الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجولة السادسة

المصطفى البخاري

2017 / 7 / 10
الادب والفن


الجولة السادسة :
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وءاله وصحبه وسلم تسليما ، وبعد :
فهذه جولة سادسة من بين الجولات التي أرحل من خلالها بين أهل العلم والقراءات ، والتي كانت هذه المرة بتاريخ : 29/03/ 2017 م حين دعاني فقيه دوار الخياية ، أولاد عمران ، بأحواز الجديدة ، السيد إبراهيم الرحماني إلى مأدبة علمية قرآنية ، ببعض الدواوير بمنطقة الرحامنة ، بأحواز مراكش على مسافة ثلاثين كيلومترا ، سرناها معا على متن دراجته النارية ، الرائعة في مشيتها ، المتعبة في رحلتها ، مدة خمس أربعين دقيقة على وجه التقريب ، وكان الوقت معتدلا ، وأهل البادية يومها منتشرون في الحقول هنا وهناك ، إذ كان هذا هو أول يوم من أيام موسم الحصاد اليدوي التقليدي ، فقد شاهدنا الحَصَدَةَ في الضيعات والحقول يتهافتون على حصد الزرع بمناجلهم المعقوصة ، لا يلوون على شيء إلا جني ما أفاء الله عليهم من الخيرات الزراعية والحمد لله . ولما وصلنا إلى وجهتنا بمنطقة الرحامنة ، تطفلنا على بعض السادة العلماء من شيوخ التدريس وأساتذة العلوم الشرعية ، وهو السيد عمر ، المدير الرئيسي للمدرسة العتيقة بقرية ( بوشان ) المشتهرة بسوقها الأسبوعي (اثنين بوشان) والمشتهرة أكثر بموسمها السنوي لملتقى القراء بالمغرب ، والمعروف باسم : (موسم الطلبة) هذا الشيخ الذي وجدناه راكنا في بعض زوايا المدرسة ، والذي قام لتوه بعد استقبالنا إلى بيته المحادي للمدرسة ، إذ وما هي إلا لحظات حتى عاد ، فدعانا لضيافته ببيته ومحل سكناه ، فقدم لنا أشهى اطعمة الفطور ، من فرزدق ورقائق وغيرهما مما جادت به يده الكريمة ، جازاه الله عنا خير الجزاء . وبينما ونحن نتناول ما لذ لنا من ذلك الفطور إذ بادر مضيفنا وهو يبتسم بالقول : سبحان الله ، كُلٌ يأكل ما كُتِبَ له وَقُسِمَ! فقلت له مبتسما : وهذا الذي يفتتح به القراء المغاربة (الطلبة) في الولائم والمآدب حين يجتمعون فيقولون :
الرزق يطلبنا ونحن نطلبه ... والموت تطلبنا في الليل والنهار
فأجابني قائلا : صدقت ، ولكن الطلبة سامحهم الله يلفظون فعل (يطلبنا) بكسر اللام ، وهو مضموم ! فقلت مبتسما : ويجوز كسره أيضا ، وما لم أكمل الجملة حتى بادرني بالقول متعجلا : لا ، لا ، لا ، إنها بالضم ، نعم ، بالضم لا غير ! وهكذا وبما أنني كنت في ضيافته وداخل بيته ، وتقديرا مني لإكرامه ، وجَمت عن الكلام ولم أنبس بعدها بحرف وإن كان الحق يقال حتى في أحلك المواقف ، إلا أنني احترمت الرجل لضيافته لنا من جهة ، ومكانته المرموقة بتلك المنطقة من جهة أخرى ، فكان سكوتي على مضض كما في قول أبي العتاهية :
اصبر على الحق تستعذب مغبته ... والصبر للحق أحيانا له مضض
ذلك ، أن فعل ( يطلب) في المضارع ، هو من فعل (طلب) في الماضي الثلاثي ، على وزن (فَعَلَ) بفتح عين الكلمة فيه ، والذي يجوز فيه وفي أمثاله ضم عين مضارعه وكسرها ، فتقول : طَلَبَ يَطْلُبُ ، و طَلَبَ يَطْلِبُ بالضم أو بالكسر تخييرا ، كنشر ينشِر وينشُر ، و ضَرَبَ يضرِبُ
ويضرُبُ ، وإن اشتهر على ألسنة الناس ، إذ إن كل ما جاء على فَعَلَ - مفتوح العين - فإن مستبقله بالكسر والضم نحو ( ضَرَبَ يضرُبُ) ( وقَتَلَ يَقْتُل ) وزاد أبو عمرو ( رَكَنَ يَرْكُن ) والنحويون من البصريين والبَغداديين يقولون : ( رَكِنَ يَرْكَنُ ) ( ورَكَنَ يَرْكُن ) لأن المسألة مسألة لهجات سماعية لا قياس فيها ، فَعُلْيا مضر يكسرون المضارع ، وسفلاها يفتحونه ، وبنو عامر يضمونه ...
وهكذا فقد نقل كثير من أهل اللغة عن أبي زيد الأنصاري أنه قال : " طُفْتُ في عُلْيا قيس وتميم مدةً طويلة أسأل عن هذا الباب صغيرَهم وكبيرَهم لأعرف ما كان منه بالضم أوْلى وما كان منه بالكسر أوْلى ، فلم أجدْ لذلك قياساً ، وإنما يتكلّم به كلُّ امرئ منهم على ما يَسْتَحْسن ويستخفُّ لا على غير ذلك " ومن ثم فإن الاعتماد على من يقول بالقياس في المجرد الثلاثي ، هو اعتماد باطل لا يستند على أساس ، لأن باب ( فعل ) في الماضي ( يفعل ) في المضارع بفتح العين أو بضمها ، او بكسرها مسموع ، ذلك ، أننا حتى ومن خلال دراستنا لما بمنظومة لامية الأفعال لابن مالك رحمه الله – مثلا – من أبنية المصادر والأفعال ، ثبت لنا أن الناظم رحمه الله قد جاء بصيغ لا تضبط في كليتها جميع ألسنة القبائل العربية في لهجاتها المختلفة ، ففي أبنية الفعل المجرد يقول :
(بفَعْلَلَ) الْفِعْلُ ذُو التَّجْرِيدِ أَوْ (فَعَلاَ) ... يَأْتِي وَمَكْسُورَ عَيْنٍ أَوْ عَلَى (فَعُلاَ)
وَالضَّمَّ مِنْ (فَعُلَ) الْزِمْ فِي الْمُضَارِعِ وَافْـ... ـتَحْ مَوْضِعَ الْكَسْرِ فِي الْمَبْنِيِّ مِنْ فَعِلاَ
وَجْهَانِ فِيهِ مِنِ (احْسِبْ) مَعْ (وَغِرْتَ) وَ(حِرْ ... (انْعِمْ) (بَئِسْتَ) (يَئِسْتَ) (اوْلَهْ) (يَبِسْ) (وَهِلاَ)
ففي قوله : وجهان ( احسِبْ وانعِمْ واولِهْ ) صِيَغُ أمرٍ دالة على وزنِ المضارعِ ؛ لأنَّ الأمرَ مُقْتَضَبٌ مِنهُ فيَجُوزُ فيها الفَتْحُ والكسْرُ تَبعًا لِمضارعِها ، ونبَّـهَ على أنَّ ( اولَهْ ) أمرٌ مِن ( يَـوْلَهُ ) لهجة الفَتحِ فقطْ ، وأمَّا على لهجة الكسرِ ( يَـلِهُ ) فالأمرُ منهُ ( لِهْ ) أما ( يَـحْسَبُ ) فقد سُمِـعَ من (حَسِبَ ) كما في قراءة "ابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، وأبي جعفر ، والحسن البصري ، والمطوعي ، ( أيَـحْسَبُ ) أيَـحْسَبُ الإنسانُ " (القيامة 3 - 35) و (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) و (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) ( البلد 5 – 7) بفتح السين ، وهي لهجة تميم ، وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وهبيرة عن حفص ، والكسائي ، والأعشى بخلف عنه عن أبي بكر، ويعقوب ، وخلف ، ( يَحسِبُ ) بكسر السين ، وهي لهجة أهل الحجاز قال الشاطبي :
وَيَحْسَبُ كَسْرُ السِّينِ مُسْتَقبِلاً (سَمَا) ... (رِ)ضَاهُ وَلَمْ يَلْزَمْ قِيَاساً مُؤَصَّلَا
وقال ابن الجزي :
وَجَزْمُهُ (مَدًا) (شَ)فَا وَيحْسِبُ ... مُسْتَقْبَلاً بِفَتْحِ سِينٍ (كَ)تَبُوا
وقال أيضا :
نِعِمَّا (حُزَ) اسْكِنْ (أُدْ) وَمَيْسَرَةِ افْتَحَاً ... كَيَحْسَبُ (أُدْ) وَاكْسِرْهُ (فُقْ) فَأَذْنُوا وِلَا
وقال المتولي : ويفتح المطوعي الفا وله ... وجه كحفص يحسب افتح كله
ثم إن فعل (حسب) قد يأتي مضارعه مضموم العين في لهجة بني عامر، مثل قولهم :
حسَبَ المال يَـحْسِبُه ويَحسُبه حِسابًا وحَسْبًا وحُسْبانًا وحِسَبةً ، فهو حاسِب ، والمفعول مَحْسوب ، أي عده وأحصاه .. وقد تأتي بمعان أخرى ، ارجع إليها في مضانها .
وفي قوله : معْ (وَغِرْتَ ) وغِـرَ الرَّجُلُ صَدرُهُ يَـغِـرُ و يَـوْغَـرُ وَغْـرًا و وَغَـرًا : انْـفَعَلَ وامتَـلَأ حِقْدًا .
( وَغِـرَ ) قِياسُه يَـوْغَـرُ ، سُمِـعَ أيْضًا : يَـغِـرُ ، ولا تأتي الواوُ معَ الكسرِ ؛ لأنَّ القاعِدةَ أنَّـهُ إذَا ( وَحِرْتَ ) وَحِرَ صَدْرُه أيْضًا معناهُ ومعنى وغِـرَ واحِدٌ ، وَحِرَ صَدرُه يَـوْحَـرُ و يَـحِرُ ، يَوْحَرُ. ( انْعِمْ ) انْعِمْ و انْعَمْ وجهانِ لأنَّ مضارعَه وجهانِ ، نَعِمَ الرَّجُلُ يَـنْـعَمُ ويَـنْـعِمُ نِعمةً أي صارَ ضِدَّ البُؤْسِ وحسُنَتْ حالُه ، أمَّـا يَنعَمُ .
(بَـئِسْتَ ) بَـئِسَ الرَّجُلُ يَـبْأَسُ و يَـبْـئِسُ بُـؤْسًا أي ساءَتْ حالُه ، سُمِعَ بالوجهَينِ عنِ العَربِ .
( يَـئِسْتَ ) يَـئِسَ الرَّجُلُ يَـيْأَسُ و يَـيْـئِسُ : سُمِعَ بالوَجْهَينِ .
( اوْلَـهْ ) وَلِـهَ الرَّجُلُ يَـلِهُ ويَـوْلَـهُ وَلَـهًا و ولَهانًا أي أصابهُ الفَـزَعُ . ( يَـبِسْ ) يَـبِسَ الشَّجَرُ يَـيْـبَسُ ويَـيْـبِسُ يُـبْسًا ويَـبَسًا أي ذَهَبَتْ رُطُوبَـتُـهُ ، سُمِعَ بالوَجهَينِ .
( وَهِلَا ) وَهِلَ الرَّجُلُ يَـهِلُ ويَـوْهَلُ وَهْلًا و وَهَلًا أي أصابَهُ الفَـزَعُ ، سُمِعَ بالوَجهَينِ .
إذَنْ : فعدد الأفعالِ التي سُمِعَت مِنَ العَربِ بِالوَجهَينِ : يَفعَلُ ويَفعِلُ تِسعةٌ عند ابن مالك رحمه الله ، غير أن ( بَحرَق ) أضاف ثَـلاثةَ أفعالٍ أخرى فَـقالَ :

فَمِـثْـلُ يَـحْسِبُ ذِي الوَجْهَـيْـنِ مِن فَعِلَا ....يَلِـغْ يَـبِقْ تَـحِمُ الـحُـبْـلَى اشْتَـهَتْ أُكُـلَا

اشتمل هذا البيت على ثلاثةِ أفعالٍ : فَمِـثْـلُ يَـحْسِبُ ) يَحسَبُ ( ذِي الوَجْهَـيْـنِ ، حالَ كَوْنِه ذا الوجهَينِ مِن ( فَعِلَا ) أي ، منَ الماضي ( فَعِلَ ) ثلاثةٌ أفعال :
الأوَّلُ : ( يَلِـغْ ) وَلِـغَ الكلْبُ يَـلِـغُ ويَـوْلَغُ وُلُوغًا ـ ويُوجدُ وَلَغَ يَلَغُ لكنَّـهُ خارِجٌ عنْ هذَا ـ .
الثَّاني( يَـبِقْ ) : وَبِقَ يَـبِقُ ويَـوْبَـقُ بمعنى : هلَكَ .
الثَّالِثُ : ( تَـحِمُ الـحُـبْـلَى ) ( وَحَـمَتِ الـحُبْـلَى تَـحِمُ وتَوْحَمُ ) أي ، اشْتَـهَتْ أُكُـلَا .


والحمد لله رب العلمين ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب