو حتى دولة فاعلة فى المنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نادين الراسي.. تتحدث عن الخيانة الجسدية التي تعرضت لها????


.. السودان.. إعلان لوقف الحرب | #الظهيرة




.. فيديو متداول لحارسي الرئيس الروسي والرئيس الصيني يتبادلان ال


.. القسام: قنصنا جنديا إسرائيليا في محور -نتساريم- جنوب حي تل ا




.. شاهد| آخر الصور الملتقطة للرئيس الإيراني والوفد الوزاري في أ