الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعر السوري على أبواب المدن

ياسر اسكيف

2006 / 2 / 3
الادب والفن


1 – النثر المتعثر بين نَظمَين


المهمّ أولا ً أن نطرح السؤال المقلق التالي :
هل المدن العربية مدنا ً حقا ً ؟ أم أنها استعارات تنتمي إلى الحقل العمراني بموازاة الاستعارات الأخرى على جميع الصعد . ؟
ما من مدينة عربية إلا في صورها الملتقطة من الجو . وما من مصفوفة عمرانية عربية تنتمي إلى هذا العصر بمفهوم الفاعل في محيطه الكوني .

وهل بالإرادة وحدها , في حال وعيها وتوفرها , يمكن الانتقال إلى مرتبة الكائن المديني ؟ !
إن الذاكرة الحاضرة والمتأهبة , إضافة إلى التكوين النفسي المنجز , والتقاليد ما قبل المدينية , التي تحكم بصفتها نسقا ً مقرّرا ً أعلى , كلها عوامل تجعل من الإرادة مجرّد رغبة تحتاج إلى الكثير من العوامل المؤازرة في سبيلها إلى التحقّق .

فالمدينية في مجتمع ما قبل مدني , مجرّد ادعاء له جذر الحلم وممكناته . إذ كيف يمكن للمرء أن يكون مدينيا ً وبدويا ً في الآن ! وكيف له أن يكون مدينيا ً وفلاحا ً في الآن ! مع التأكيد على أن صفة ( بدوي ) أو ( فلاح ) فيما نقصده هو تكوين نفسي , أي بنية شخصية , وليس تصنيفا ً بيئيا ً أو جغرافيا ً .

( الشعر السوري على أبواب المدن )
أجده العنوان المناسب , أو أعتقد ذلك , للبحث في الكثير من مظاهر الفصام و الارتكاس التي تسم الحقل الثقافي العربي عموما ً , والتي تتجلى بأوضح صوَرها في المنجز الشعري , إذا استبعدنا الطبيعة وعناصرها عن اللزوم الشَرطي في النص الشعري .
مرّة تحدّث الشاعر السوري ( منذر مصري ) عن ريفية المفردة الشعرية العربية . كنا أربعة مهتمين بالشأن الأدبي , إن لم أقل الثقافي . منذر مصري ( شاعر ورسام ) – نضال جديد ( قاص وروائي ) – حسين عجيب ( شاعر وكاتب ) – ياسر اسكيف ( شاعر وناقد ) . والمكان الذي جمعنا هو مطعم ( القصر) في منطقة ( عين الدلب ) قريبا ً من مدينة ( جبلة ) .
لقد جاء قول منذر بمثابة القطعة الناقصة في لوحة فسيفسائية كنت أعمل على استكمالها دون جدوى . لوحة بدأ اهتمامي بها بعد قراءة المجموعة الشعرية ( أعالي الحنين ) للشاعر السوري( صقر عليشي ) وإجراء حلقة حوار بخصوصها في المشغل الثقافي لجمعيّة العاديات في جبلة . وزاد هذا الاهتمام يعد قراءة ( قصائد أندروميدا ) للشاعر السوري ( حازم العظمة ) بالتزامن مع ( لا ) للشاعر السوري عمر البحرة .

لا أظنني مبتكرا ً إذ أقول بأن اللغة تعبير خالص عن سوية حضارية لجماعة بشرية . ولا أظنني مجدّفا ً . وفي هذه الحالة أجدني متسائلا ً عن شبه الغياب للمفردة المدينية في النص الشعري السوري . حتى في الكتابات الشعرية لمن يفترض بأنهم أبناء مدن , ونتاج تقاليد مدنية . وبهذا الخصوص فقد سيطرت إجابات محدودة فيما قدّم النقد الأدبي العربي تتلخص كلها في مقولة واحدة تفيد بأن اللجوء إلى عناصر الطبيعة ومفرداتها هو اختيار للنقاء والبراءة والفطرة في مواجهة الزيف والإلغاء والتغريب الذي تمارسه المدينة بحقّ الأفراد , وخاصّة المرهفين والمبدعين منهم . ومن ناحيتي أجد في هذه المقولة استعارة أخرى تخصّ الحقل الأدبي هذه المرّة . فهذا الكلام قيل عن مدن تنغلق على مراكزها مؤكدة الانفصال عما لا تنتمي إليه . وليس عن مدن ٍ لا ينتمي اليها سوى جزء ضئيل من قاطنيها .

المدينية والمواطنة صفتان متلازمتان . ومن تلازمهما تتشكل النزعة الفردية , والروح الفردية , نتيجة لتعرف الذات بذاتها بعيدا ً عن المرجعيات . والجدران التي ترتفع بين البشر , والتي يهجوها الشعراء بمرارة وحرقة , هي التي ستوحدهم في الساحة العامة , كإرادات وليس كولاءات .
المخاض المديني , وألم التشكّل , ملمحان شبه مفقودان في النص الشعري السوري . ومثلهما الاحتفال بما لا تمنحه غير المدينة . ويمكن الادعاء بأنني قد تلمّست وأظهرت بعضا ً من هذين الملمحين في كتابي الصادر حديثا ً ( الحداثة المعطوبة وإعادة إنتاج المثال ) عند بعض الشعراء السوريين ( منذر مصري – لقمان ديركي – حسين عجيب ... ) لكنّ هذا لا يغيّر من أن لذلك الفقدان سمة العموميّة .
وهنا أجدني ميّالا ً , دون إدراكي لمدى التوفيق في هذا الميل , لجعل فكرة ( الادعاء النثري ) واحدة من هموم هذا البحث لما تقدمه من مقاربة وتقاطع مع سائر الادعاءات الأخرى في حقول العمل الفكري والاجتماعي والسياسي . وفكرة الادعاء النثري تتلخص هنا بوهم الحاجة , وليس حقيقيتها , الذي يقود بدوره إلى وهم إشباعها . فالمقابلة بين النظم والنثر ليست مسألة فنية حصرية الخصوصية , ودائرتها تتسع لتطال دور الإشباع في تحوّل الظواهر , أو اختراقها وتحويلها .

لقد مثّل النثر الأوربي ارتدادا ً , من وجهة نظر تاريخية / زمنية , ومجاراة ً , مارسها الفني , لنثر الحياة بشكل عام .
وأما النثر العربي فما زال , بطريقة ما , نثرا ً خادعا ً . وهو في حقيقته نزوع إلى المشاركة في تحقيق النظم المماثل , أو المشابه , لذاك الذي نثره الأوربيون . وبهذا يرقى مستوى الادعاء فيه إلى حدوده القصوى . وفي الوقت ذاته يتصدى لبعثرة نظم ميتافيزيقي مفترَض لا يتجسّد كنظام حياة معاشة . وهنا تتبدى , بكارثيّة ومأساوية , محنة هذا النثر المتعثر بين نَظمين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل


.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ




.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع