الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تغيرات الموقف الفرنسي إزاء القضية السورية

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2017 / 7 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


فرنسا ماكرون، تبدو وكأنها تسعى لحرق المراحل، في مسار تغيرات موقفها حيال القضية السورية، وهو ما بدأته في الواقع أواخر العام 2015 اثر الهجمات الإرهابية التي استهدفت باريس آنذاك. ولم تكن الدولة الوحيدة التي بدأت بتغييرات المواقف، تركيا أيضا فعلت الأمر ذاته. أما مجموعة أصدقا سوريا، يمكننا القول بأنها أدارت الظهر لجملة التزاماتها تجاه ثورة السوريين، قبل أن ينسحب جلّ أعضائها من المشهد السياسي المتصل بالقضية السورية. فيما تنشغل دول الخليج العربي بأزمة سياسية شديدة فيما بينها، على خلفية الحرب على الإرهاب، إثر زيارة ترامب للمنطقة مؤخراً.
بصورة عامة ارتبطت تلك التبدلات بعوامل ثلاث: أولاها الاقتراب من الموقف الروسي، والثاني يتصل باستمرار انكفاء الولايات المتحدة عن القيام بدور فعّال، في الجهود السياسية، والثالث هو مزيد من الانخراط الجماعي في الحرب على الارهاب، الذي بات يشبه سباقاً محموماً، دون النظر الى الآليات والنتائج، مع استخفاف كبير في إطلاق تهمة الإرهاب أو دعمه، دون محاسبة أو أدلة، وترك الطغاة منتجي التطرف وسادته، بعيداً عن تلك الحرب: نظام الأسدية انموذجاً.
الأفكار التي رشحت عن التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي، تعزز التوجه الذي اتخذته فرنسا فيما سبق، بقبول دور لجيش النظام الأسدي في الحرب على داعش، وقد عَكَس ذلك في حينها، أن باريس قد خففت من " حدّة مطالبها في رحيل الأسد ". هذا ما تنسجم معه روح التوجهات الفرنسية، التي عبر عنها ماكرون بالقول بأن رحيل الأسد ليس اولوية بالنسبة لهم. هذا طبيعي، فذلك ليس سوى أولوية أصحاب الشأن: السوريين.
لكن تدخلات فرنسا، ودورها في دعم الثورة السورية، كأحد أهم الأطراف الدولية والأوروبية معا، يحتم عليها مسؤوليات كبيرة، لا ينبغي أن تتجاوز في ذلك المبادئ التي تأسس عليها الموقف الفرنسي الرسمي والشعبي "الحاضن للثورة السورية ". ومن شأن الابتعاد عن ذلك، أو بمعنى ادق الإخلال بالالتزام بمسؤولياتها، سيكون له اثراً سلبياً، يزيد في إضعاف السوريين وتشتيتهم، أكثر مما هم فيه، ويزيد من تركهم لوحدهم في مواجهة جرائم الحرب المنظمة ضدهم.
وسوف يشكل التراجع الفرنسي، أكثر من سانحة فريدة لتعزيز الدور الروسي، المهمين والمتسلط على القرار الدولي بشأن سوريا، لأسباب كثيرة منها الاستخدام المتكرر لحق النقض في مجلس الأمن، وفرض مسار أستانه، كمقدمة للانخراط في عملية جنيف التفاوضية، وأساساً لها.
لايمكن الحديث عن أن مصالح الدول ترتبط بتغير المواقف، حين يتحدث ماكرون معللا: لا وجود لبديل شرعي للأسد. لكنه يُنبئ عن مدى قدرة روسيا، في ضخّ الجهد الديبلوماسي، الذي بات كثير من الفرقاء الدوليين يميلون فيه، الى مشاركة موسكو رؤيتها للحل في سوريا. كما يُنبئ عن سعي فرنسي للعب دور دولي. وترشح معلومات، أن مبادرة في هذا الشأن يزمع الإليزيه إطلاقها قريباً متضمنة تسوية الانتقال السياسي التدريجي في سوريا، مع بقاء الأسد بصلاحيات محدودة، تتقدم فيها محاربة الإرهاب على المسائل الأخرى، كأولوية تفرض اندماج المعارضة والنظام في مواجهة مسلحة مع التطرف، تقود الى تفاهم حول العملية السياسية، تأخذ فيه اعتباراً أساسياً لمسار أستانا التفاوضي.
القراءة الأولى لهذه المعطيات التي يتم الترويج لها، تقودنا للقول، بأن عملية التسوية السياسية لن تشهد جديداً، في المرحلة المقبلة، ليس ثمة تطور في أية معطيات، بل على العكس من ذلك، سوف يبقى الجمود ملازماً للعملية السياسية، طالما أن الأطراف الدولية، لا تزال مبتعدة عن التعاطي مع القضية السورية بمسؤولية كما يفترض، وأعني بذلك مسؤولية الانخراط في تخفيف التوتر، وحلّ المشكلات في المنطقة، التزاماً بمبدأ حفظ السلام الدولي.
وإزاء الراهن، فإن الموقف الفرنسي الجديد لن يكون له سوى أثراً محدوداً – ربما - إذا لم يتحقق له دعم واشنطن. لا يمكن لفرنسا وحدها ( دون أن تكون واشنطن رأس الحربة ) أن تتصدى لحل قضية دولية بتعقداتها، وبتشابك المصالح والصراعات الدولية فيها، وهي مرشحة للمزيد من التجاذب خاصة بين روسيا والولايات المتحدة، مع اتخاذ الحرب على الإرهاب، اتجاهات جديدة تاخذ بأمن اسرائيل في الاعتبار، وتأمين مناطق النفوذ الأميركي، وتعزيز الدعم الروسي الغير محدود للنظام الأسدي. يضاف الى ذلك إشكالية الدور والنفوذ والمصالح الإيرانية المعقدة بالنسبة لكل من واشنطن وموسكو في سوريا.
يمكننا التعرف الى جذور التغير في الموقف الفرنسي، مع انتقال لودريان من وزارة الدفاع الى الخارجية، حاملاً معه، تجربة مهمة في المشاركة في صناعة السياسة الخارجية الفرنسية منذ نحو عامين حتى اليوم، فقد كان عراب الانخراط الفرنسي في التحالف الدولي لمحاربة داعش، ونفذت بلاده ضربات جوية شديدة القوة، راح ضحيتها مدنيين في الرقة، إثر تفجيرات باريس، وهو الأساس الذي بنيت عليه الرؤية الفرنسية بتغيير أولوياتها في المسألة السورية. من هنا أيضاً، يمكننا فهم مسارعتها بتبني التحذيرات الأميركية للأسد، بشأن التحضير لهجوم كيمياوي محتمل، واستعدادها للمشاركة بعمل عسكري يستهدف القواعد السورية.
لكن فرنسا ماكرون، سوف تجد نفسها ضائعة في بحثها عن جناحين تحلّق بهما، مع روسيا و واشنطن بآن واحد. لكنها، بحكم التغيرات الحاصلة في المجتمع الفرنسي، وافتقارالاليزيه اليوم، لفريق مهم في السياسة الخارجية على وجه الخصوص، لا يجعل من حلم الطيران في الشرق الأوسط الملتهب، وفي سوريا ممكناً، على الأقل في هذه اللحظة الصعبة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معرض -إكسبو إيران-.. شاهد ما تصنعه طهران للتغلب على العقوبات


.. مشاهد للحظة شراء سائح تركي سكينا قبل تنفيذه عملية طعن بالقدس




.. مشاهد لقصف إسرائيلي استهدف أطراف بلدات العديسة ومركبا والطيب


.. مسيرة من بلدة دير الغصون إلى مخيم نور شمس بطولكرم تأييدا للم




.. بعد فضيحة -رحلة الأشباح-.. تغريم شركة أسترالية بـ 66 مليون د