الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعض المفاهيم عن الدولة والدولة المدنية في العراق

علي عبد الواحد محمد

2017 / 7 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


الواقع المزري الذي عاشه الإنسان العراقي ،في الحقبة التي سبقت
قيام الدولة العراقية ،في العصر الحديث ولعل اقربها الى الذهن ، والى
الذاكرة الشعبية العراقية ، هي فترة خضوع البلاد الى فترة الحكم العثماني ، التي تميزت بضعف الصلة بالباب العالي،وإقتصارها على الحملات التأديبية، للتمردات المستمرة وحالات الإمتناع عن دفع الضرائب، الى الولاة ، والتهرب من هذا الدفع ،وكذلك قيام القبائل البدوية، القاطنة على تخوم المدن بالغزوات المنظمة لها ، ونهبها وسلبها . هذا الواقع ادى الى ان يعتمد الناس على انفسهم ، في تدبير مختلف إمورهم ، وكان ابرزها الدفاع عن النفس والعائلة والسكن ، فولدت ظاهرة الأشقيائية أو الشقاواه (تشبه القبضايات في سوريا والفتوات في مصر ) ، وهي ظهور ابطال شعبيين في الحواري والمحلات، يقومون بالدفاع عن المحلة وبناتها وأبنائها ضد إعتداءات القبائل البدوية وغزواتها ، وفي المعارك التي غالبا ما تحدث بين المحلات الشعبية في هذا الطرف أو ذاك. وكان تقبل الناس لهذه الظاهرة مسألة عادية ، لكون الناس فقدوا أملهم في الدولة التي كانت غريبة عنهم من جهة وعاجزة عن حمايتهم من جهة ثانية ، ولإرتباط فكرة المخلص بإذهان الناس ،لإمتدادها عميقا في تراث وادي الرافدين ، في معظم اساطيره وحكاياته ، وفي المأثور الديني، فكان الناس يبحثون عن هذا المخلص الذي يزيح الظلم عنهم ،ويقيم العدل، واعتقد إن هذا السبب كان وراء التعاون مع الأنكليز ابان الثورة العربية ضد العثمانيين ، . واستمر الحال هكذا حتى قيام الدولة العراقية ، لعجز الإنجليز من الحكم المباشر للبلاد،التي شهدت ثورات وتمردات ضدهم ، وآخرها الثورة الكبرى في عام 1920م . إذن تكون الحكم الوطني ، من ناس لم يشاركوا في ثورات العراقيين ، وعلى رأسهم ملك غير عراقي.فكانت الغالبية العظمى من الشعب العراقي غير مرتاحة لهذا الحكم ،الذي كان اداة طيعة بيد المستعمر،وشهدت بواكير هذا الحكم ، ترتيبا طبقيا جديدا لصالح شيوخ العشائر ، إذ تم تحويل الأراضي التي كانت تملكها كل عشيرة بشكل مشاعي، الى ملكية خاصة لشيخها ، الذي تحول بقوة قانون تسوية حقوق الأراضي الذي اصدره الإنجليز في ثلاثينيات القرن الماضي، الى اشباه إقطاعيين،وكذلك فعلوا مع كبار مستثمري الأراضي الزراعية ، ومع الأغاوات ، فحولوا ملكية الأراضي المستصلحة والجيدة ، الى ملكية خالصة ، بعد ان كانت رقبة ملكية الأرض في العراق بيد الدولة، وتحالفت هذه الحكومة مع كبار التجار وكبار ملاكي العقارات،هذا التمايز الطبقي ، إنعكس عنه نوعان من الفهم للواقع الجديد ، حيث اعتبر المستفيدون من الوضع الجديد إن الإمتيازات التي حصلوا عليها هي هبة من السماء مكافئة على إجتهادهم ، اما الذين إزداد فقرهم وعوزهم نتيجة الوضع الجديد فقد فسروا ما جرى لهم كغضب من السماء نتيجة ، موافقتهم على زوال العثمانيين ، وموافقتهم على المستعمرين الأجانب. بالمقابل هناك رأي ثالث اخذ يتبلور بشكل اوضح ، حمل المستعمرين البريطانيين ، والحكومة المنقادة لهم مسؤلية، التطورات الحادثة .
هذه الأمور المتسارعة ادت الى بروز رؤى جديدة لطبيعة الدولة وسبل تطورها :
1) رأي يرى اهمية وجود الدولة العراقية القوية المستندة على القانون في المدينة والريف
2) رأي يرى في الدولة العراقية ،خروج عن الإتفاق الذي عقد بين شريف مكة حسين بن علي وقادة الجمعيات العربية في سوريا والعراق ، ووعد بريطانيا وفق مراسلات حسين مكماهون عام 1915م ، بقيام الدولة العربية الواحدة.

في الرأي الأول تعددت الرؤى ، عن كيفية إستمرار هذه الدولة في الوجود ،فكان قسم يرى إن المملكة العراقية بشكلها الحالي ، وبتقسيمها الإداري ، هو الشكل المناسب ، وإن قضية التبعية للإرادة البريطانية تحتمها ظروف تأسيس الدولة، وإن قضية الإستقلال التام ستحدث نتيجة للتطورات المستقبلية.
وقسم آخر يرى الإبقاء على شكل الحكم ، ولكن من الضروري الخلاص من التبعية البريطانية ومعاهداتها المذلة للشعب العراقي.
اما القسم الثالث فتبلور في المراحل اللاحقة لمسيرة الدولة ، ونعني به ، اهمية تغيير الحكم الملكي الى حكم جمهوري ، ينهي التبعية للمستعمر .

الرأي الثاني ، يرى إن العراق جزء من الأمة العربية ، وإن بريطانيا خانت تعهداتها ، خاصة في عام 1948م عندما تم اصدار وعد بلفور ، لإقامة وطن قومي لليهود ، في فلسطين ، وخير من عبر عن ذلك الشاعر بشارة الخوري ( الأخطل الصغير ) حين قال :
قل لجون بول إذا عاتبته سوف تدعونا ولكن لا ترانا
يوم نادانا فلبينا الندا وتركنا نهية الدين ورانا
واصحاب هذا الرأي يرون في الوحدة العربية ، هي المنقذ ، لكل مشاكل البلاد .
ولكن في كلتا الحالتين تنوعت التصورات عن طريقة الحكم ، وتداخلت الرؤى حول ذلك ، فلم يكن يفرق لديهم ، سواء كان الحكم دكتاتوريا مطلقا، أو برلمانيا دستوريا ، ولكن المهم ، ان يكون الحكم دولة قوية تحقق مصلحة الوطن، فيفرح أنصاره دون ان يقيموا وزنا للديمقراطية وغيرها من المثل التي تبلورت لاحقا مع التطورات الحاصلة في كل العالم . وكذا الحال بالنسبة لإصحاب الرأي الذين أيدوا الملكية ، لم يكترثوا لتبعية النظام الملكي للمستعمر ، وإستعداده الدائم لتنفيذ السياسات والقرارات التي تمليها الإدارة البريطانية ، وإن كانت ضد مصلحة الشعب العراقي ، وإن تطلب ذلك إستخدام القوة المفرطة والأحكام العرفية التي اعلنت لمرات عديدة ، في تأريخ الوزارات العراقية، أما الذين رأوا ، إن بريطانيا تخلت عن تعهداتها بإقامة دولة الوحدة العربية ، وفرطت بفلسطين وشعبها بعد ذلك ،فقد وقفوا الى جانب الحكومات الدكتاتورية ، التي أقيمت في العراق لاحقا وتسنت لهم كل الظروف لإقامة الوحدة العربية ، فلم يحركوا ساكنا لذلك.
في واقع الحال بعد أن إزدادت ، الهجرة من الريف الى المدينة ، بفعل العوامل الإقتصادية ، والعوامل الإجتماعية والسياسية، هاجرت قيم الريف ، والعشيرة مع المهاجرين ،بل وإن هؤلاء يشعرون بإنتمائهم الريفي اكثر منه للمدينة، وانتقلت هذه القيم الى الأبناء الذين على الرغم من بعدهم عن منبعهم الأصلي، وانعكست النزاعات القائمة بالأرياف في المدن ، فانشغلت مؤسسات الدولة بهذه النزاعات، التي لاتكون حلولها الا بيد العشائر، الأمر الذي ، جعل كثير من الناس يلجأ الى الحلول العشائرية، لفض النزاعات،هذا الواقع أضعف الدولة ومؤسساتها القانونية ، لدرجة ان تطلب مراكز الشرطة ورجال القانون ، من المتنازعين ان يحلوا نزاعهم عشائريا، قبل طلب الحل من القانون ومؤسساته،
ومع سيرورة الدولة العراقية ولغاية الإحتلال الأمريكي للبلاد في 2003م ،ظهر هناك إتجاه ، عراقي ينتمي الى إتجاهات سياسية مختلفة ، ربط الدعوة الى الإستقلال عن هيمنة المستعمر ، مع الدعوة لحل المشاكل الإقتصادية والإجتماعية ، ودعى الى الحريات ، وخاصة حرية التعبير ، وحث على حق الناس في إقامة شعائرهم ، وظهرت منظمات وأحزاب أقترن اسمها بالديمقراطية ، وكانت هناك دعوات وممارسات صريحة لإقامة ، إتحادات ، ونقابات ، وجمعيات ، ففي العهد الملكي تكونت جمعية اصحاب الصنايع ، وهي بمثابة نقابة للعمال ، وكان لعمال السكك في الشالجية تنظيمهم ، وللمرأة، وللشباب وللطلبة تنظيماتهم ، وكان من الطبيعي ان تتضمن مطالب أصحاب هذه الكيانات ان ترعى الدولة قيام هذه التنظيمات والتنظيمات المماثلة.وفي العهد الملكي ،ويصادف ذلك مع إعلان الدولة عن نيتها في إجازة الأحزاب.
خلاصة القول :
إن الأراء حول الدولة لم تكن واحدة منذ قيام الدولة العراقية ولغاية الإحتلال الأمريكي للعراق فتوزعت هذه الآراء ما بين تأييد للحكومة القوية ، التي تؤمن للناس أمنهم وعيشتهم ، وما بين أن تكون الدولة خاضعة لقوانين العشائر ، وأن تصبح هذه القوانين هي المسيرة للناس، وظهرت آراء تخضع الدولة لشخصية رئيسها وتصبح قراراته ، نافذة ، وتأخذ صفة القانون.
وبالمقابل كانت هناك آراء بضرورة ان تراعي الدولة حقوق الناس في التنظيم ، وفي العدل ، وفي المعتقد ،
مقابل كل ذلك كان الحكام يخلطون بين هذه الرؤى فطوال هذه الفترة المعنية ، شهدت السياسة فترات كان الحكم فيها متسامحا وأخرى شديدا، ويبدو إن كل ذلك كان محركه مصالح الحكام وحلفائهم.

تطور المفاهيم تلك بعد الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م
ادى الإحتلال الأمريكي ، وطبيعة الحكم ، الذي نتج بعده الى نشوء ظروف جديدة ، يمكن تلخيصها بما يلي: 1) سقوط النظام البعثي ، السابق وقيام نظام بديل عنه
2)إن هذا النظام البديل ضم مجموعة من الأحزاب الدينية الإسلامية من طرفيها الشيعي والسني
إضافة الى الأكراد ، وقوى أخرى قومية ، وكانت الأغلبية لأحزاب الإسلام السياسي
في المناطق العربية ،والأغلبية للأحزاب القومية الكردية ، في منطقة كردستان.
3) برزت الخلافات بين الأحزاب المكونة للحكم ، تارة طائفية مذهبية ، وتارة قومية ، ولكن لم تكن هذه الخلافات ، تناحرية في الغالب. فكان كل حزب يعمل لصالح منتسبيه فقط.
4) تم إهمال الإقتصاد ، بكل فروعه ، وتم الإعتماد بالدرجة الأساس على إنتاج النفط الخام في تكوين الناتج القومي الإجمالي.

5) جرت عمليات فساد كبيرة، وسرقة منظمة للمال العام
6) إزدادت وبشكل كبير ومؤثر ، الأفكار الغيبية ، والخرافات ، وإزداد عدد المشعوذين ،ومدعي الطب لمعالجة ، امراض خرافية
7) يقابلها إنتعاش غير مسبوق للقيم العشائرية، وحلت محل الدولة ، فتنحى القضاء والقانون لصالح العشيرة.
8) ومع نهوض التيار الديمقراطي وطرحه لشعارات الدولة المدنية الديمقراطية ، قوبل هذا النهوض بأساليب مختلفة .
بالتأكيد هذه الصورة من البنى السياسية في البلد إنعكس عنها المنظومة الفكرية فيما يخص شكل الدولة اللاحق ومهامه، حيث يرى الفاسدوون أن استمرار الدولة بشكلها الحالي دو تغيير ، قضية م هامة لهم من شأنها إتاحة الفرص مجددا، لممارسة فسادهم ، وإثرائهم على حساب امور التنمية والتقدم، وترى احزاب الإسلام السياسي إن مشاريعها الإسلاموية للحكم، هي الحل ، وبذلك فإنها تمارس تعتيما إعلاميا ضد كل الأفكار المغايرة لهم، وتنسب اليهم التهم الجاهزة لغرض إبعاد التأييد عنهم، كما يدعوا مؤيدوا العشائر وقوانينها الى اكسابها الشرعيةمن خلال التشريعات والدستور ، في حين يرى التيار المدني ، غن الدولة المدنية الديمقراطية تشكل الضمان لإنتشال البلد من حالته الراهنة . وللإطلاع على محتوى الدولة المدنية الديمقراطية ، اقدم لكم رابط المقال الذي نشرته عن الدولة المدنية الديمقراطية ......
: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=563772












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت