الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيدة المتوحشة - الفصل 16 من رواية

ريتا عودة

2017 / 7 / 13
الادب والفن


-16-
في الشّهر الثاني لميلاد جرح الغياب كان لا بدَّ لي أن أهبطَ عن صليبي فإمَّا موتٌ أو حياة والحياة لا تدلـِّل الضعفاء بلُ تذلّهم وتطرحهم للذئاب.
قررتُ أن أنتفضَ من رمادي لأحيا.
قررتُ ان ألمَّ شظايايَ المتنافرة في كلّ جهاتِ اليأس.
قررتُ أن أجعلَ لغتي تمطرُ عطرًا يظلّ حبلَ السُّرّة بيني وطائر الرّوح. هذا الحبيب الغريب الذي لا بدّ أنّه يراني ويسمعني عن بُعدْ. ذبولُ الزهراتِ سيقصيه بينما تفردّها سيدنيهِ من العطر.
التحقتُ بالجامعة قسم أدب مقارن وشرعتُ في صقل موهبتي فالكتابة عطيّة من السماء لكنّها تحتاجُ مناخًا مناسبًا لتنمو وإلا تذروها الريح دون أن تترك ولو خطّا على الخارطة الأدبيّة.
صارتْ الكتابةُ هاجسي الأوحد. رحتُ ألتهم الكتبَ فقد آمنتُ أن وراء كلّ أديب جيّد قارئ نهم يسعى دونما كللٍ لشحن طاقته الابداعيّة من شتّى الرّوافد الأدبيّة.
هي الكتابة.. هذا الإستحواذُ اللذيذ.. الأرقُ الخـَلاَّق .. الإبحارُ المُغامرُ إلى العمق حيثُ المَحَارات اللغويّة واللآلئ الدفينة التي تحتاجُ صيَّادا ماهرًا يعرفُ من أين يأتي ب الأسماك الشهيّة.
هي الكتابة.. رفيقةُ الدرب .. هذي التي مهما أعطيتها أعطتني أكثر وأكثر وكلّما قدَّمْتَ لها الوقت على طبقِ التَّفاني كلّما أذهلتني بمفاجآتٍ لا حصر لها.
هي الكتابة.. كلّما حاولتُها..باغتتني بإحتمالاتها.
هي الكتابة..
هذا الجُنون المُؤقَّت.
...
..
.

مساء مررتُ بخولة.
انفرجَ البابُ عن وجهها الطفوليّ.
راحت تتأملني بنظراتٍ فضوليّة ونحنُ نسيرُ معًا إلى غرفة المعيشة.
همستْ في أذني.. ربما لتتفادى الآذان الفضوليّة:
=كم أنتِ شهيّة بالفستان الأحمر ريتاي.
-غاليتي خولة كم أنتِ صديقة وفيّة.
أجبتها.
عاودتِ الكرّة:
= أنتِ متوهجة على غير المعتاد اليوم ألا تلاحظين ذلك..!؟
-أنا..!؟
احتلَّ وجهُ الحبيبِ الغريب كياني. خلته يجلس بيننا يجسُّ نبضَ عروقي.
قلتُ وابتسامةٌ هادئة تخضّبُ شفتيّ:

عاشقةٌ أنا..
لا لرَجُلٍ مَا
إنـَّما..
لكلِّ مفاتنِ اللغةِ



قهقهنا سوياً فاصطبغَ الأفقُ بلونِ البنفسجِ. ثمّ.. غادرنا جنبا إلى جنب إلى الندوة العكاظيّة في منتدى حيفا الثقافي.
...
..
.

راحتْ خولة تقرأ قصيدتها وعينايَ تطوفان بين الوجوه تبحثان عن طائر الرّوح.
لم أعثرْ له على أثر ماديّ لكن استحوذَ شعورٌ غريبٌ على حواسي:
إنــّه هنا..
يراني.. يسمعني.. يشتاقني.
إنّه هنا.
أكادُ أتنفسَ عطرَهُ.
أكادُ أرَى بريقَ عينيهِ.. لهفتَهُ.. ذكاءَه المُتَّقِد.
إنّهُ هنا.
ربما في هيئة طيفٍ أثيري.
يراني ولا أرَاهُ.
يسمعُني.
ويثملُ دون أنْ يُفتضحَ سِرَّه.
...
..
.
استفقتُ من موجةِ هذياني على تصفيقٍ حَاد.
عادتْ خولة من المنصة فغادرتُ أنا مقعدي واتّجهتُ إلى المِنصَّة.
سمعتُ صوتا كصوتِ طيور كثيرة يوشوشني:


"حبيبتي.. أنا هنا.
لا تخافي.
حبيبتي.. أنا هو.
لا تجزعي..!
كنتُ ميتًا وقمتُ
وها أنا حيّ"



غمرتني موجةٌ من النَّشوة فَرُحْتُ أُرَتِّلُ حنيني للحبيبِ الغريبِ من شاهقِ العِشقِ ترتيلاً.
قبل أن أعود مكاني ألحَّ الحضورُ على سماع المزيد من القصائد. فقطفتُ زهرةً مِنَ ديواني"مباغتًا جاء حُبّك":


ما بعدَ بَعدَ الفِرَاق

لَمْ نَتَغَيَّرْ كثيرا
بعدَ الفِرَاقِ..
لا.
فقط..
نَمَتْ بعضُ الطَّحَالِبِ
فَوْقَ مقعدنا.
لم تتغيَّرْ الأشياءُ
مِن حَوْلِنا.
لا.
لم تَحْدُث في الكَوْنِ
كَوَارِث.
لم تَنْفَجِر بَرَاكِين.
لم تحترق حَدَائِق
وَمَيادين.
لم تُهَاجِرْ طُيُورٌ.
لم تَجِفّْ بُحورٌ.
لم تَنْقَرضْ بَعْضُ التَّماسيحِ.
لا.
ولا زَلْزَلَتِ الأَرْضُ
زِلزالَها!.

لم يَحدُث
إلاَّ أنَّ اللونَ الأحمرَ
نَقُصَ مِنْ قَوْسِ قُزَحٍ
حبيبي..!

*

قبلَ أن أغلق الكتاب لأتقهقرَبصمتٍ إلى رُكني الهادئ تقدّم منّي طفلٌ أنيق. ناولني باقةَ بنفسجٍ وقُصَاصَةَ وَرَقٍ. ثُمَّ..
همسَ في أُذُنِي:



=هذي رسالة لكِ من ذاكَ الرَّجُل.
أشارَ إلى زاويةٍ ما في الصَّالة ومضى.
قرعَ قلبي بعنفٍ.
خالد.
لا بدّ أنّه خالد..!
لا بدّ أنّه تجَسَّدَ ليغسلَ أرَقِي بمطرِ العشقِ.
بحلقتُ في المكان.
لم أعثر له على أثر.
هبطَ قلبي.
جحظتْ عينايَ.
...
..
.


وإذا بابتسامةٍ عريضةٍ تُتوّجُ شفتيّ رَجُلٍ وجهه كالشَّمسِ وهيَ تُضِيء في قوّتها. رأسه وشعره أبيضان كالصُّوفِ الأبيض.. كالثلج.. وعيناهُ كلهيبِ نار.
...
..
.
فضضتُ الورقة بعصبيّة فإذا بالعبارة:



" هل نبدأ الحكاية "


..... ترفرفُ
.............ترفرفُ
....................ترفرفُ
في قفصِ التَّرَقُبّْ والإنتظارْ.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم الممر مميز ليه وعمل طفرة في صناعة السينما؟.. المؤرخ ال


.. بكاء الشاعر جمال بخيت وهو يروي حكاية ملهمة تجمع بين العسكرية




.. شوف الناقدة الفنية ماجدة موريس قالت إيه عن فيلم حكايات الغري


.. الشاعر محمد العسيري: -عدى النهار- كانت أكتر أغنية منتشرة بعد




.. تفاصيل هتعرفها لأول مرة عن أغنية -أنا على الربابة بغني- مع ا