الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يوميات امراة بين الضفتين 6

فتحية دبش
كاتبة، روائية، ناقدة ومترجمة

(Fathia Debech)

2017 / 6 / 18
الادب والفن




تهادت شموس يوم الأحد و تلاعبت نسمات الربيع الرقيقة بشالي البنفسجي،
قادمة أنا من الصحراء و مازالت تسكنني الهاجرة و لا يحتمل جسدي الصغير لطف طقس فرنسا، تعودتْ جلدتي السوداء على حرارة لا تقل عن الثلاثين درجة في الربيع و تفوق الأربعين صيفا...
قلت، تلاعب النسيم بشالي المُلتوي كثعبانٍ حبيبٍ على رقبتي، أحكمت شدّه من جديد و انتعلت كعبي العالي، تأبطت حقيبتي و ذراع زوجي و خرجنا...
كان كل شيء مُرتّب لا يفيض ورقٌ هنا و لا هناك، لا محابر لنغمس فيها إبهامنا للتنصيص على مرورنا من هنا....
بالباب وجهٌ صبوح، تعلوه ابتسامات، و تنزّ منه كلماتُ صباح الخير، مرحبا، نهاركم طيب، فتنزل على الأذن بردا و على القلب سلاما.
قبالتي مكتبٌ ممتدٌ عليه تستسلم القصاصاتُ الورقيةُ و المظروفات للإنتظار و تتغنّج للأصابع التي ستعبث بها بعد حين، فتتفصلها عن اخواتها، تقبلها العيون ،و تتلمّسها الأصابع قبل أن تطويها و تخفيها بغيْرة في الظرف الرمادي الصغير...
أدخل إلى الخلوة بستائرها الزرق السميكة.
و هنا أحتفل بلحظة شبق عنيف منفرد فأمزق قصاصة لا تغازلني و أدسّ قصاصة تراقصني...
أزيح الستار بغرور من امتلك القرار و اكرمه...
أتخذ مكاني في الصف، أخرِج بطاقة هويتي و بطاقة الناخب بألوان علم البلاد: ابيض، ازرق، احمر...
أنظر في عيون الذين قبلي و الذين بعدي، أبتسم للفرنسي بالوراثة متباهية بأن انتمائي هنا اختيارا على عكسه تماما،ثم أشكر أجداده الذين أقاموا حق المواطنة على أساس حق الأرض(le droit du sol)، أحيي الحنطي الذي وفد مثلي من الأقاصي و احتفى بمواطنته ...
أتقدم في الطابور، عجبا كل شيء هنا يشي برهبة التاريخ و الحدث، كل شيء في مكانه، كل سؤال له جواب قبل أن يولد...
حيّاني عون الإستقبال بابتسامة رقيقة.. هم هكذا دائما مبتسمون!
أستغرب دائما من قدرتهم على التفريق بين مواقفهم الشخصية و ضرورات مهامهم العملية...
قد يكون الواقف أمامي بأدب جم مناهضا لوجودي هنا كذات أصل غريب و رغم ذلك فهو مبتسم لي و لغيري...
هنا يعتبرون اللياقة للشخص و ليس للإنتماء،
يبتسمون للمحافظة على قيافة شخصية و ليس توددا للآخرين...
كم هم مختلفون عنا...
أعود إلى الأهم... تقدمت منه و بادلته التحية، فقد تحررت من بدويتي منذ وعيت وجودي على هذا التراب، استلمتْ زميلته أوراق هويتي، تفرستْ فيها و فيَّ و هزّت رأسها موافقة على بداية التصويت.
فتح الصندوقُ قلبَه يحتضن قصاصتي المندسة في الظرف الصغير،
ودعتُها بحنان و عن طيب خاطر، أمضيت -على فكرة مازلت أمضي بالعربية- و استعدث أوراق هويتي ، ودّعتهم متمنية لهم نهارا طيبا و انصرفت...
على الطريق، قلت لزوجي... أتفهَّمُ في كل مرة لماذا كانت أول انتخابات ليست حرّة شارك فيها أبواي في وطني الأم محفلا كالعرس تماما...
إنهم كانوا يحتفلون بحقّهم في التصويت حتى و إن كان المترشح وحيدا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ندى رياض : صورنا 400 ساعةفى فيلم رفعت عينى للسما والمونتاج ك


.. القبض على الفنان عباس أبو الحسن بعد اصطدام سيارته بسيدتين في




.. تأييد حكم حبس المتسبب في مصرع الفنان أشرف عبد الغفور 3 سنوات


.. عاجل .. إخلاء سبيل الفنان عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه




.. أول ظهور للفنان عباس أبو الحسن بـ-العكاز- بعد حـــ ادث اصـــ