الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بحث في حلقات متسلسلة الباحث الدكتور مكرم الطالباني - الحلقة 15

شوكت خزندار

2006 / 2 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


ما أشبه اليوم بالبارحة .!
في هذا الظرف التأريخي الهام والحاسم ، بالنسبة لشعبنا العراقي عامة ولشعبنا الكردي خاصة . أقدم إلى القراء عرباً وأكراداً كتاب الدكتور مكرم الطالباني تحت عنوان ( حزب هيوا ) على شكل حلقات متسلسلة بصورة يومية قدر المستطاع . ان البحث القيم الذي قدمه مكرم الطالباني ودراسته التحليليه للحركة القومية الكردية ولتاريخها النضالي المرتبط بنضال شعبنا العراقي من اجل التحرر والانعتاق ومن أجل نيل شعبنا الكردي لحقوقه القومية ، يعطينا درساً بليغاً لتجارب حركتنا القومية الكردية المليئة بالمآسي والمعاناة والتراجعات والانكسارات ، والتي كان لليمين السياسي والعشائرية المتعصبة ، كان عاملاً حاسماً لضياع الحقوق القومية بمختلف منابعه داخل حركتنا القومية الكردية وامتداداته الاقطاعية المشروعة والتسبب بماسي شعبنا لعقود طويلة .

وبما ان هذا البحث يمتد بنظرته لعقود خلت ، فهو يستحضر ذهن ووعي القوميين والوطنيين من ابناء شعبنا بتجارب حركتنا القومية الكردية وعلاقتها التاريخية المغيبة حاليا بالحركة الوطنية العراقية عموما ، والدور الذي يقوم به ورثة القيادات العشائرية والاقطاعية في عراق ما بعد الاحتلال، باقامة كياناتهم الخاصة وقد نسوا بفعل نشوة ما يحققون انه لايمكن ان يستمر من يعضدهم الان ويستخدمهم لمصالحه ، بالاستمرار والوجود ، مع جملة المتغيرات الحاصلة والقادمة ، والتي سيدفع فيها شعبنا ثمنا باهظآ.
( شوكت )

**************************

الحلقة 15

الاتصال بالمنظمات الكردية والضباط السياسيين السوفيات

في كردستان إيران

كان الضباط السياسيون البريطانيون والحكومة العراقية على علم باتصال لجنة الحرية ورئيسها البارزاني بالمنظمات السياسية الكردية في إيران وبالضباط السياسيين السوفيت هناك . فكانوا يخططون لضرب الحركة وتصفيتها بأسرع وقت . فأرسلت لجنة الحرية وفداً بتاريخ 7/5/1945 الى إيران لأستطلاع رأي السوفيت بالوضع المتفجر في كردستان العراق . فأرسل السوفيات ضابطين بصورة سرية الى منطقة بارزان للقاء السيد الملا مصطفى البارزاني ، فوعد بتقديم العون العسكري إليه في حالة تعرض المنطقة الى هجوم عسكري . وفي حالة تعذر مقاومة الهجوم العراقي ـ البريطاني ، على الأكراد الحفاظ على قواعدهم المسلحة بالانسحاب الى كردستان إيران . وفي بداية حزيران 1945، التقى البارزاني على الحدود العراقية الإيرانية مع الجنرال الكردي السوفياتي ( سه ر مندسيا مندوف ) ، كما سافر مصطفى خوشناو للتشاور مع المنظمات الكردستانية في مهاباد .

اللقاء الأخير مع الحكومة

بناءً على طلب متصرف لواء أربيل سعيد قزاز جرى لقاء له مع البارزاني وحضر اللقاء الضابط البريطاني كابتن جاكسن ، وذلك في ( ميركه سور ) بتاريخ 17 / 6 / 1945، حذر الجانب الحكومي ـ البريطاني الملا مصطفى البارزاني من مغبة الأتصال بالمسؤولين السوفيت والمنظمات الكردية في إيران . وحدثت مناقشة حادة بين الجانبين ، فتوتر الجو بينهما وهو ينتظر شرارة لينفجر . وقد حدثت هذه الشرارة عندما أغتيل أحد أقارب البارزاني وهو ( اولى بك ) داخل مخفر ميركه سور بتاريخ 8 /8 / 1945 .

حاولت لجنة الحرية تطويق حادث اغتيال اولى بك ، فقدمت مذكرة الى المسؤولين العراقيين والسفير البريطاني ببغداد في 18/8/1945، شرحت فيها ظروف اغتيال اولى بك وأشارت الى الوعود التي قطعتها حكومة نوري السعيد بتاريخ 25/1/1943 باجراء الاصلاحات في كردستان واعلان حكومة السيد حمدي الباجه جي بتمسكها بالقرارات المتخذة من قبل الحكومة السابقة . إلا انها خططت لاجتياح المنطقة عسكرياً ، وانها تحشد لهذه الغاية قوات كبيرة فيها . وناشدت لجنة الحرية في مذكراتها ، الحكومة العراقية والدول الكبرى لايقاف هذه العمليات العسكرية وحل المشكلة الكردية سلمياً .
هاجمت الجماهير الكردية ، عند سماعها باغتيال اولى بك ، مخفر شرطة ميركه سور فاستولت عليها وقتلت من فيها . وجرى نفس الشيئ في مخفر بارزان . وكان واضحاً ان الحكومة العراقية والسلطات البريطانية كانتا تخططان لضرب الحركة الكردية وتصفيتها ، وان الاجتماع الأخير مع متصرف لواء أربيل والضابط البريطاني كابتن جاكسن كان بمثابة الانذار الأخير للبارزاني ولجنة الحرية .

حكومة الباجه جي تخول وزير الدفاع
باحتلال المنطقة

أصدر مجلس الوزراء بتاريخ 8 /8 / 1945 البيان الآتي :
" بعد الاطلاع على مضامين التقارير المصرحة باضطراب الأمن في منطقة بارزان وأطرافها ، ونظراً للاعمال الاجرامية التي قام بها الملا مصطفى البارزاني وأعوانه المخلة بالأمن العام ، وبما ان الواجب يقضي بأعادة النظام والانتظام ومنع تكرار الاجرام ، تقرر احتلال المنطقة البارزانية احتلالاً عسكرياً والقبض على المجرمين وسوقهم الى العدالة .
ويخول وزير الدفاع اجراء الترتيبات اللازمة لتنفيذ هذا القرار ."
وبادر متصرف لواء أربيل سعيد قزاز بتوجيه انذار الى السيد مصطفى البارزاني بوجوب تسليم نفسه للسلطات الحكومية . واليكم نص الانذار :

انـــــــذار

إلى ـ الملا مصطفى البارزاني
نظراً الى الاعمال الاجرامية التي ارتكبت في منطقة كردستان من قبلكم ومن قبل اتباعكم ، الأمر الذي أدى الى اخلال السكينة والأمن العام ، فقد قررت الحكومة اعادة الأمن الى نصابه وازالة الاجرام من هذه المنطقة ، وعليه ، وجب انذارك للمبادرة الى تسليم نفسك والمجرمين البارزانيين الى الحكومة خلال ثلاثة أيام من تسلمكم هذا الانذار وبحالة عدم انصياعكم لتنفيذ ذلك فستقوم الحكومة بالاجراءات اللازمة وسوف تكونون أنتم المسؤلين عن كل ما يقع نتيجة ذلك عن الاضرار في الأنفس والمال .
توقيع
متصرف لواء أربيل
12 /8 / 1945 سعيد قزاز

وقد سبق قبل أسبوع ان وجه اللفتننت كورنل ر. ميد المشاور السياسي البريطاني بالموصل آنذاك انذاراً مشابهاً الى البارزاني جاء فيه :
" لقد أمرني السيد السفير البريطاني ان اعلمك بان تصرفاتك قد أصبحت متعبة ... إنني أرغب ان أبين لك بوضوح تام بأن هذه هي المرة الأخيرة التي فيها تنوي السفارة البريطانية انذارك .
كنت أمل ان أتمكن من ابلاغكم هذه الرسالة بصورة شخصية ولكن مادام رفضت مقابلتي مع سعادة المتصرف ، فأنني أكتب لك هذا النمط بالضبط ... "

اعلان الاحكام العرفية في المنطقة والبدء
بالعمليات العسكرية

اعلنت الحكومة الاحكام العرفية في لوائي أربيل والموصل ، وعينت اللواء الركن مصطفى راغب ( 42 ) قائداً للحركات العسكرية في المنطقة . وانذرت الحكومة جميع رؤساء العشائر الكردية بالابتعاد عن الحركة الكردية وقائدها البارزاني وعقوبتهم باقسى العقاب ان خالوا ذلك .
وصدرت الآوامر الى الجيش بالتحرك لاحتلال المنطقة . وبدأت القيادة العسكرية بتحشيد القطعات العسكرية من القوات المرابطة في المنطقة التايعة للفرقة الثانية ( بعد ان ابعدت عنها الضباط الاكراد المتعاطفين مع الحركة ) وقوات من الفرقة الأولى المرابطة في وسط العراق بشن هجوم كبير .
ان تحشيد وتموين هذه القوة الكبيرة كان يستغرق ـ حسب تقدير القيادة العسكرية للثورة الكردية ـ حوالي عشرين يوماً ، فاتخذت هذه القيادة قراراً باخذ المبادرة ومهاجمة مواقع القوات العسكرية قبل اجراءاتها التعبوية فكانت الثورة الكردية التي اندلعت في 25/8/1945 .

الثورة الكردية عام 1945

لماذا نسميها بثورة ؟
سمى العديد من المؤرخين والباحثين الاكراد الثورة الكردية عام 1945 بـ " انتفاضة البارزانيين " أو " حركات بارزان " . كما سمتها الحكومة والوكالات الأجنبية للأنباء بـ " حركة التمرد البارزاني " و " العصاة " ... الخ . إلا ان حقيقة هذه الحركة المسلحة كانت بخلاف التسميات المذكورة ،وذلك للاسباب الآتية :
اولاً ـ عندما نضع هذه الحركة المسلحة في اطارها التاريخي المعين ، نرى انها اندلعت ضد الاستعمار البريطاني والحكم الملكي الرجعي العميل . ويتبين من اللقاءات والرسائل والانذارات الموجهة الى قيدة الثورة المتمثلة في حزب هيوا ولجنة الحرية ، ان الاستعمار البريطاني والدولة العراقية العميلة كانتا مصرة على تصفية الحركة ، وخاصة عندما علمنا بوجود صلاة للجنة الحرية بالقوى الديمقراطية الكردية في إيران وتريد ان تكوّن صلاة بالقوى الوطنية العراقية وبالقوى الاشتراكية المتمثلة بالضباط السياسيين السوفيت في كردستان إيران ، وقد كانت لهذه الثورة مميزاتها القومية الخاصة ، عندما كان على رأسها شخصية عشائرية ودينية ( الملا مصطفى البارزاني ) ولكنه كان جزءاً من لجنة الحرية التي تضم عدداً من الضباط الوطنيين الذين يحملون أفكاراً تقدمية .
ثانياً ـ كان وراء الثورة حزب سياسي قومي يضم مختلف طبقات وفئات الشعب الكردي . فلم تكن ، إذن تمرداً عشائرياً ، بل ثورة الشعب الكردي ، اندلعت أول الأمر من منطقة أوسع من منطقة عشيرة بارزان ، بأمل توسيع رقعتها لتشمل سائر مدن كردستان .
ثالثاً ـ كانت للثورة أهداف قومية واضحة ، بخلاف الانتفاضات المحلية السابقة ، تمثلت في المطاليب التي قدمتها الجماهير الكردية من مدن وارياف كردستان تطلب من الحكومة تحقيقها عام 1943. ومن بين تلك المطاليب توحيد الألوية والأقضية الكردية في وحدة ادارية واحدة تتمتع بالحكم الذاتي تدار من قبل الأكراد أنفسهم ، واعتبار اللغة الكردية اللغة الرسمية في المنطقة واجراء اصلاحات أخرى تتعلق بالتعليم والصحة والاعمار كما اعترف بذلك رئيس الوزراء نوري السعيد نفسه في تقريره المشار إليه سابقاً .
واستمر الاكراد يطالبون الحكومة بالوفاء بتعهدها في تلبية مطاليبها ، إلا ان الحكومة وياسناد من السلطات البريطانية كانت تخطط للالتفاف على المطلبين الرئيسيين وهما توحيد كردستان واعتبار اللغة الكردية اللغة الرسمية في المنطقة ، مستعينة بهما باجراء بعض الاصلاحات ضمن القوانين المعمول بها بعد تصفية الحركة المسلحة التي تقودها لجنة الحرية وعزل العناصر التقدمية في حزب هيوا .

مركزان مختلفان لقيادة الثورة

منذ ان تشكلت " لجنة الحرية " في منطقة بارزان برئاسة الملا مصطفى البارزاني والضباط التقدميين في حزب هيوا سلكت هذه القيادة مسلكاً مغايراً لقيادة حزب هيوا فبات واضحاً ان هناك مركزين لقيادة الثورة الكردية ، لا يعترف أي منهما بقيادة الطرف الآخر . ففي الوقت الذي كان رئيس الحزب رفيق حلمي يعتبر نفسه القائد الأعلى للحركة القومية الكردية وان قيادة لجنة الحرية ما هي إلا القيادة العسكرية الميدانية للثورة ، تجلى ذلك في الرسائل المتبادلة بين المركزين والتي أشرنا اليها سابقاً ، رفض رئيس لجنة الحرية الملا مصطفى البارزاني اقتراح رفيق حلمي بنقل مركز القيادة السياسية الى بارزان ، لئلا تتجاوز زعامته للحركة المسلحة، وكان يصدر التعليمات الى الحزب للقيام باسناد الثورة المسلحة وتوسيع رقعتها لتشمل سائر كردستان . ان هذه الازدواجية في القيادة نجمت عن ضعف القيادة السياسية وعجزها عن قيادة الثورة .
ان القيادتين السياسية والعسكرية كانتا متباينتين في افكارهما وفي رؤيتهما لستراتيجية الثورة . ففي الوقت الذي بدأت القيادة السياسية في الحزب " بتطهير " صفوف الحزب من العناصر التقدمية التي تحمل آيدلوجية ماركسية ، كانت في قيادة لجنة الحرية العديد من العناصر الثورية التي تحمل أو تتأثر بالآيدلوجية الماركسية كالنقيب مير حاج والرائد الركن عزت عبدالعزيز والنقيب مصطفى خوشناو .
أما ما يتعلق بستراتيجية الثورة وتحالفاتها ، أوضح الدكتور عبد العزيز الشمزيني ، الذي كان أحد القياديين في لجنة الحرية ، وذلك في رسالته للدكتوراه ( الحركة القومية التحررية الكردية ) عندما قال :
" لقد كان الخلاف داخل حزب هيوا يدور حول قضيتين رئيسيتين، هما :
اولاً ـ في أي اتجاه سياسي ينبغي ان يسير الشعب الكردي في نضاله التحرري وحل قضيته القومية ؟ وعلى من يجب ان يعتمد ويتخذه سنداً في نضاله ؟ هل يجب الاعتماد على الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي ، أم على بريطانيا والمعسكر الاستعماري ؟ وأي منهما يساند الشعب الكردي ويسانده لنيل حريته وحقوقه القومية ؟
ثانياً ـ هل يجب على حزب هيوا ان يشترك اشتراكاً فعالاً وبجميع الوسائل وبكل قواه في الثورة الكردية في منطقة بارزان ويتحمل قيادتها وتوجيهها ، أم يجب عليه ان يقف موقفاً متفرجاً وسلبياً من الثورة ولا يشترك فيها اشتراكاً فعالاً اللهم إلا بمساعدة سرية طفيفة لا تلفت نظر الطبقة الحاكمة العراقية ولا تغضب حكومة بريطانيا ؟
وأوضح تماماً ان القيادة اليمينية لحزب هيوا سلكت مسلكاً يختلف عن مسلك قيادة لجنة الحرية . فالقيادة اليمينية في الحزب تعتقد ان بالاعتماد على بريطانيا والمعسكر الاستعماري ، يمكن ان يحقق الشعب الكردي أهدافه القومية ولهذا الهدف كانت توثق علاقاتها مع السلطات البريطانية في مدن كردستان وتدخل في مساومات مع وزير الدولة السيد ماجد مصطفى وترضى بتحقيق مكاسب بسيطة من حركات محدودة تنتهي بالمساومات .
في حين ان قيادة لجنة الحرية قد يأست من مناورات الحكومة البريطانية والوعود الكاذبة للحكومة العميلة في بغداد ، فاخذت تقيم علاقات وثيقة مع السوفيت كما بدأت بتكوين علاقات مع الحركة الوطنية المعارضة في بغداد تطلب مساندتها لتحقيق الحقوق القومية للشعب الكردي .
وفي الوقت الذي اكتفت قيادة حزب هيوا اليمينية بالتأييد الاعلامي والسري بشكل لا يلفت نظر الحكومة ولا يغضب بريطانيا، تعمل قيادة لجنة الحرية من أجل توسيع رقعة الثورة بحيث تغطي سائر مناطق كردستان وتتبع اشكالاً متعددة للكفاح ، كفاح مسلح ، مظاهرات واضرابات في المدن ، التأييد الاعلامي الفعال ، احتلال المدن ... الخ .
وقد كانت القيادة اليمينية للحزب تحسن الظن ببريطانيا وتعتقد انها ستحضى بوعودها " بالنظر بعين العطف لمطاليب الاكراد بعد انتهاء الحرب " تلك العبارة الغامضة التي قالتها اثناء الحرب العالمية الأولى التي انتهت بتجزأة كردستان وعدم تلبية أي مطلب قومي للشعب الكردي . أما قيادة لجنة الحرية ، فكانت تعتقد ان السبل مسدودة للتعاون مع بريطانيا ، وقد تبين ذلك من النقاش الحاد الذي جرى بين البارزاني والكابتن جاكسن بحضور متصرف لواء اربيل سعيد قزاز بتاريخ 17/6/1945 في ميركه سور عندما رد البارزاني عليهما : " لقد خنتم الوعود والمواثيق وأغلقتم كل الابواب ، ولذلك لم يعد في وسعي إلا أن أطرق باباً آخراً من أجل قضية الشعب الكردي العادلة " .
وفعلاً أقامت لجنة الحرية علاقات بالحركة الديمقراطية الكردية في إيران وقائدها القاضي محمد وبالسلطات السوفياتية تطلب مساعدتها للتصدي للهجوم العراقي ، البريطاني .
ان هذه الازدواجية في القيادة والاختلاف الجوهري في الآيدلوجية والسياسة لكلا القيادتين قد أدى الى الارتباك وعدم التنسيق بينهما .
وقد استغلت الحكومتان العراقية والبريطانية هذه الحالة فتمكنتا من اجهاض الثورة وضربها قبل ان تتمكن من حل خلافاتها الداخلية.
ان القيادتين لم تتمكنا من تحريك الجمهرة الاساسية لقوى الثورة ، أعني قوى الفلاحين في الريف لاعتمادها على رؤساء العشائر الذين خانوا العهد الذي قطعوه للحزب وللجنة الحرية باسناد الثورة التي اندلعت ... وقد تركوا صفوف الثورة عندما هددهم الضباط السياسيون الانكليز ، وتحولوا ضدها عندما علموا ان الثورة اخذت مسلكاً معادياً للانكليز .

تعيين القادة العسكريين لجبهات القتال

على أثر الانذار الحكومي ـ البريطاني لقيادة الثورة الكردية ، وقرار الحكومة بتخويل وزير الدفاع باحتلال منطقة بارزان وتعيين قائد للعمليات العسكرية واعلان الاحكام العرفية ، عقدت لجنة الحرية اجتماعاً هاماً واتخذت القرارات الآتية :
1 ـ تعيين النقيب مصطفى خوشناو لقيادة جبهة ميركه سور ـ راوندوز ، وتعيين الملازم محمد محمود قدسي مساعداً له .
2 ـ تعيين الرائد الركن عزت عبدالعزيز لقيادة جبهة العمادية وتعيين عبدالحميد باقر مساعداً له .
3 ـ تعيين الشيخ سليمان البارزاني لقيادة جبهة عقرة يعاونه أحد الضباط .
4 ـ ترتبط هذه القيادات بالقائد العام لقوات الثورة الكردية الملا مصطفى البارزاني .
وتلقت القيادة رسالة من حزب هيوا في بداية شهر آذار 1945 تفيد بأن القطعات العسكرية ستقوم باحتلال مواقع ستراتيجية في جبهة راوندوز ، كجبل قلندر وجبال برادوست بحجة المناوارات الاعتيادية وذلك خلال الفترة من 5 ـ 14 آذار 1945 .
وفور تسلم هذه الرسالة أصدر البارزاني أوامره في 3/3/1945 الى قائد الجبهة مصطفى خوشناو وتقضي بمنع تنفيذ تلك الخطة والدفاع عن المنطقة بكل الوسائل ، وفي حالة تحرك القطعات العسكرية تقوم قوات الثورة باحتلال ميركه سور ، واخلاء القرى لئلا تقع هدفاً لقصف الطائرات .
وجه مصطفى خوشناو انذاراً الى القائد العسكري لمنطقة راوندوز رفيق عارف حذره من مغبة القيام بأية حركة .

لجنة الحرية توجه رسالة الى قيادة حزب هيوا

وجهت لجنة الحرية رسالة الى قيادة حزب هيوا بتاريخ 3/3/1945 تطلب فيها بالتنسيق بينهما والقيام بالاجراءات التالية لمساندة الثورة فيها : (43 )
1 ـ نخول حزب هيوا اصدار ما يراه مناسباً من بيانات .
2 ـ ارسال ممثلين عن فروع هيوا الى بارزان مقراً للجنة التنسيق .
3 ـ الاتصال بكل الدول الأجنبية لشرح قضية شعبنا .
4 ـ ابلاغ الراغبين في الالتحاق ان يذهبوا الى ( بلنك ) وهو بدوره يؤمن سلامة وصولهم الى إيران .
5 ـ حال اندلاع الثورة توزيع بيان اللجنة في مختلف انحاء العراق .
6 ـ ايصال اخبار الثورة الى الجميع وخاصة الى الطلاب .
7 ـ التحضير للقيام بمظاهرات احتجاجية .
8 ـ قطع خطوط التلفون وتخريب الطرق .
9 ـ توجيه ضربات شديدة الى مصالح الشركات المتعاونة مع الحكومة .
10 ـ التخطيط لأحتلال كركوك وتنظيم امورها بدقة وعدم الاساءة الى الممثليات الخارجية فيها .
ويظهر من بنود هذه الرسالة ، ان لجنة الحرية التي كانت تعير أهمية كبيبرة للاعمال الجماهيرية ( مظاهرات ) التي طلبتها من قيادة حزب هيوا القيام بها في سائر ارجاء كردستان ، وان الهدف من احتلال كركوك ، كما ورد في الفقرة ( 10 ) من الرسالة هو شل حركات الجيش بالاستيلاء على هذا الموقع السوقي الهام وكذلك تهديد مصالح الانكليز في شركات النفط .
وعلى الرغم من التزام البارزاني بعهده بأن لا يكون البادئ في العمليات المسلحة ضد الحكومة ، إلا ان الحكومة بالاضافة الى تنصلها عن وعود الحكومة السابقة في تلبية المطاليب التي قدمها حزب هيوا وقيادة الحركة الكردية في بارزان عام 1943، بدأت تفتعل المبررات لضرب الحركة وتصفية لجنة الحرية للأسباب التي ذكرنها آنفاً . وكان الواعون من الاكراد يعرفون جيداً ان الانكليز لن يتساهلوا مع العلاقات الخارجية للجنة الحرية ولن يسمحوا بدوامها وكانت الدلائل تدل على ان القوات التي احتشدت في المنطقة ليست لمجرد القيام بالمناورات والتدريبات الروتينية كما زعم الضباط البريطانيون ، وان الصدام المسلح واقع لا محالة . ولذا خططت القيادة العسكرية الكردية للاستفادة من فترة الاسابيع الثلاثة التي احتاجتها الوحدات العسكرية الحكومية لتعبئة قواتها وتكديس مستلزمات القتال من الاعتدة والأغذية ، للقيام بهجمات قوية وخاطفة على المواقع العسكرية والنقاط الستراتيجية وطرق المواصلات لأخذ المبادرة بيدها . إلا ان طائرات القوة الجوية العراقية وبدعم من القوة الجوية البريطانية التي كانت ترابط في القواعد الجوية في العراق ، بادرت بقصف مواقع وتحشدات الاكراد بعد صدور بيان الحكومة المشار إليه أعلاه في 8/8/ 1945 .
ـــــــــــــــــــــــــ
هامش
( 42 ) ينحدر اللواء الركن مصطفى راغب من أسرة ( صاري كهيه ) التركية التي استوطنت في مدينة كركوك . صهر الشخصية التركية عزت باشا الذي أشغل منصب متصرفية كركوك في العهد العثماني . وقد عرف مصطفى راغب بافكاره الشوفينية المعادية للاكراد ، فاستغلت الحكومة قابلياته العسكرية وروحه المعادية للكرد لتعينه قائداً للفرقة الثانية وقائداً عاماً للحركات العسكرية لسحق الثورة الكردية عام 1945 .
( 43 ) المصدر السابق .
ــــــــــــــــ
المؤلف
الدكتور مكرم الطالباني
يقع البحث في كتاب صغير الحجم ، عدد الصفحات 184 صفحة .
صادر عن ( مركز خاك للنشر والاعلام ) في السليمانية عام 2002 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ما بعد الحرب.. ترقب لإمكانية تطبيق دعوة نشر قوات دولية ف


.. الشحنة الأولى من المساعدات الإنسانية تصل إلى غزة عبر الميناء




.. مظاهرة في العاصمة الأردنية عمان دعما للمقاومة الفلسطينية في


.. إعلام إسرائيلي: الغارة الجوية على جنين استهدفت خلية كانت تعت




.. ”كاذبون“.. متظاهرة تقاطع الوفد الإسرائيلي بالعدل الدولية في