الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجلس .’’التآمر’’ الخليجي!

ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)

2017 / 6 / 20
مواضيع وابحاث سياسية



إثنان التزما الصمت حيال الأزمة القطرية: أمير قطر ومجلس التعاون الخليجي. الطرفان تصرفا حتى الآن وكأن القضية لا تعنيهما في مشهد عبثي جديد لمسرح اللامعقول السائد في المنطقة. هذا بحد ذاته تعبير مكثف عن مأزق الجانبين اللذين يعتبران من أكثر المعنيين بهذا الصراع والأكثر تأثرا به. وإذا كان أمير قطر تميم بن حمد قد أرجأ في آخر لحظة خطابه المنتظر وبطريقة كشفت إرتباكا في موقف بلاده، فإن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني لم يصرح لا سلبا وإيجابا عن الأزمة التي عصفت بالمجلس وتعامل معها وكأنها غير موجودة. ربما لأن بلاده البحرين طرف مباشر في الصراع الأمر الذي دفعه لتجاهل ليس فقط لوائح الاتحاد وإنما أيضا المنطق والعقل السليم. لكن صمت المجلس لم يعبر عن ضعف موقف أمينه العام بالدرجة الأولى، وإنما عن هشاشة الأسس التي يقوم عليها هذا البناء في مؤشر على أنه يعاني من نفس الأمرض التي ابتلت بها أشكال التعاون العربي المشترك خلال العقود الماضية.
حتى الآن كان مجلس التعاون الخليجي يعد التجربة الوحيدة الناجحة نسبيا في التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي بين عدد من البلدان العربية. فبعد التجارب "الوحدوية" البائسة والمفتعلة لجمال عبد الناصر وصدام حسين ومعمر القذافي بدا العرب وكأنهم قادرون بالفعل على التوصل إلى صيغة عملية ومفيدة للتقارب بعيدا عن الشعارت القومجية والإنشائية الكاذبة عن "الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة". صحيح أن تأسيس المجلس في عام 1981 جاء بالدرجة الأولى نتيجة مخاوف أمنية في ظل الاضطربات التي أثارتها ثورة الخميني الإسلامية في إيران وسياسة تصدير الثورات واندلاع حرب الخليج الأولى بين الجارين العراق وإيران. لكن التركيز على الهموم الأمنية المشتركة لم يمنع التكتل من اتخاذ خطوات هامة على طريق تحسين التبادل التجاري وتنسيق السياسات الاقتصادية وصولا إلى تحقيق نوع من الاندماج بين دول المنطقة. وكان إقامة الاتحاد الجمركي الخليجي في عام 2002 إحدى أهم هذه الخطوات التي سمحت بتحقيق قفزة كبيرة في التجارة البينية للدول الأعضاء حيث تضاعف التبادل التجاري بينها إلى أكثر من ستة أضعاف ليصل إلى 115 مليار دولار في عام 2015. وإلى جانب تسهيل انسياب السلع سعت دول الخليج لتشجيع انتقال رؤوس الأموال والاستثمارات المباشرة وضمان حرية تنقل الأفراد عبر الحدود بين الدول. ودفعت هذه النجاحات قادة الدول الخليجية للحلم بإقامة اتحاد خليجي واعتماد عملة مشتركة على غرار الاتحاد الأوروبي. لكن ترجمة هذه الأحلام إلى واقع معاش بالنسبة للمواطنيين الخليجيين اصطدمت منذ البداية بعقبات اقتصادية وسياسية وتاريخية. فقد كان من الواضح ان مزايا الاندماج والتكامل لن تكون كبيرة طالما أن هياكل اقتصادات الدول الأعضاء متشابهة ولا تكمل بعضها البعض الآخر. ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى حقيقة اعتماد هذه الدول بالدرجة الأولى على صادرات الطاقة من النفط والغاز.
لكن العقبة الأكبر التي حالت دون تطور المجلس تكمن في أن إجراءات التقارب والتعاون جاءت من فوق وبقرارات من قبل أنظمة تسلطية ودون أي مشاركة أو تفويض شعبي. فكل الدول الأعضاء تفتقر لحياة ديمقراطية حقيقية وتتحكم بصناعة القرار فيها عوائل تقليدية تحتكر مفاتيح السلطة والثروة. صحيح أن هناك تفاوتا في مساحة الحريات وفي درجة القمع بين السعودية والكويت أو قطر والإمارات، لكن قرارات تسريع التعاون أو إبطائه يخضع في كثير من الأحيان لأهواء ومزاج الملوك والأمراء والعلاقات الشخصية بينهم.
انعكس هذا الواقع بشكل مباشر على مؤسسات مجلس التعاون التي تفتقد إلى أي نوع من السيادة أو الاستقلال السياسي. بخلاف الاتحاد الأوروبي حيث تملك المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي والمحكمة الأوروبية صلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية محددة، تبدو مؤسسات مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها الأمانة العامة مجرد هياكل فارغة وعاجزة عمليا عن اتخاذ قرار مستقل دون الرجوع للحكومات الوطنية. ولم يحدث أن أبدت هذه المؤسسات أي اعتراض على قرارات الحكومات حتى لو كانت هذه القرارات تمس مبادئ العمل المشترك بشكل مباشر. وهذا يفسر أيضا سبب صمت الأمين العام الزياني وإحجامه عن التعليق على أخطر أزمة يواجها المجلس في تاريخه.
من جانب آخر يبدو أن مجلس التعاون الخليجي ورث أمراض الجامعة العربية وتقاليد قممها على مدى العقود الماضية، وفي مقدمتها سيادة روح الشك والتآمر بين قادة الدول وغياب الصراحة والشفافية والتظاهر بسياسة تبويس اللحى أمام الكاميرات. في كل القمم العربية يحرص القادة العرب على المجاملات الدبلوماسية وأن يحتضن بعضهم البعض الآخر علنا، بينما يخبأ البعض وراء ظهره خنجرا لطعن الآخر في أقرب فرصة. ولم يخرج هؤلاء القادة عن "نص" المسرحية المعدة سلفا إلا نادرا. من الواضح أن ملوك وأمراء الدول الخليجية يتذكرون تماما القمم العربية في خمسينات وستينات وسبيعنات القرن الماضي عندما كان عبد الناصر يفرض بحكم شعبيته الجارفة قرارت يرفضونها جملة وتفصيلا لأنها تتعارض مع مصالحهم ومبادئ سياستهم الخارجية. ولم ينسوا أيضا المليارات التي دفعوها تحت شعار "دعم صمود دول المواجهة" بينما كان نظام حافظ الأسد يوظفها لتقوية أجهزة نظامه القمعية بدلا من "تحرير" الجولان.
على نفس المنوال كان "التآمر" العنوان الأبرز للأزمة الخليجية الحالية حيث تنافس الجانبان في إلصاق تهم التآمر والتأليب والتخريب والتحريض والتدخل في الشؤون الداخلية بالطرف الآخر. مرارا أكد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تصريحاته وتغريداته أن "تآمر قطر موثق لدينا منذ سنوات" وأن "ممارسات النظام القطري تقوم على الكيد والتآمر على مدى سنوات طويلة". كما تصدرت وسائل الإعلام الممولة من السعودية والإمارات عناوين مثل: "وثائق سرية تفضح تآمر قطر" أو "تسريبات جديدة تكشف تآمر قطر". كما أسهبت قنوات العربية وسكاي نيوز عربية في عرض مكالمات قديمة منسوبة لأمير قطر السابق حمد بن خليفة ووزير خارجيتها السابق حمد بن جاسم تقول إنها تثبت تآمر القيادة القطرية مع طاغية ليبيا السابق والعدو اللدود للرياض معمر القذافي للعمل معا على تقسيم السعودية. بل وتحدث المستشار في الديوان الملكي السعودي سعود القحطاني عن مؤامرة لاغتيال العاهل السعودي الأسبق الملك عبد الله ولعب فيها كل من حمد بن خليفة ومعمر القذافي دور البطولة. في المقابل لم تدخر قناة الجزيرة القطرية جهدا لكي تقنع المشاهد العربي بأن "المؤامرة" التي نسجها "الأشقاء" ضد قطر تتألف من عدة فصول وبدأ أخطرها باختراق موقع وكالة الأنباء القطرية ونشر تصريحات "ملفقة" لأمير قطر. وبحسب الجزيرة فإن الطرف الآخر ممثلا في قناة العربية وسكاي نيوز عربية وغيرها كان مستعدا لشن حملة إعلامية معادية لقطر الأمر الذي يثبت وجود "نية مبيتة" و"تربص" للإساءة إلى قطر. غير أن الجزيرة نفسها تعتبر بحسب الطرف الآخر أحد أسلحة التآمر والتحريض الخطيرة التي وظفتها إمارة قطر بهدف إثارة الفوضى في الدول المجاورة.
لقد مر مجلس التعاون الخليجي خلال تاريخه بأزمات خطيرة ومنها عجزه عن الوقوف أمام احتلال صدام حسين للكويت عام 1990 والخلافات التي طفت على السطح مع قطر قبل أكثر من ثلاثة أعوام. لكنه الآن يواجه أزمة وجودية تعصف بكيانه ولن تنتهي حتى لو طُردت "الشقيقة" قطر قريبا من المجلس بتهمة "التآمر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - زرع اليأس
جلال البحراني ( 2017 / 6 / 20 - 12:22 )
أستاذ ناجح
في وسائل التواصل الاجتماعي و القنوات الخليجية عموما( بما فيها الجزيرة و العربية)
ألاحظ نغمة مشتركة، محاولات زرع اليأس و الاحباط و الكره لمصطلح (الثورة)،، و التغيير
هناك هجوم (لموظفي الحكومات) في تويتر الفيس بوك، على كل ثورات العرب الأخيرة
و تبدلات أدوار كذلك، لإعلاميين و رجال دين كبار، من كان بالأمس يحض على الثورة، اليوم يدعو لطاعة ولي الأمر (هيئة كبار المنافقين و مفتري الديار السعودية بالصدارة) القرضاوي و الأخوان تغيرات بخطابهم
الزياني، ربما يخاف من 5 سنين سجن!! هههه مثلي
يا معودين 5 سنين وغرامة تبني بها بيت لأجل تغريده تتعاطف بها مع قطر!! لا أدري هل فعلها الحجاج، العراقيين أخبر!


2 - الحقيقة المرة يجب ان يتجرعها المثقف والا نتهازي
علاء الصفار ( 2017 / 6 / 20 - 13:20 )
تحية طيبة
ان القبول بمجلس التعاون الخليج كان خرافة مجة للكثير الذي مجدوا ظهوره!لا أعرف أي تخبط وأمل تطلع المثقف لمثل هذا الحظور. فهذه الدول الخليجية كانت تدعى عرب أمريكا لتمرغها بالخيانة! فإذا جاءت الافكار القومية والماركسية للعالم العربي فهي كانت أفكار تقدمية تبحث في النهوض والتطور وتكونت أحزاب وظهر قادة صنعوا التحرير من ربقة الاستعمار!بربكم ماذا جاء به أقز ام قبائل إمارات الخليج -بمجلس تعاون الخليجي-, مجرد فقاعة رد فعل لمشايخ تملك الدولار النفط وبعض بائعات اللذة التي تصدر لهم كما يمر الراسمال العابرة للقارات لاذلال العرب.أي أنهم ظهروا على خلفية معاداة الثورة الايرانية,التي كانت ثورة شعب ضد الشاه العميل حليف الرجعية العربية والعميل صدام حسين.فاليوم يتجلى ليس خواء دول الخليج, بإمارات ومشايخ,بل ينعكس عقم العقل اليساري الذي اخذا موقف من القومجي والماركسي ليمجدوا ابناء قبائل ومشايخ خليجية!فالبؤس ليس بوجود القوميين أم الملوك والمشايخ بل لوجود مثقفين با ئسين ينفعلون ويصفقون للاحزاب القومجية واليسارية بدون عمق فكري ولا قدرة على تطوير الافكار وتصحيح المسار!لينقلبوا للنقيض!بؤس مثقف يساري!ن!ن

اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج