الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وانقلب السحر على الساحر

كاظم محمد

2006 / 2 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


أنها الديمقراطية ، بمفرداتها المعروفة ، والتي لم يبتكرها بوش وحلفاءه ، انها الحرية والاختيار كحق من حقوق البشر ، والتي ولدتهم امهاتهم احرارآ ، هكذا هي تولد مع الانسان ، غريزة بشرية لاحدود لها ، تُرشدها الحياة والعائلة والمجتمع ، وتضفي عليها الانظمة الفوقية أُطرها وقواعدها لضبطها وتنظيمها لمصلحة المجتمع .

هكذا ارادها الانسان منذ القدم ، اراد البحث عن العدالة في الحكم وفي صيرورة وآلية القرار الذي يدير الدولة والمجتمع ، وعبرت هذه المجتمعات عن تلك الحاجة بكفاحها ودعواتها للتحرر والانعتاق من الاستغلال والاستعمار والاحتلال ، لتمسك بناصية مستقبلها السياسي والاقتصادي الوطني المستقل والحر .

لم يكن الشعب الفلسطيني بعيدآ عن هذه الأرادة الانسانية ، بل كانت هذه الأرادة ملازمةً لهُ في نضاله وكفاحه الطويل والمتعرج والمعقد ، في البحث عن الهوية والارض والوطن ، والذي احسن تجسيدها وتجسيمها بصورٍ تاريخيةٍ مختلفة في محطات كفاحه وجهاده الكثيرة ، فكان التنوع الفكري والسياسي والحركي ، وحيثيات كفاحه العسكري المعقد المتداخل مع بناء اطره السياسية الوطنية ، والتي عرقتها التجارب والمحن ، وصقلتها السنين مع متغيرات السياسة والموازين والمواقف ، لتصبح قضية هذا الشعب اساس المعادلة السياسية في منطقتنا من حيث السلم والحرب .
تأهل هذا الشعب لأن يخوض التجربة الديمقراطية بخطواتها الأولى في الانتخاب والاختيار ، وبكل بساطة ونجاح ، فكانت الانتخابات الاولى للمجلس التشريعي وانتخابات الرئاسة بعد رحيل الرئيس عرفات ، وها هو الشعب الفلسطيني يخوض استفتاءا انتخابيآ جديدآ نظيفآ نزيهآ خالي من التزوير ، ناصعآ في نجاحه وشفافيته وتحت نظر العالم والمراقبين الدوليين ، فلا غرابة ان يشيد كارتر وبيلد بهذه الانتخابات ، ويهنأ بوش على مضض الرئيس عباس على نجاحها ، والأهم من هذا وذاك هو اعتراف المنافس الخاسر (فتح) بخسارته وتهنئة حماس بفوزها.

جاءت هذه الانتخابات في ظروف نتائج تداعيات السياسة الاسرائيلية الرامية لتصفية قضية الشعب الفلسطيني ، وانسداد افق الحلول السياسية ، إلا بما يتناسب والاهداف والمصالح الاسرائيلية والمدعومة امريكيآ بمجمل سياستها تجاه العالم العربي والاسلامي ، وفي ظل مناخ اقليمي تسيطر على أجواءه سياسة القطب الواحد بأملاءاتها وتداخلاتها وتهديداتها واحتلالها لعمق استراتيجي عربي ، ليرسم عناوين واسماء وخارطةً جديدة للمنطقة ، تكون القضية الفلسطينية والعراقية ابرز عناوينها في الصياغات الامريكية والاسرائيلية .

أن ميزة هذه الانتخابات المجلجلة ، والتي اذهلت الكثيرين بنتائجها الكاسحة والمعبرة عن الأرادة الشعبية الفلسطينية ، هي رفع حماس الى دفة السلطة والقيادة التمثيلية لهذا الشعب ، وبالتالي فقد تجلت ارادة الرفض لجوهر السياسة الراعية لعملية السلام طويلة العمر ، ولمنطق الرضوخ للأملاءات ، وهي في ذات الوقت اول تجربة عربية ناصعة في الاختيار الحر ، حيث ستتحول هذه التجربة الى نموذجٍ ، لها تأثيرها في دعوة الاصلاحات المطلوبة في بلداننا العربية .

لقد عكس الموقف الدولي ، خاصة الامريكي والاوربي من نتائج الانتخابات الفلسطينية ، طبيعة السياسات الازدواجية في مراميها العلنية والسرية ، وزيف أدعاءات الاصلاح و الديمقراطية ، كونها غطاء لتمرير وتكريس مشاريعها الاقليمية المتضاربة مع تطلعات شعوب هذه المنطقة .
لقد كان وجه الرئيس بوش وتلعثمه في الحديث عن الانتخابات الفلسطينية اصدق تعبيرآ عن الامتعاض من هذه الانتخابات ونتائجها ، والتي اصر شخصيآ على اجرائها في موعدها لأعتباراتٍ داخلية ، وبعد ان كان الرئيس محمود عباس يرغب بتأجيلها ، لأسبابٍ داخلية ايظآ ، حيث هدد بقطع المساعدات الامريكية عن الشعب الفلسطيني وبمعاقبة هذا الشعب على اختياره ، اما سولانا فكان اكثر مباشرة عندما اشار الى انهم سوف لا يتعاملون مع منظمة أرهابية جاءت بها هذه الانتخابات ، اما بعض الدول الاوربية فبدأت بطرح شروطها للتعامل مع الحكومة الفلسطينية المقبلة ، وهي بحد ذاتها تعبر عن روحية الابتزاز السياسي وعقلية السياسة المتناغمة مع الادارة الامريكية وتوجهاتها الاقليمية .

كان لممارسة الشعب الفلسطيني حقه في الاختيار ، قد كشفت وعرت مرةً اخرى مدعي مشروع الاصلاح والديمقراطية ، ونوع ا لديمقراطيةٍ التي يريدون ؟ وأي نتائج يبتغون ؟ يريدونها معلبةً ومقننةً وبمقاساتٍ تتناسب مع سيادة القطب الواحد ومقتضيات ترتيباته العالمية ، يريدونها مطاطةً قابلةً للترشيد والتنقيح المطلوب ، يريدونها بأليتها ونتائجها متبرقعةً بمتطلبات ليبراليتهم المسخ ، والتي تفتقد الرائحة والطعم ، والموجهة لمجتمعاتنا حصريآ ، يريدونها تؤسس للأستكانة والتخلي عن روح الرفض والمقاومة ، وتدخل في وظيفة الخدمة المباشرة لمشاريع المحافظين الجدد ، لقد انقلب سحرهم عليهم ، وباتوا يتحسسون النهوض وعناصره ، فلجأ وا للتطويق السياسي والاقتصادي ، للمحاصرة والابتزاز.

ان الشعوب تعرف ما تريد ، لذلك فأن الشعب الفلسطيني اجاب العالم ، كما اجابه شعب فنزويلا وشعب بوليفيا والشعب التشيلي ، والذين رفضوا التبعية والأملاءات وتحدوا عنجهية الغباء الامريكي ، واستعلوا على ديمقراطية بوش وادارته ، بديمقراطياتهم وخياراتهم الوطنية والتي نجحت في ايصال من يختارون لسدة الحكم رغم المحاولات الحثيثة للتدخلات والضغوطات الامريكية .
ان نتائج الانتخابات الفلسطينية ، هي ردُ نفسي وعقلي على كلية السياسة الامريكية والاسرائيلية في منطقتنا عامة وتجاه القضية الفلسطينية خاصة ، وهي ليست فشلآ لخيار السلام كما تروج بعض الدوائر الامريكية والاسرائيلية ، بل فشل سياسة الجلد والترويض الامريكية لشعوبنا للقبول بالسلام الأسرائيلي المستند على التهام الأرض والبشر ، ان هذه النتائج هي تجسيد لروح المقاومة المتأصلة لشعب تهان كرامته يوميآ ويسجن في وطنه بكانتونات الحجز والعزل واسوار الفصل والتقسيم .

ان الاختيار الشعبي لحماس مقرون بمطا لب وطنية ، كما كان مطلوبآ من فتح ، فعلى حماس خلع الرداء الحركي واعتمار الرداء الوطني الذي يكرس الوحدة الوطنية وينشد حكومتها التي تضع استراتيجيتها الموحدة لمواجهة استحقاقاتٍ اقليمية ودولية ، تتطلب ، الادراك الدقيق للأهمية الكبيرة لهذا التغيير وتاثيراته العربية والاقليمية ، حيث المراهنة الشعبية العربية اصبحت تميل الى التيارات لاسلامية المعتدلة والمكافحة والمقاومة والتي يجب ان تتقن فن السياسة الى جانب الكفاح المسلح ، وان تؤصل استمزاج الأتزان بين الرؤى العقائدية ومتطلبات العولمة المعقدة وسقوفها السياسية اقليميآ ودوليآ ، وعليه فأن تجربة حزب الله في لبنان والاخوان في مصر وفوز حماس هي عناصر نهوض في الاصلاحات المطلوبة وفي مجال الحريات السياسية والفكرية إلى جانب قوى وطنية مؤدلجة وغير مؤدلجة .
ان هذا التيار الوطني والاسلامي ينبغي ان يعي دوره في التحولات القادمة ، وخاصة مع مأزومية الانظمة الحاكمة وانسداد افاق سياسة الطغمة الامريكية في منطقتنا ، وافتضاح زيف وكذب ادعاءات الديمقراطية والاصلاح ، والتي ربما وبضغط من اليمين المتصهين والمتدين وكذلك من الانظمة التابعة والسائرة في فلكها ، تنقلب على طروحاتها وشعاراتها المعلنة بسياسة مكشوفة تكون اكثرتعبيرا عن غباءًها واستهتارها بمصائر الشعوب وخياراتها الحرة ، فتنقض بنفسها علنآ دعواتها المزيفة ، لتقف مع انظمة الاستبداد ضد تغيرات الاصلاح المطلوبة وطنيآ، وبذلك تعمق من مأزوميتها الاخلاقية والسياسية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع اليابانية رفضا لشراء طائرات مسيرة م


.. عادل شديد: مسألة رون أراد تثير حساسية مفرطة لدى المجتمع الإس




.. دول غربية تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب أهداف داخل رو


.. ما دلالات رفض نصف ضباط الجيش الإسرائيلي الاستمرار بالخدمة بع




.. أهالي جباليا يحاولون استصلاح ما يمكن من المباني ليسكنوها