الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طبخة موروثة

سمر المحمود

2017 / 7 / 12
كتابات ساخرة


مع إقبالي على الزواج أعترف أنني لست بربة منزل ماهرة لا أجيد كي الثياب فكيف بالطبخ
ولكن الجهد الذي علي أن أبذله في التعلم وفي حدود إمكانياتي الضئيلة مضافا إليها النقص في سرعة بديهتي، لابد سينتهي بمعرفتي قلي البطاطا في مرحلة زواجي الأولى،
إلحاح والدتي جعلني أظن لبرهة أنها تتمنى التخلص مني مرددة بلهجة واعظة: إن الطريق إلى قلب الرجل معدته وبحماس تقول: اسأليني أنا فوالدك في كل مرة تناول طعاما لذيذا من يدي كافأني بطريقة غير مباشرة حتى لا يخدرني دلاله فتنتزع طبخاتي،
ثم تتابع محذرة إياي وهي منهمكة بكليتها في تعليمي: لا يجب أن تتواجد امرأة يقول لها زوجك طبخك أطيب من طبخ زوجتي،
وبينما تغرق رأسي بالبهارات المحلية والهندية، فأشعر بأنه سيغمى علي ، يزوغ بصري فلا أعرف كيف أميز بين الكزبرة والكمون
فتجذبني من ذراعي بقسوة : كفى رخاوة ودلال هيا راقبي جيدا كيف أشرح السمك وأنظف الدجاج وكرشة الخاروف والكوارع والمقادم ..
أصرخ بذعر: أمي لا أستطيع إنه عمل شاق يفوق التعذيب
- سيطلقك بعد عاشر طبخة أو أكلة نواشف .. تربت على كتفي بحنو
لكنني أفكر بسري أنني لن أفرط به ، أنه عريس يمتلك كافة المواصفات وأنا لا ينقصني إلا مهارة في الطبخ حتى أكون الزوجة المثالية ،
وفي غمرة إلحاحي وإنهاكي النفسي والمعنوي وصلت للتمييز بين الأرز الطويل والقصير .
في الزيارة الثانية لخطيبي جلسنا منفردين، وبكامل زينتي وأناقتي لم أترك تفصيل يفوتني فعندما دخلت والدتي تحمل العصير والحلويات أسرعت لوضع المحرمة تحت كأسه
بل أنني تصرفت باحترافية موحية بالثقة المطلقة ووزعت في صحن صغير بضع قطع من الحلويات واضعة إياها أمامه،
أحس أنه ينظر إلي بإعجاب بالغ يثير غروري .. فيذهب بي حماسي لأخبره أن تلك الحلويات من صنع يدي .. يأكل قطعة صغيرة فأسأله متلهفة
- أعجبتك؟
– نعم بالتأكيد
- صنعتهم خصيصا لك
وشرعت أسرد له إعجاب والدتي بمهارتي في التعلم السريع للطبخ دون أن يفوتني ذكر أسماء الطبخات الصعبة التي تستهلك جهدا كبيرا ممررة مكوناتها حتى يثق بخبرتي ..
لكنه يكتفي بالصمت بل إن نظرة غريبة ارتسمت على وجهه ظننتها بحدس المرأة أنها تشبه نظرة أبي حين إعجابه بطبخات أمي ولابد سيكافئني بطريقة غير مباشرة بهدية أو ربما من لهفته سيقرب موعد الزفاف فهو يتوق لأنفاسي في الطبخ والمنزل وفي حياته وكدت أطير من الفرح الذي جعلني أبالغ في وضع الحلويات قائلة بنشوة: مشان خاطري قطعة تانية وتالتة .. أنا عملتهم كرمالك،
لكن تلك النظرة الغريبة التي مازالت على وجهه أثارت شكوكي، تمالكت نفسي حتى ذهابه ودعته واعدة إياه بكعكة مذهلة في الزيارة القادمة لكنه أجاب وقد بانت ابتسامة خبيثة على شفتيه : تريدينها بيضاء أم بالشوكولاتة ؟
اتجهت نحو المطبخ تعتمرني الحيرة المشوبة بالقلق، أسأل أمي: تلك الحلويات اللذيذة شغل يديك أليس كذلك؟
- لا لقد أحضرها خطيبك أجابت ببرود، بل ببرود شديد أو هكذا شعرت وقد تسرب الإحباط إلى أعماقي مرددة بجزع: أعتقد أن الزواج صعب يا أمي .

حسنا .... بعد تلك التجربة التي قوت عودي أصبحت ربة منزل ماهرة بل أنني أفكر بعمل مدونة عن الطبخ ولو ساعدني الحظ سيكون برنامج إذاعي ولربما تلفزيوني، لكنني لا أخفي عنكم أن الطريق المؤدي لقلب أبي والذي يمر بالمعدة كان مختلفا عند زوجي الذي كافئني بوزنه الذي تجاوز التسعين كيلو غرام مع توبيخه المستمر: أن رائحتي تشبه المطبخ المتنقل وهوسي بالطبخ جعل أولادنا في المدرسة يعيرون بالبدانة والبلادة .. مضيفا بلهجة ساخرة :
- لما لا تشبيهين النساء الأخريات الرشيقات المتأنقات؟
مايشعرني بالضيق والحرج فأنظر إلى نفسي في المرآة وأرى مطبخا متحركا تفوح منه رائحة الغيظ، لكنني اعتدت معالجة غضبي متشبثة بقناعتي الراسخة الموروثة فأهرع إلى المطبخ مفكرة بتحضير كعكة مميزة تحمل الوصفات التي علمتني إياها أمي مضافا إليها رتوش بسيطة من خبرتي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟