الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيدة المتوحشة - الفصل 17 من الرواية

ريتا عودة

2017 / 7 / 14
الادب والفن


-17-

أفــَلـَتِ الأنوارُ من حولي.
بقيتُ وحدي وخولة.
شبكتْ ذراعَها بذراعي وسرنا معًا خطوة خطوة في المطر. نعبرُ معًا بُقعَ الوحل المتراكم على الطريق المُؤدي إلى دكان الورد.

...
..
.


هنا..
كانتْ لحظة...
بل طفرة زمنية..
حيثُ التقى النصفُ المُعتمُ منَ التَّوْأم بالنِّصفِ المُضِيء
هنا .. اكتملَ الكيانُ الأسطوري.
هنا.. كانَ البنفسجُ شاهدًا على جنون اللحظة.
..
.


بحلقتُ في المكان.
لم أعثر إلا على بضع زهراتِ بنفسجٍ ذابلة مبعثرة داخلَ سلَّة
القمامة.. دونما ماء.. دونما عطر.. دونما رونق..
تمامًا...
تمامـــًا كما أنا الآن..
وإلى ما لا نهاية.
...
..
.

شعرتُ كأنّ عاصفةً ثلجيّة تقتربُ من كياني المتهالك.
أرعدتْ سمائي وأبرقتْ.
انهمرتِ العبراتُ من مآقي الوجع المُزمن.
فوقَ الرّصيفِ هويتُ كورقةِ شجر ذابلة.
اهتزّ صوتُ خولة مع الريح وهي تهتفُ بوجل:
= ما بكِ حبيبتي!؟
علا صدى المزمور الثاني ما بعد النواحْ:
تُشتّتُني
أحرفُ العطفِ لللغويّة.
تُلغيني فساتيني.
تطعنُنِي
بألفٍ وألفِ خنجر..
وللغربانِ تُطعِمُني.
يُربِكُ الصَمتُ عطري
وكحلي..
وكلَّ أوراقي.
لا تَفهَمُني
إلاّ علامات التَّعَجُبِ
والأستفهامِ.
وأنتَ بعيدٌ..بعيدٌ..
عن حناني..مهاجر.
...
..
.


امتزجَ ملحُ الدّمع بطحينِ رَاحتيّ خولة.. فنضجتْ أرْغفةُ الحنان.
اقتربتْ من زاويةِ القلبِ.
على حافة بُؤسي جلستْ.
مدَّتْ يدها وضمَّتني إليها.
ثمَّ..
راحتْ تحرّر خصلاتِ شعريّ الكستنائيّ من الضفيرة الطويلة ..بطولِ حبل مشنقة.
همستْ:
-هيا بنا ريتاي نعود إلى البيت.
موجةٌ أخرى من العَبَراتِ اكتسحتْ كياني الهشّ وسجلـَّت سيرَة فـُـتوحتـِها المتكررة فوقَ وجنتيّ.
آهٍ, خولة.
كم أتوقُ اللحظةَ إلى صدرِأمّي!
...
..
.


( أمـِّي !!!)
وقعتْ المفردة في رحم الآلام المتقدّة.
فأخذتُ أناجي طيفها:

أيــَّتها النفسُ المطمئنة
نامي حيثُ أنتِ
راضيةً مرضيّة
ودعيني:
أنا اليتيمة المهزومة المُجهضة الجريحة المنذورة لوحشةِ الغُربة والوِحْدَة منذُ الشَّهقةِ الأولى.. أموتُ بسلام.
...
..
.

سرتُ وخولة والقمرُ ثالثنا وحارسنا... إلى البيتْ.
حينَ خيَّمَ الوُجومُ على الغرفةِ تناولتُ قصاصةَ الورقِ مِن جيبي وطرحتها كما حجر النّرد على المنضدة:
=ما هذه؟
حدجتني بسؤال.
تثاءبَ الجوابُ على شفتيّ:
دعوة عشقـِـيَّة.
- -مِنْ خالد..؟
اتسعتْ دائرةُ بؤبؤيّ عينيها. رفرفرتْ اللهفة على شفتَيْهأ.
...
..
.


(خالد !!!)
عصفَ اسمهُ بكلِّ كياني.
نقلني إلى متاهةِ الجُنون:
تراهُ حقيقة أم وهمٌ من صُنعِ خيالي المهووس بالكتابة؟
بدأ اليقينُ والظنونُ يتأرجحانِ على حبالِ:
"لو..
لو أنـَّهُ حقيقة..
لمَاذا غابَ
غابَ وكأنـّهُ فصّ ملحٍ وذابَ في بُحيرة؟
خالد...يا رجل الحلم ..متى تتحقّق!
ألأنّكَ رَجُل الحُلم ..لا بُدَّ أن أبحث عنك باستماتة!
ألأنّك نادر كالجواهر لن أعثر عليك بسهولة!
...
..
.

لكن.. إن أنتَ وهم.. لماذا يتملكُني شعور أنَّكَ هنا.
أشعر بحضورِك الطَّاغي في عروقي.
لِمَ أشهقُ وأزفرُ أنفاسَكَ؟
لمَ أتنفسًكَ عشقا!؟
...
..
- = ريتـــا ... ريتــــــــــــــا
...
..
.
عدتُ من شرود ي.
= أهو خالد؟!
عادتْ وطرحتْ السؤالَ بأناقة.
أجبتُ:
-لا.
=من إذن؟
- أبي.
= ماذا..!؟
(حدجتني بنظرة وكأنّ بي مسٌّ من جنون)
أقصدُ.. هو رجلٌ بِ مقام أبّي.
= كيف؟
دوّى السؤالُ داخلَ رأسي كالدّوامة.
وقصصتُ عليها حكايتي مع الرجل الذي وجهُهُ كالشمس وهي تضيء في قوّتها. رأسه وشعره أبيضان كالصوفِ الأبيض كالثلج وعيناهُ كلهيبِ نار.
قهقهتْ فبكيتُ.
تأففتْ:
- والآن.. لمَ تبكين؟
قلتُ:
أشعرُ كأنّي أسيرُ خلفَ جنازةِ حبّي وبينَ الهنيهة
والأخرى تطلُّ وجوهٌ من الشرفاتِ على وجعي. تشيّعُ الجثّة بقهقهاتٍ مرتفعة. تمدُّ ألسنتها وتنبشُ قبري.
مرّةً أخرى حدجتني بنظرةٍ كأنَّ بي مسٌّ من جنون.
احتارتْ ماذا تقولُ.. فقلتُ:
- آهٍ ..خولة!
لو تدرينَ كم أفتقد رجل حلمي..فارسي.. مجنوني!
لو تدرينَ عمقَ الألم.
لا أستطيع أن أتخيّل نفسي أحيا مع رجل آخر إلاّ رَجُل الحُلم. هذا الرجل الذي يعتبر أنّني كيان.. يحترم قراراتي وذاتي. يُشبهني.. لا يُشَوّهُني. يدُلُّني عليّ..يُدلّلُني.
لا يُعّنفُني.. لا يعتبرني مجرد وعاء يستعمله متى شاء ويركله عنه متى شاء.
آه خولة..
كم مرّة حاولت أن اتقرّب لمن يتقربون منّي وفشلتْ!
ثمة أسوار شائكة بيني والرجُل الذي يعتبرني مجرد صورة على جدار حياته ما هدفها إلا أن تُجمّل الجدار وتُطربُهُ .
آهٍ خولة..!
سأظلّ في بحث دائم عن رَجُل الحلم.
بهِ وحده أكتمل..
كاكتمال القمر في حضن السماء.
كاكتمال الكحلِ في عينيّ عاشقة.. ساعةَ المَسَاء.
سأظلّ في بحثٍ دائم عن رجل يفهمني.
يدخل مرأتي..
يعرفني أكثر من ذاتي.
على جناحيهِ يطيرُ بي إلى ما وراء الحلم.



اتجهتْ نحوَ النافذة .
فجأة .. فاحَ عبيرُ البنفسج في الغرفة.
بكلمات متهدجة قالتْ:

 (مَنْ يتعلمُ معنى الفِراق, سيدركُ عُمْقَ المَحبة.)

أسدلتُ رأسي فوقَ صدرها. أغمضتُ عينيّ.
رحتُ أناجي الطيفَ الذي تدفقَ بحرًا في عروقي.
...
..
.


خالد
يا طائر الروح
يا غريب
يا حبيب
بكَ وحدكَ
... أكـْـتــَمِـلْ ...
فتعال..لا تتوانى عن أن تأتي..
تعال..تعال..تعال...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية خاصة | روح أكتوبر حاضرة في أغاني النصر وسينما الحرب |


.. فيلم الممر مميز ليه وعمل طفرة في صناعة السينما؟.. المؤرخ ال




.. بكاء الشاعر جمال بخيت وهو يروي حكاية ملهمة تجمع بين العسكرية


.. شوف الناقدة الفنية ماجدة موريس قالت إيه عن فيلم حكايات الغري




.. الشاعر محمد العسيري: -عدى النهار- كانت أكتر أغنية منتشرة بعد