الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


- الانفتاح الكوني والثورة المعلوماتية - من -دهشة فعل التفلسف كعقلنة - في الحلقة العاشرة - الجزء الثاني من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في -بؤرة ضوء-

فاطمة الفلاحي
(Fatima Alfalahi)

2017 / 6 / 15
مقابلات و حوارات


" الانفتاح الكوني والثورة المعلوماتية " من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة العاشرة - الجزء الثاني من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي في "بؤرة ضوء"

https://i58.servimg.com/u/f58/19/60/38/08/5510.jpg

ب - 10 - هل لكلها من عودة بعد هذا الانفتاح الكوني والثورة المعلوماتية، في زمن الخراب العربي لتجتاحه صوب الغرب؟

خديجة زتيلـي:

تسعى الثقافة البشريّة اليوم سعيا حثيثاً إلى تحويل ما هو متساوٍ بالطبيعة إلى مشروع للتمييز وتوسيع الهوّة بين الأنا والآخر من خلال صياغة مقولات لتبرير التعسّف والتراتبيّة، ففي البلدان العربيّة كان اتّجاه الناس نحو الالتزام الديني يَعِد، إلى جانب دور الإعلام، بأن يتشبّث الناس أكثر من أيّ وقت مضى بالقيّم الانسانيّة العُليا، ولكنّ الذي حدث لاحقاً كان على عكس التوقّعات تماماً فنهضتْ القبائليّة والطائفيّة والعرقيّة تعيثُ في الأرض فساداً، وعاد بُعْبع العُنصريّات يُخيف الجميع ويُثير الأسئلة الملْغِزة. ما من شكّ أنّ للصورة الإعلاميّة في الثقافة المعاصرة أثرها في تشكيل ذهنيّة الناس وهي تتناول يوميّا مآسي كوكبنا وتعْرض على الشاشات صوراً مُرعبة عن الأمراض والحروب والفتن، وعن مشاكل المناخ وثُقب الأوزون ومخاطر الاحْتباس الحراري ونضوب المياه والنفط والتصحّر البيئي، ولا شكّ أنّ كلّ تلك الصوّر «أورثتْ حالة من الخوف ونُقص الأمان وضَياع التَطلّعات» على حدّ تعبير الغذّامي في كتابه ((القبيلة والقبائليّة)) (ص34) الذي كنّا قد أشرنا إليه في سياق سابق من هذا الحوار. وأمام اسْتفحال ظاهرة الخوف واللآمان جرّاء المصائر المفزعة للإنسان راح هذا الأخير يبحث عن حلول جُنونيّة تتناسب وجنون العصر فعادت من جديد الأصوليّات الجذريّة تطرح نفسها كنكوص إلى الخلف وهروباً من الواقع المرير.

لم يكن التركيز على المرجعيات الأصوليّة إذن من باب الصدفة بل إنّها كانت نتيجة حتمية للوضع القائم، ولما تُمثّله تلك الأصوليّات من رصيدٍ ثقافي ورمزيّ تَشكّل في الماضي وفقَ تَصوّرات تاريخيّة وظرفيّة كانت هي مُكوّنات الوجود الأصلي، ويشرح كتاب الغذّامي عن ((القبيلة والقبائليّة)) بعمق في فصله الخامس هذه المسألة حين يورد بهذا الصدد نماذج عن تلك الأصوليات مثل عودة المحافظين في أمريكا من تقليديّين وجدد وعودة للمسيحيّة الأصوليّة وما يُصاحبهما من تمييز عِرقي وفِئوي، والأمر ذاته يَنْسَحب على الثقافة العربيّة بعودة الطائفة والمذهب والمنطقة والفئة. وفي ضوء عرضه يُذكّرنا الكاتب بتاريخ المحافظين الجدد الذين كانوا في الأصل من اليسار لكن عندما تكسّرتْ أحلامهم اليساريّة «ارتدّوا ارتدادةً خطيرة وتحوّلوا إلى صقور حرب وجاؤوا بمقولات صراع الحضارات ومحور الخير/ الشرّ، وشعار نحن وهم وتمكّنوا من بلوغ مراكز القرار في زمن جورج دبليو بوش، حتّى فرضوا سياسات الاجْتياح والسوق الحرّة والاستحواذات الاقتصاديّة الجَشعة، تحت تصوّر عُنصري خطير يجعل الرأي السياسي عقيدة وسلطويّة مُسلّحة بأعْثى الأسلحة» (ص35).

هذا ما حدث في أمريكا في التاريخ المعاصر وشبيه به ما يَذْكُره الكامل لـابن الأثير، الذي يعود إليه الغذّامي على سبيل المثال، ويروي ابن الأثير في كتابه أحداث المجاعة التي صارت في بغداد في حدود السنة ستمائة للهجرة وجاع الناس فيها جوعاً كبيراً وكان من أكبر ضحاياها الأطبّاء الذين يتمّ استدعاءهم ليلاً من طرف الناس بحجّة التطبيب والمداواة، ولكنّهم في حقيقة الأمر يجدون أنفسهم بين يدي قوم يذبحونهم ويأكلونهم بلا رحمة من شدّة الجوع، وهناك حوادث أخرى في التاريخ لا تقلّ بشاعة عن ذلك، وهذا الأمر يعني أنّ «النسق البشري واحد مُتكرّر.. حيث المدينة الكُبرى الحديثة جدّا لا تختلف في سلوكها العامّ عن القبيلة القديمة جدّاً» (ص36). وعلى صعيد آخر أضافتْ ثقافة الصورة من أضرارها على المشهد المعاصر بتكرار صوّر الأحداث المرعبة والمؤلمة والدامية على الشاشات، ما جعل الناس يشمئزّون من الواقع ويَنْفرون منه ويبحثون عن مَرَاتع جديدة للطمأنينة والسكينة الروحيّة والسلام، ولو أدى بهم ذلك إلى الارتماء في أحضان عِلاجات وهْميّة ومُضِرَّة.

أورثتْ الحياة الحديثة والعولمة الخوف من المجهول والخوف على المصير الإنساني، وقد عمّ هذا الشعور الكون بأكملهِ فأصبح خوفاً كونيّاً، ومثلما لجأ الانسان في القديم إلى الأساطير لمواجهة مخاطر الطبيعة، عاد من جديد في الحياة المعاصرة ليواجه المخاطر والخوف بأساطير ذات صيّغ أخرى، فجاهر كلّ واحد بمكنوناته وبات التصريح بالأصوليّات أمراً طبيعيّاً ويحدث على مرأى ومسمع الجميع. ففي كتابه الذي يحمل عنوان ((اللانظام العالمي الجديد)) يتحدثّ تزيفتان تودوروف Tzvetan Todorov (1939-2017) بكثير من المرارة عن السلفيّين الجدد ووهم الديمقراطيّة في أمريكا، فقد تبلورتْ ادّعاءاتها بسعيها الحثيث، فيما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة، إلى نشر الديمقراطيّة والحريّة والكرامة وحقوق الانسان والقضاء على الديكتاتوريّات، وكانت ولا تزال تقدّم نفسها إلى العالم بوصفها مُخَلّصة البشريّة من الآثام والشرور، مُجسدة بذلك فكرة الشعب المختار الموجودة في التوراة، ويبدو أنّ خطابات بوش في فترة ما قبل غزو العراق وما بعدها كانت تُعزّز هذه النظريّة وتروّج لها على أوسع نطاق ممكن لتبرير أي تدخّل عسكري خارجي، وفي الأثناء كان بوش يعمل تحت رعاية فريق المحافظين الجدد وهندستهم للسياسات الداخليّة والخارجيّة للولايات المتحدة الأمريكيّة، ولكن هل يمكن لأمريكا أن تُقنع العالم بأسره بأكاذيبها التي تعمل على تسويقها إعلاميّا وثقافيّا؟

وفي حقيقة الأمر فإنّ هذا السجال السياسي-اللاهوتي ظلّ مُحْتدما في الملكيّة التي اتّكأتْ على الحقّ الإلهي لتكريس شرعيّتها وما ينتج عنها من أفكار وإيديولوجيّات تَعِد بالخير الوفير، فنجدها على إثر ذلك تستبيح أيّ ممارسة في سبيل تسريع تطبيق أفكارها، وتُغلّفها بغلاف ديني وإيديولوجي، وفي هذا المقام يُطرح السؤال الوجيه: كيف تزدهر الديمقراطيّة والليبيراليّة في ظلّ هذا الفكر العقائدي الذي يقوم بإملاءاته على الخارج؟ كيف يعيش أيّ شعب في العالم حُرّا طليقا إذا لم يُترك لشأنه في اختيار مصيره وطريقة عيشه ونظامه السيّاسي المأمول؟ ألا يُمكن إدانة الطغاة في العالم بوسائل غير الوسائل التي تلجأ إليها أمريكا كالغزو مثلا؟ ألا يمكن فعل ذلك دون استخدام للعنف المفرط؟ أليس بالإمكان الترّيث في اتّخاذ القرارات التي من شأنها أن تَنْسف استقرار الدول وأمن الشعوب؟ ألم يكن جديراً بأمريكا أثناء حَربها على العراق أن تُجرّدها من الأسلحة خلال أربعة أشهر دون قتل أحد بدلا من أربعة أسابيع وقتل آلاف الأشخاص وتشريد آلاف أخرى منهم؟ يتساءل تودوروف، مُعلّقا على مسعى أمريكا ومُستاءا من التصرّفات الرعناء لها؟ وهل تبرّر المقاصد النبيلة الوسائل الدنيئة؟

لا يمكن توصيف السياسات الأمريكيّة الخارجيّة العنيفة بهذا الشأن إلاّ بإمبريالية الإمبراطوريّة الأمريكيّة التي تكتسح العالم بأخدوعة الدفاع عن القوميّات وبأكاذيب توطين الديمقراطيّة، تلك المزاعم التي لم تعد تَنْطلي على أحد لأنّ المبرّر الحقيقي من سياسات أمريكا الاستعماريّة تلك، غير المعلنة بصريح العبارة، هو حماية ورعاية مصالحها السياسيّة والاقتصاديّة في شتّى أنحاء العالم، فتشنُّ من أجل ذلك ما يُسمّى بـــــــ الحرب الوقائيّة أو الحرب الاستباقيّة التي تُشرعن الاعتداء على خصوم وهميّين ومُحتملين والتدخّل العسكري السافر في أي منطقة من العالم للدفاع عن ما تُسميه بالأمن القومي الأمريكي، ذلك هو وجه أمريكا الحقيقي وماعدا ذلك مجرّد تُرّهات لدرّ الرماد في العيون. وهذا ما حدا بالكاتب الأمريكي موريس بيرمان Morris Berman المولود عام 1944 إلى الاعتراف بملء فيهِ في كتابه الذي يحمل عنوان انحطاط الحضارة الأمريكيّة، بأنّ هذه الحضارة هي في ورطة حقيقيّة مع إطلالة القرن الواحد والعشرين ، وأنّها تتلاشى ولابدّ من إعادة بنائها على أسس وقيم جديدة، مُنتقداً في الأثناء الواقع الاقتصادي الجشع وحضارة الاستهلاك العارمة، ومُشَخّصا في الوقت نفسه أمراض أمريكا الأخرى التي ساهمت في انحدارها روحيّا وأخلاقيّا، ليقترح بيرمان في نهاية المطاف في كتابه المذكور طريقا للشفاء الحضاري يكون بإمكانه تغيير وجه أمريكا القاتم.

انتظروا قادمنا من "دهشة فعل التفلسف كعقلنة " في الحلقة الحادية عشر من حوارنا مع البروفيسورة خديجة زتيلي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبيعات سيارات تسلا الكهربائية في تراجع مستمر • فرانس 24


.. نتنياهو ينفي معلومات حول إنهاء الحرب قبل تحقيق أهدافها




.. رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نتمسك بتدمير البنية التحتية لحم


.. شركة تبغ متهمة بـ-التلاعب بالعلم- لجذب غير المدخنين




.. أخبار الصباح | طلب عاجل من ماكرون لنتنياهو.. وبايدن يبرر سوء