الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جِلدة رِجل خشبية :

ياسين لمقدم

2017 / 7 / 15
الادب والفن


قصة قصيرة...


قبل أن تبرح محطتها الأولى، امتلأت جميع مقاعد الحافلة المتهالكة بخليط من المسافرين. ولم يشذُ عن روتينية مشهد السفر اليومي الطويل، إلا صورة رجل مرفوق بعشرة أطفال جادلَ كثيرا عمال المحطة ومسؤولي الحافلة ليحصل لأبنائه على مقاعد متقاربة. بينما سيجلس مع زوجته التي تنهمك في إرضاع وليدٍ في المقعدين الذين يتخلفان عن مقاعد الأبناء ليتمكن من رصد كل حركاتهم وسكناتهم.

ورغم امتلاء جميع كراسي الحافلة، استمر المسؤول عن الرحلة في بيع تذاكر السفر للزبائن الذين سيكون عليهم قطع مسافة الساعتين من الرحلة وقوفا في الممر الذي يتوسط مقاعد الحافلة.

أقلعت الحافلة بعد أن كنست جميع المسافرين الذين ستكون وجهتهم في مسار الرحلة متأخرة عن موعدها الرسمي بحوالي الساعة.

وكان من بين الركاب الذين التحقوا بالرحلة في لحظاتها الأخيرة، رجلٌ بساقٍ خشبية، تنتهي بقطعة حديد تحدث صوتا مزعجا عندما يخطو صاحبها على القاعدة الحديدية للحافلة المهترئة.

انطلقت الرحلة في جو خانق بسبب الصهد وروائح العرق وصراخ الأطفال في تنازعاتهم الصغيرة حول أولوية حصولهم على البيض المسلوق ومشروب "رايبي جميلة" الذي يبيعه بعض الشباب في قلب الحافلة التي تحولت إلى شبه سوق أسبوعي. تُعرض فيها المأكولات السريعة، وأدوية لجميع الأمراض التي استعصت على علماء الطب، و"بَلاَغِي" للجنسين ولكل الأعمار.

وقبل أن تصل الحافلة إلى مخارج المدينة، غادرها الباعة محملين بما تبقى لهم من سلع، تاركين المسافرين عرضة لسوء مزاج مساعد السائق بسبب اشتداد حالات الدوخة والقيء.

تعب الرجل ذو الرِّجل الخشبية من الوقوف الطويل، وليباعد عنه الخدر الذي بدأ بالتسلل إلى رجله السليمة، عمد إلى دَرع الحافلة عدة مرات. ومن المسافرين من كان يغمض عينيه مدعيا النوم كلما دنا منه القرْعُ الذي تحدثه الرجل الخشبية، لكي لا تقابل عيناه شرر مقلتي الأعرج الحانقتين جدا، بسبب لا إنسانية المسافرين الذين لم يتطوع أي واحد منهم ليتنازل له عن مقعده في حافلة يصعب السفر فيها وقوفا.

الرجل "أبو الأولاد" لم يعد يطيق صبرا على الضجيج الذي تحدثه القاعدة الحديدية لرِجل الأعرج الخشبية. فصرخ في وجهه قائلا :
- يا هذا، لو وضعتَ في قاعدة رجلك الخشبية قطعة جلد لأكرمتنا ببعض الهدوء.
فرد عليه الأعرج بنفس النبرة الغاضبة :
- لو كنتَ أنت السبَّاق إلى وضع قطعة جلد، لما احتكرتَ مع أبنائك معظم كراسي الحافلة...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع