الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جذور الظاهرة الترامبية وتجلياتها

عديد نصار

2017 / 6 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


لم يكن تسنم دونالد ترامب أعلى هرم الإدارة الأمريكية صدفة أو من خارج سياق تطور الواقع الاقتصادي والسياسي للنظام الرأسمالي العالمي وفي أقوى مراكزه، الولايات المتحدة الأمريكية. ربما كان استمرار وجود باراك أوباما في منصبه كرئيس للمؤسسة الحاكمة لثماني سنوات هو الاستثناء، في مرحلة يتفاقم فيها التعفن في بنية النظام المسيطر.
إن ذروة التعفن في بنية الطبقة الرأسمالية المسيطرة على العالم وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية كان لا بد لها أن تترجم، بعد ثماني سنوات من إدارة أوباما التي غطت على هذا الانحدار الحاد لكنها لم توقفه، كان لا بد أن تترجم على هذا النحو. ولئن كان دونالد ترامب يقف في مواجهة الاستابلشمنت، لكننا نلاحظ كيف أنه يتمكن يوما بعد يوم من تعزيز تحكمه، ليس لجدارته في قيادة دفة الحكم، بل لأن الاستابلشمنت نفسها باتت مجوفة من داخلها نتيجة التحول الذي يضرب بقوة بعد أن تمت تهدئته مؤقتا طيلة ثماني سنوات من وجود باراك أوباما في البيت الأبيض.
إن مقارنة نتائج فضيحة ووترغيت التي انتهت الى استقالة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون بما يمكن أن يؤول اليه ما يضج حول دونالد ترامب من فضائح تبقى مقارنة غير موفقة وذلك لأن الظروف المحيطة بكلا الحالتين جذرية في اختلافها ولا يمكن المقارنة بينها من حيث طبيعة النظام الطبقي المتحكم والقوى المهيمنة داخل هذه الطبقة. فما كان جائزا في مطلع سبعينات القرن الماضي لم يعد ممكنا في هذه المرحلة بعد التحولات الكبرى في بنية نظام رأس المال وتحوله من سيادة راس المال المنتج (الصناعي) الى سيادة الرأس المال الريعي الذي بات اليوم أقرب الى الطبيعة المافيوية الخالصة. وقد مرت الإدارة الأمريكية خلال هذه المراحل أيضا بتطورات جذرية مصاحبة للتحولات الكبرى في طبيعة النظام يمكن تعقبها في صعود المحافظين الجدد في ظل إدارة رونالد ريغن وصولا الى تمكنهم من السيطرة في عهدي جورج بوش الأب والابن وما رافق ذلك من انفلات تام في شن الحروب وسحق البلدان وفي الاحتلال المباشر لأفغانستان والعراق.
هذا الانفلات الذي كبد الأمريكيين الكثير من الخسائر إضافة الى استفحال الأزمة المالية والاقتصادية (أزمة الريع العقاري) وما ترتب عليها من انهيارات في الشركات والبنوك وارتفاع في نسب البطالة عوامل أسهمت في وصول باراك أوباما الى البيت الأبيض في محاولة لالتقاط الأنفاس، فكان الانسحاب الأمريكي من العراق وتخفيض وجود القوات الأمريكية بشكل كبير في أفغانستان والابتعاد عن الانخراط في الصراعات الإقليمية بشكل كبير، كما كانت تشريعات أوباما للتغطية الصحية والحماية الاجتماعية ما ساعد في الحد من غلواء الأزمة على الأمريكيين.
غير أن من كان يقف في الظل لثماني سنوات ويمعن في تجويف مؤسسات الحكم وتدمير الاستابلشمنت من الداخل لم يجد أكثر قماءة من دونالد ترامب ليدفعه الى رأس هرم السلطة بعد انتهاء ولاية باراك أوباما الثانية. هذا الرجل الشهير بعجرفته وعنصريته وباحتقاره للمرأة وللبشر لم يصل صدفة. لقد استطاع هزيمة أقوى أساطيل الاعلام في العالم، الاعلام الذي نرى اضمحلال أدواته التقليدية بوضوح في بلدان الأطراف ليس بأفضل حالاته حتى في الولايات المتحدة نفسها وقد جاء دونالد ترامب في ظل انحسار دور الاعلام التقليدي واكتساح الاعلام الموازي ووسائل التواصل المباشر والاجتماعي للساحات، في حين أن أدوات السيسم الأخرى ليست أفضل حالا وفي طليعتها القضاء والإدارة والتعليم العام وأجهزة المخابرات نفسها.
نعم، باتت الأذرع التي تقوم عليها الاستابلشمنت، والتي لا تزال في أذهان الناس العاديين قوى مخيفة، باتت أضعف من أن تصمد أمام اكتساح الترامبية التي هي الطور الحالي لظاهرة المحافظين الجدد بشكلها الشعبوي المتفلت وصورتها شديدة القماءة.
وهكذا يتمكن دونالد ترامب من إدخال العائلة الى البيت الأبيض بصفة مستشارين وكبار موظفين دون أن يردعه رادع، ويسقط الـ"أوباما كير" بدون أية مقاومة، ويقيل كبار مسؤولي أجهزة الأمن والاستخبارات ويحظر سفر مواطني عدة دول لأسباب عنصرية دون أن يتمكن القضاء من وقفه. ويطلق الأكاذيب دون رادع.
وفيما يأمر بقصف مطار عسكري في سوريا انطلقت منه الغارات بالأسلحة الكيماوية على خان شيخون، يمهد لذلك بإبلاغ الاحتلال الروسي لتكون الخسائر محدودة، وفيما يطلق التهديدات لإيران نراه، بعد مسرحية قصف رتل للمليشيات التابعة لها في محور التنف، يترك لتلك المليشيات أن تتواصل مع ميليشيات الحشد الشعبي في العراق عبر الحدود العراقية السورية، وفيما يرسم للنظام الأسدي خطوطا حمراء يترك البراميل الأسدية تنهمر فوق مدينة درعا، بينما يطلق طائراته في حرب تدميرية شاملة على مدينة الرقة، حرب لا تقل ضراوة ودموية عما ارتكبه نظام الأسد في مدينة حلب. وإذا كانت قوات الأسد تقصف بالبراميل وبغاز الكلور فإن طائرات أوباما تقصف بالفوسفوري والفراغي لتجعل من مدينة الرقة كتل من الدمار المختلط بأشلاء ودماء الأطفال والنساء والشيوخ. ويصمت العالم كأن شيئا لم يكن!
هي نفسها سياسة الأرض المحروقة التي يمارسها الأسد يمارسها ترامب بحجة وجود داعش. ويتساءل السوريون: هل تقوم قوات ترامب بتدمير شارع في منهاتن على رؤوس ساكنيه إذا ما تواجد فيه عصابة من الإرهابيين؟
لقد بدأ النظام العالمي رده على الثورات بالحرب بداعش وها هو اليوم يحاول أن ينهيها حربا بالحرب على داعش. ومَن أشد بذاءة من دونالد ترامب للقيام بذلك؟
وهكذا تتجلى صورة الاستابلشمنت الجديدة الأكثر قماءة، في ترامب وتقيؤاته التي ستحكم الولايات المتحدة وتتقرَّر على "ضوئها" سياسات الدول للمرحلة القادمة بتحالفاتها وصراعاتها.
لن يتمكن خصوم دونالد ترامب من إسقاطه حتى لو تأكد لهم تورطه بالجرائم المنسوبة إليه خصوصا في قضية عرقلة سير العدالة، وحتى لو تأكد لهم حقيقة تواصل حملته الانتخابية مع المخابرات الروسية قبل وبعد الحملة الانتخابية التي أوصلته الى البيت الأبيض. لن يتمكنوا من ذلك وسيسقطهم رأسا بعد رأس إذ لن تصمد أمام الترامبية مؤسسات تم تجويفها الى أن باتت قشورا فارغة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عزيزي الكاتب
فاخر فاخر ( 2017 / 6 / 19 - 07:41 )
من يقول أن الولايات المتحدة هي أقوى مراكز الرأسمالية العالمية عليه أن يعتزل السياسة نهائياً
الرأسمالية هي الإتجار بقوى العمل عن طريق تحويلها إلى بضاعة، ليس في غير ذلك رأسمالية على الإطلاق
يبدو أنك لا تعلم بأن 85% من قوى العمل في أميركا لا تتحول إلى بضاعة وهي لذلك لم تعد دولة رأسمالية وهي لذلك أيضاً مدينة اليوم ب 20 ترليون دولار
ولعلك لا تعلم أن الإمبريالية تعني فقط تصدير فائض الإنتاج ورؤوس الأموال وأميركا اليوم أكبر مستورد في العالم للبضائع ورؤوس الأموال
الصين توظف في أميركا 2.5 ترليون دولار منها 1.5 ترليون سندات على الخزينة الأميركية وهو ما يعني أن موازنة الدولة في أميركا نصفها دين من الصين وعليه يجوز لنا أن نصف الولايات المتحدة على أنها مستعمرة صينية تدفع فوائد سنوية للصين أكثر بككثير من 65 مليار دولار وهي مجموع ما توظف اميركا في الصين
أمام هذه الحقائق كل عمارتك السياسية هي عمارة في الهواء


2 - ليس جمودا فحسب، بل تحجر
عديد نصار ( 2017 / 6 / 19 - 14:23 )
أمام هذا التحجر الفكري، الأيديولوجي، لا يسعني إلا القول إن من يعتقد أن العالم لا يزال على حاله كما كان في سبعينات القرن الماضي لا يختلف في شيء عمن يرى أن الولايات المتحدة أصبحت مستعمرة صينية لمجرد أنها مدينة للصين.
لا بد من تحرير العقل من القوالب الجامدة. إن ديون الصين على الولايات المتحدة هي قيد على الصين وسلاح بيد البيوتات المالية الأمريكية تماما كما هي الحال في الاستثمارات الخليجية في أمريكا وأروربا وسائر مراكز الهيمنة الرأسمالية (الامبريالية). فهل أصبحت أوروبا مستعمرة خليجية لمجرد توظيف مليارات الدولارات الخليجية فيها؟؟


3 - التكلس العقلي
فاخر فاخر ( 2017 / 6 / 20 - 17:57 )
من تكلس مخه يظن أن أميركا اليوم هي أميركا الستينيات
المركز الرأسمالي يغتني كل يوم بأن يحول قوى العمل إلى بضائع لم تكن موجودة وتبادل البضائع بنقود جديدة أي أن المركز الرأسمالي يضيف إلى ثروته ثروة جديدة كل يوم
الحال اليوم غيره في السابق فمراكز الرأسمالية الكلاسيكية مدينة اليوم بأكثر من 60 ترليون دولار ومع ذلك ما زال قوم أغبياء يدعون أن هذه المراكز مازالت رأسمالية إمبريالية
معنى الإمبريالية كما عرفه لينين هو تصدير البضائع ورؤوس الأموال للمستعمرات والبلدان التابعة لكن أميركا اليوم أكبر مستورد في العالم للبضائع ورؤوس الأموال، فكيف تكون إمبريالية!؟
دول الخليج كلها لا توظف في أميركا أكثر من 400 مليار دولار بينما الصين توظف 2400 مليار فائدتها السنوية أكثر من 70 مليار دولار لم يسبق لدولة في العالم أن تحملت عبئاً كهذا
متى يتوقف المعلقون السياسيون عن اجترار أفكار قديمة
أنا أوصي السيد الكاتب أن يدرس سلسلة مقالات المفكر الماركسي الكبير فؤاد النمري في موقع إيلاف وخاصة الحلقة العاشرة قبل يومين

اخر الافلام

.. بايدن: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية #سوشال_سكاي


.. بايدن: إسرائيل قدمت مقترحا من 3 مراحل للتوصل لوقف إطلاق النا




.. سعيد زياد: لولا صمود المقاومة لما خرج بايدن ليعلن المقترح ال


.. آثار دمار وحرق الجيش الإسرائيلي مسجد الصحابة في رفح




.. استطلاع داخلي في الجيش الإسرائيلي يظهر رفض نصف ضباطه العودة