الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذائقة السياسية العراقية..الى أين؟

علي عبد الجبار شمري
كاتــبٌ حُـــر

(Ali Shammari)

2017 / 7 / 7
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


يختلف كثيرون منا، بل وحتى العلماء من ذوي الاختصاص، في كيفية إٍحداث التَغيير الإجتماعي، فمنهم من يرى ان التغيير يجب ان يتم بشكل تدريجي، عن طريق دعم التعليم، و وتعزيز المفاهيم، والمبادئ، والقيم وغيرها من وسائل التوعية؛ بينما يرى اخرون ان التغيير يجب ان يكون شاملاً، يُطبق بصورة ثورية، ويجب ان لايحمل في طياته التدرج الذي قد ياخذ فترات زمنية طويلة ،مما قد يتنافا مع طابع الثورية. كلا الفريقين يدعم رأيه بتجارب، وحجج، ودلائل تاريخية، ولسنا هنا في طور تقييم اي الفريقين يمتلك جادة الصواب، وانما سنحاول تناول المشترك بينهما.
يتفقُ الفريقان على ان الفرد هو اساس المجتمع واللبنة الأساسية فيه، وان اي تغيير في وعي هذا الفرد سينعكس بالضرورة على المجتمع ككل. وبما ان غالبية الأنظمة الديمقراطية العريقة، تعتمد على الفرد كاساس في اختيار الحاكم، كونه الناخب الذي يدلي بصوته، ويحسم هوية من سيفوز؛ فقد اعتنت هذه الانظمة بتوعية هذا الفرد، وتنمية مداركه السياسية؛ ليكون جديرا بهذه المهمة. إن اي متابع للحوارات والمناظرات السياسية في الدول صاحبة التاريخ الديمقراطي الطويل، يرصد بوضوح الرقي االفكري، والوعي عند هؤلاء، فالنقاش والمناظرة دائما مايكون حول؛ خطط رفع الواقع الصحي ، ودعم المواطن، وتعزيز الاقتصاد، وخلق فرص عمل وغيرها من القضايا التي تَمس المواطن( على عكس الخطاب الانتخابي العراقي الي من اهم مقوماته اجتراء التاريخ واستدعاء رموز الماضي كيزيد و معاوية ) .
رَفَعَ العراق منذ عام 2003 شعار الديمقراطية كعنوان للمرحلة الجديدة، لكن هل كان الفرد العراقي يمتلك من الوعي السياسي ما يؤهله لخوض التجربة؟ وهل ساهمت الطبقة السياسية الجديدة في عراق مابعد 2003 في تشكيل ذائقة سياسية جديدة؟ لنجيب عن هذين السؤالين علينا نلقي بنظرة خاطفة للوراء.
انطلاقاً من التعريف العام لعلم الاجتماع – الدراسة العلمية للسلوك الاجتماعي للأفراد – و من خلال القائنا نظرة سريعة على فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم؛ نجد امثلة كثيرة لسلوك افراد انحازوا للوطن في اغلب مواقفهم، فرغم كل ما تعرضوا له من آلام، واضطهاد، ونفي؛ كانت بوصلتهم الوطنية تشير للاتجاه الصحيح، وما الجواهري، والسياب، والبصير، والنَواب الا غيض من فيض تلك الفترة الزاخرة، ممن شْرُفَ التاريح بتسجيل اسمائهم.
حتى الصراعات المشهورة بين القوميين والشيوعيين التي ضجت بها الستينيات، وبما فيها من عنف مُستنكر الا انها كانت صراعات يمكن التعبير عنها مجازا "بصراعات وطنية"؛ ذلك كونها كانت صراعات حزبية وايديولجية، ولم تكن تستهدف المواطن المستقل على الأقل، فكل طرف لديه ايدويوجية يراها صوابا، ويريد فرضها من خلال استلامه لزمام السلطة. على كل حال فالصراع خير من الركود، فالصراع مُولِّد، بينما الركود جامد، لكننا بالتاكيد ضد الصراعات العنيفة والدموية، والاغتيال السياسي الذي شهدته تلك الفترة.
لقد مَثلت سنوات حكم حزب البعث فترة ركود فكري مظلم؛ لما احتوته من بيروقراطية في فرض الافكار والاراء، وكذالك مصادرة الحقوق والوعي. فما المسيرات الاجبارية التي كانت تُخرج الطلاب عنوة من مدارسهم و جامعاتهم، ولا المظاهرات المرتب والمخطط لها؛ الا سموم بطيئة كانت تستهدف قتل وعي المواطن الذي صُودر حتى حقه في التأييد او المعارضة. ستخرج، وتتظاهر، وتهتف في المسيرة سواء كنت مقتنع ام لا، فهناك دائماً من يُفكر عنك ويعرف خبايا الامور افضل منك وماعليك سوى ان تُعيره عقلك، لأنه بكل بساطة (يُعرف مصلحتك).
ولم تكن سنوات الحصار بمعزل عن تلك المؤامرة التي حيكت على ذلك المواطن البسيط؛ لتأتي تلك السنوات العجاف التي كان كل هَم المواطن فيها؛ هو توفير لقمة العيش لا غير! ..لقمة العيش فقط، وليذهب كل شئ الى الجحيم! وبعد ان كانت المجالس والمقاهي العراقية تضج بالمواضيع السياسية والنقاشات الفكرية؛ انتهى بها المطاف الى ظهور فكر جديد، هجين يتمثل بشعارات: " انتَ بطران ، روح اشبع بطنك، يمعووود درووح ، دروح بابا ياسياسة يا ادب"

بهكذا وعي او مايقاربهُ دخلنا حقبة العراق الجديد ما بعد عام 2003 ؛ ولهذا فانا لا اجد غرابة في فساد الذائقة السياسية العراقية للكثيرين، وخاصة من يتبعون الأحزاب الدينية، فهي بالتأكيد ليست وليدة اللحظة. ان مايثير استغرابي حقيقة هو عداء تلك الاحزاب الدينية الحاكمة، لنظام البعث السابق، مع انه قدم لهم اكبر خدمة تاريخية، فلولا افساده للذائقة السياسية العراقية؛ لما وجدت هذه الاحزاب من يستمع لها او يمشي خلفها.
اخيراً اود ان اشير الى انني لا انكر دور المثقفين العراقيين، سواء الحاليين ام ممن عاصروا النظام السابق او قارعوه، فلا يخلو زمان من فرسان، ينبرون للظالم،ويدافعون عن الحق. ولا اريد ان اكون متشائما ايضاً، لكن الديمقراطية تخضع للأغلبية، والذائقة السياسية للأغلبية العراقية لا تبشر بخير، فبالأضافة لما قدمناه انفاً، فقد ساهم النظام الحالي بطائفيته المقيتة بالوصول بتلك الذائقة للحضيض، فمعيار المرشح للفوز قد يكون كل شئ : مسبحة، عمامة، لحية، شعار ديني .. كل شئ.. الا الانتماء الوطني..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة


.. هدنة معلقة...مصادر إسرائيلية تفيد بأن السنوار يطالب بضمانات




.. تفاصيل قضية استدراج الأطفال في لبنان| #الصباح


.. ما هي الشروط السعودية للموافقة على التطبيع الإسرائيلي المحتم




.. الورقة الفرنسية للتهدئة في جبهة لبنان تهدف للتنفيذ الفعال لل