الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماس في صدارة المشهد السياسي،أسباب ودلالات

يوسف العادل

2006 / 2 / 5
القضية الفلسطينية


من الصعب أن يستوعب المتتبع لأول وهلة أن تقوم حركة حماس وبهذه البساطة وعبر الانتخابات العلنية السلمية التي جرت مؤخراَ في فلسطين( الضفة الغربية وقطاع غزة) بإزاحة سلطة حركة فتح الشمولية شديدة النفوذ والتي أحكمت الخناق بالحديد والنار ولسنوات طويلة على الساحة الفلسطينية،كنسخة طبق الأصل عن الأنظمة العربية الرسمية التي لن نعثر في تركيبتها الطبقية والسياسية على بذرة الحياة السياسية الديمقراطية.
وإذا ماأخفقنا كذلك في العثور على نفس البذرة لدى تركيبة حماس، فلا بد من السؤال التالي:
من أين أتت الديمقراطية إلى الانتخابات التشريعية الفلسطينية؟!
بالطبع ثمة مفارقة تكمن في أن نموذجا غير عادي للممارسة الانتخابية الديمقراطية نفذته قوتان سياسيتان ذات ’بنى غير ديمقراطية في الإيديولوجية والسياسة والممارسة هما حركتا فتح وحماس, ومن هنا سأبحث عن مصدر كينونة هذا النموذج في مكان آخر والأسباب التي جعلت من الانتخابات الفلسطينية الديمقراطية ذات واقع ممكن تاريخياً بالوضعية والأفق الذي شاهدناه،من جهة أولى وجعلت حماس تكتسح المشهد السياسي والإعلامي في مختلف الأبعاد من جهة ثانية( الأسباب):
1. وصول حركة فتح إلى طريق مسدود على صعيد بنيتها التنظيمية السياسية، وعلى صعيد بنية سلطتها السياسية المجتمعية، ووصول الساحة الفلسطينية بعد عدة عقود إلى مأزق عميق ساد الحياة العامة حيث ديمومة الاحتلال وتردي الأحوال المعيشية وموات البرامج والحلول السياسية في سياق إقليمي وعالميٍ لا يقل أزمةً.
2.ركوب حماس موجة حركة التحرر الوطني الفلسطيني خارج السياقات التي أفلست فيها هذه الحركة ِبعد انطلاقتها الواعدة في ستينات القرن الماضي فجاءت الحركات الإسلامية بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص لتجدد هذه الانطلاقة تحت سمع وبصر التيارين( القومي واليساري) المفلسين أو المخفقين عربياً وفلسطينيا مما أكسبها حضوراً دعائياً لافتاً أعطاها مردودا سياسياً مستفيدةً من المعطيات التالية:
• معطى تاريخي يتمثل بارتكازها إلى وثوقية قاعدة اجتماعية موالية طائفياً( المسلمون السنة في الضفة والقطاع)
• معطى راهني حيث وزنها العسكري الجهادي على الأرض وإمكانية ترجمة ذلك إلى مكاسب سياسية في مواقع وهياكل السلطة الفلسطينية، وكان لها ماأرادت حيث تبوأت المجلس التشريعي وستشكل الحكومة على طريق موقع الرئاسة.
3.لعلنا فيما سبق نكون قد فسرنا سبب هزيمة حركة فتح وظفر حركة حماس، ويبقى أن نفرد الأسباب التالية التي كانت خلف ماتم من تداولٍ للسلطة بالطريق السلمي العلني الديمقراطي بين فتح وحماس:
• ضرورة ديمومة وحدة الصف الفلسطيني المقاوم للاحتلال الصهيوني لفلسطين ورسوخ قيم وتقاليد المقاومة الوطنية في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي، ومصالح أطراف هذه المقاومة في بقاء هذه الوحدة أكبرمن أي مردود آخر(إن وجد مردود) فيما لو نشب الصراع على السلطة والاقتتال الداخلي كخيار بديل للخيار السلمي ووحدة الصف والخندق والبندقية والتوجه.
• توازن الرعب الذي تقبع فوقه الساحة الفلسطينية، حيث السلاح المتكدس في مخازن القوى الفلسطينية والرؤوس الحامية التي تقود هذه القوى ، ما يحيل الساحة الفلسطينية إلى دمار وخراب أهلي شامل. ويبدو أن وعي هذه القوى قد وازن بين هذا الخيار العدمي وبين أي خيارآخرأفضل ’يبقي على مصالح الأطراف في حدودٍ تبقى أجدى مهما بدت دنيا، وهكذا تم الاحتكام إلى ورقة الاقتراع الفلسطينية.
• التوجه الديمقراطي العالمي والأميركي لاسيما بعد الاحتلال الأميركي للعراق/نيسان2003 ماجعل الإدارة الأميركية ترعى ضرورة اللجوء إلى الوسائل السلمية في صراعات السلطة، وهذا بالطبع ساهم في لجم نية حركة فتح في أية مواجهة ساخنة لحسم الصراع لصالحها.
• تقاليد العملية الديمقراطية التي تشهدها الساحة الفلسطينية بين الفترة والأخرى على صعيد الانتخابات البلدية والجامعات والمؤسسات الأخرى وقبول نتيجتها من قبل السلطة الفلسطينية مهما كانت.
والآن سيحتاج المشهد السياسي إلى إعادة قراءة على خلفية الوضع المستجد الذي خلفه( الانقلاب السياسي الفلسطيني) عبر نجاح حركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية :
أ‌- على صعيد العملية السلمية( المسار الفلسطيني):أعتقد أن الأزمة السياسية الداخلية التي يمر فيها الكيان الصهيوني حالياً بعد انشقاق الليكود والغيبوبة الأبدية لجنراله(شارون) والصراع المفتوح بين مختلف الأحزاب والقوى الإسرائيلية إضافة إلى الحرج الذي سيضيفه نجاح حماس إلى هذا الكيان، سيعقد التسوية على المسار الفلسطيني، حيث ستقوم سلطة الكيان بتعطيل وإبطال أية استحقاقات تترتب على مفاعيل أزمتها بالتراكب مع نجاح حماس، التي هي الأخرى تضعها التركة الثقيلة التي ترثها بنجاحها هذا في عنق زجاجة الوضع الفلسطيني المأزوم أساساً ( احتلال وفساد سلطة وتردي الأحوال العامة)والذي سيشكل لسلطة حماس مشاغلة فاعلة عن الأولوية الوطنية الفلسطينية الأم( إزالة الاحتلال)، وأعتقد أن عبئاً جسيما يصعب على حماس تحمله جراء كل محاولات التوفيق بين الأولويات كافة لاسيما وهي تواجه عشية انتقال السلطة إليها ضغوطا دولية للنيل من ثوابتها الإيديولوجية والسياسية وفي مقدمتها إستراتيجية المقاومة وعدم الاعتراف بإسرائيل وانتزاع التنازلات العميقة والجوهرية منها لفرط عقد إهابها التبشيري المقاوم، وإبقائها في الحالة الإنكفائية الدفاعية.
ب‌- على صعيد المأزق الأميركي في العراقي:وهنا يمكن قراءة المسألة في تداخلاتها التالية:
• يشكل صعود حماس إلى رأس هرم السلطة الفلسطينية بالطريق الديمقراطي السلمي العلني بياناً عملياً للممارسة الديمقراطية يثلج قلب الإدارة الأميركية فتسجله في حسابها وتعزوه لوجود قواتها التبشيرية في العراق، حيث يمكنها الزعم بأنه قد تم تدجين حماس وحشرها في اللعبة السياسية لجني المكاسب الدنيوية على طريق تفكيك بنيتها المقاومة(الإرهابية...), تأسيسا لسحب البساط من تحت أقدام التيارات المتشددة كتنظيم القاعدة وغيرها.
• يشكل صعود حماس إلى رأس هرم السلطة الفلسطينية تثقيلاًلمحورإيران دمشق حزب الله الذي تشكل سلطة حماس امتداداً ورأس جسر متقدم له، مايحسن شروط صراع هذا المحور في إطار المشروع الأميركي الصهيوني في منطقتنا العربية، بنفس القدر الذي يمد حركة حماس بسند لوجستي إقليمي يعزز موقفها ومقاومتها للضغوط الدولية.
• سيضيف صعود حماس إلى رأس هرم السلطة الفلسطينية ورقةً فاعلة إلى جعبة النظام السوري الذي سيربض عبر حماس على مشارف الكنيست بما يعادل إن لم يكن يفوق الوزن العسكري والسياسي الذي يمثله حزب الله الذراع الإستراتيجي للنظام السوري في لبنان على مشارف جغرافيا الكيان الصهيوني.وهذا التعويض الذي يناله النظام السوري بصعود حماس قد يهيل التراب مرة وإلى الأبد على حكاية الحريري(الصريع..)ويبدو أن المكنة الإعلامية بدأت تفقد الذاكرة على هذا الصعيد هذه الأيام.
والآن.. لاأعتقد أن حماس ستفرط تحت أية ظروف بهذا المكسب التاريخي حينما ظفرت بالسلطة وانتزعتها بقوة الزمن من بين أنياب حركة فتح التي قد تستريح لبعض الوقت استراحة المحارب وتترك حماس تواجه مأزق الوضع الفلسطيني المتفاقم،واستحالة بناء أية جنة على الأرض، وعندئذٍ فقط يكون الشعب الفلسطيني كما أشقائه العرب قد هام على وجهه في فلوات الإيديولوجيات الخائبة، خيبة السياسة بتياراتها كافة( اليساري, القومي، الليبرالي، الإسلامي).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خطوة جديدة نحو إكسير الحياة؟ باحثون صينيون يكشفون عن علاج يط


.. ماذا تعني سيطرة الجيش الإسرائيلي على الجانب الفلسطيني من معب




.. حفل ميت غالا 2024.. إليكم أغرب الإطلالات على السجادة الحمراء


.. بعد إعلان حماس.. هل تنجح الضغوط في جعل حكومة نتنياهو توافق ع




.. حزب الله – إسرائيل.. جبهة مشتعلة وتطورات تصعيدية| #الظهيرة