الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزوفري

عذري مازغ

2017 / 7 / 16
الادب والفن


"أزوفري" هي الكلمة الفرنسية في الأصل :ouvrier لكن وهذا ربما ما لانتفق حوله، سياقها في الأمازيغية يختلف كثيرا عن سياقها الفرنسي، بدء لأنها كلمة صدام بين ثقافتين مختلفتين، إذا كانت تعني في الفرنسية بشكل بسيط العامل، نتاج تطور تاريخي اجتماعي، فهي تحيل إلى منظومة تحدد معنى العامل نسبة إلى هذا النتاج التاريخي الإجتماعي، ذلك الكائن الذي تحدده الأنساق الرأسمالية، بائع قوة عمل مقابل استمرارية عيشه. الأمازيغية، تأخذ هذا المعنى الفرنسي إضافة إلى دلالة قدحية فيه، يعني المغترب، يعني عديم النسب، يعني المتفسخ اخلاقيا، الفاقد لأي قيمة اجتماعية نفعية لأنه ببساطة يعمل للآخر ينمي ثرواته ويقترب في المعنى الإجتماعي إلى العبيد، وهذا طبيعي جدا كونه الوارث الحقيقي لنمطية العبد. فوجوده عندنا كان مغتربا، عمله دخيل على نمطية الإنتاج الإجتماعية السائدة ما قبل الإستقلال، إذا كانت نمطيتنا في الأطلس المتوسط تعتمد على نمط الإنتاج الرحال: الرعي والكسب (تاكسابت) تلبية الحاجيات التسويقية عن طريق بيع الذهب الأسود (الفاخر) استثمار الموارد الطبيعية التي وضعت لها فرنسا حدا بنزع المجال الغابوي وتمليكه للدولة في سياق تفويت استثماره للخواص. هنا بالتحديد يأتي سياق "أزوفري" كدخيل في إطار هذه العملية من الإستثمار الرأسمالي ، تحويل موارد جماعية إلى ملك عام للدولة ومن ثمة تصريف الدول للإستثمار بتحويل متناغم مع تلك الشعارات التي نعرفها بالتمام من سهر الدولة على تدبير حاجيات مواطنيها ممن يتغذون ب"عاش الملك"، إلى تفويت هذا الملك بشكل جزئي إلى تداولات في شكل دلال في المزاد العلني: تفويت للخواص بشكل عام به تتم عملية الإنتاج من خلال شراء أيادي عاملة حرة ينم عنها بشكل قسري توظيف بعض المنتمين للمجال، وفي حالة انعدامهم كما عندنا لأسبات الإرتباط بنمط مختلف : العزابة، الحرث، الكسابة ..إلى آخره. مما يبدوا فيها العامل "أزوفري" غريبا فيها عن النمط، هذا التحول المتناغم أفرز ازوفري، متعاقد لتدمير المجال الغابوي، عدو لنمط معين في جوهره اشتراكي: أراضي الجوع (الملك الجماعي)، العزابة كنمط إنتاج، الحرث الجماعي (التويزة بالمعنى المغربي)، كلها انماط لم تستثمرها أيديولوجية الطبقة العاملة ، طبقة "أزوفري" بكل حمولتها الثورية في الثقافة الغربية اليسارية.
يذكرني "أزوفري" بالمرحلة الطفولية، ب"تيط إفسثن" مرة اخرى، مسقط رأسي. بعض خلفياتي النضالية تنتمي إلى حقبة طفولتي، والدتي حية حتى الآن، وهي تعرف أني سرقت ادوات "أزوفري" حينما بداوا في قطع غابات تيط إفسثن، أخبأتها في جانب من الخيمة التي كنا نقطنها نحن الأربعة: أنا وأختي وأبوانا، لا أتذكر الكثير، لكن في بداية السبعينات، وأنا طفل يافع، بكل هذه القوة الناستالجية لتلك الأيام، أيام الطفولة القضيبية، (عندما قرأت المرحلة القضيبية لفرويد، وجدتها تنطبق تماما على حالتي بغض النظر الآن عن تجدد علم النفس، أنا وأختي شربنا بولنا للتأكد من انه لا يعفي العطش وهذه حقيقة خارجة عن رقابة الأم او الوالد)، كانت أختي، برغم أنها لم تدرس، أذكى مني بكثير، عندما خيرونا في الرعي بين الغنم والمعز ونحن أطفال، هي اختارت الغنم السهل في تنقله، وأنا أخترت العنز الصعبة في تنقلها، وكانت النتيجة أني بقيت في كل عمري كثير التنقل واختي مستقرة تماما، حدث أن كنا عطشانين بمنطقة "أبراو ييزم" حفرة الأسد"، عرين الأسد إن شئتم، سمة أنتروبولوجية لمنطقة غمرتها الأسود، تحيلني هنا ذكريات جدتي في مصارعة الأسد، :"كان يغميهم بتبوله ثم يأكلهم بسلام"، بدا الموت في حضرة الأسد أجمل بكثير من ان يكون في حضرة عزرائيل، " هو لا يباشر بالإفتراس إلا حين يغمى عليك من كثرة سكر بوله"، بغض النظر عن صحة هذا أم لا، تبقى كلماتها حافرة في الذاكرة الطفولية، الأسد مقرون ببوله وهذا ما توحيه ثقافة الإطلاع الإيكوجغرافية: الأسد يرسم مملكته من خلال شعاع رائحة بوله.
جاء "أزوفري" إلى خيمتنا يشكي والدتي بأني سرقت أدوات عملهم، قال لها بأنه لم يكن أحد قد مر من قربهم غير ابنك هذا، وحين جندرت عينيها فيي، أخبرتها أنهم يقطعون أشجارنا، لقد أصبحت جبالنا صلعة بسببهم، اما أدواتهم فوجدتها تحت قش الشجر وليس سرقتها، منحته أدواته ثم توجه إلى عمله، وفي المساء نزل وأصدقائه إلى النهر الصغير ليغتسلوا ثم يعودوا إلى خيمهم الزوفرية ليطبخوا أكلهم، كانوا يبدون مقطوعين من العلاقات الإجتماعية وكان الأهالي يكرهونهم بسبب حضورهم المستفز في العنصر حيث تذهب النساء للغسيل أو لأخذ الماء فيتحرشون بهن، فكان الأهالي ينصحن بناتهم بعدم التعلق بهم لأنهم ليسوا اهلا لخلق أسرة أو لهم القدرة على العناية بالنساء، وكان ارتباط المرأة بالزوفري كالإرتباط بالسراب إنهم مشردون يتبعون الأعمال أينما رحلت شركاتهم. كانت هذه هي نظرة الأهالي لهم، حكم عيني انطلاقا من عيشهم في الخيم الصغيرة، أما علاقتهم بأهلهم فكانت في عين الأهالي لا تدعوا إلى التصديق لأنهم يرون أنه من المستحيل أن يعيش المرأ عيشتهم في ترحال دائم كقطيع من الذكور ويبدوا كما لو كانوا لقطاء في عين الأهالي.
كان "أزوفري" ملتصقا تماما بعمله عندنا، أغلب الناس تعتقد بأنه عامل حطب إلى أن رحلنا إلى جبل عوام حيث حظي والدي بالعمل في المناجم، لنجد "أزوفري" ملتصقة أيضا بعمال المنجم، عمل المنجم أيضا لم يكن مستحبا من الأهالي المرتبطين تماما بمزارعهم ومواشيهم وعاداتهم، وكان طبعا أن تعاقدت شركة المناجم مع عمال غير محليين، غرباء أيضا ك"الزوفريين"، لكن هذه المرة هناك فارق، عمال المناجم لا يقطنون الخيم الصغيرة، لقد بنت لهم الشركة منازل محيطة بالمنجم، وفي الجهة الأخرى على بعد ميلين أو ثلاثة، قرية عمالية تسمى تيغزى، وكان ما يزكي تلك النظرة التحقيرية للأهالي لهم تلك التحولات السوسيولوجية العميقة في بنية المنطقة الإجتماعية، تعني أزوفري أحيانا العازب غير المتزوج، ومن ثم كان الكثير حين يقرر الزواج يعبر عن الأمر بالقول: "سأخرج من "تازوفريت"وأبني أسرة"، ولعل هذا القول متداول حتى الآن، وتحيل في كثير من الأحيان إلى نمط عيش خاص مرتبط بعامل المنجم، كانوا يصحبون كل سبت نساء معهم لقضاء ليلة، او ينظمون بمنزل أحدهم "قصارة"(شكل من الحفلات الصغيرة تجمع بضع عمال مع نساء يسهرون على الغناء والشرب وممارسة الجنس) مع ظهور أنماط غريبة أيضا لها علاقة بالأجور العمالية، ظاهرة الكريدي عند الدكاكين والجزارين، ظاهرة النقل المجاني والتطبيب دخول المشروبات الغازية في الإستهلاك المحلي وما إلى ذلك... على أن هذا الرصد البدائي لوجود العمال بكل هذه السلبية القاسية والتي أخذتها على عاتقي من خلال وجهة نظر صدامية تعكس رؤيتنا كأهالي أكثر مما تحاول أن تناقش الظاهرة في مستوياتها العامة بشكل يتجاوز هذه النظرة التحقيرية، إن الصورة البدائية التي أحملها عن جبل عوام كانت غنية بشكل ما، وكانت نظرتي الطفولية غير مستوعبة لها بشكل كبير، لكن بالتأكيد كان انطباعي سلبيا مثل انطباعي الأول حول "زوفريي" الغابات، إن نظرتي الطفولية لم تتجاوز تأثري الكبير بالطبيعة، في جبل عوام أيضا كنت أكره رمي الأحجار المستخرجة من المنجم ، حفر طرق في سفوح الجبل تنقيبا على مناجم اخرى، كنت اكره تلك الشاحنات العجيبة التي يسمونها " هررر أندو" والتي لم استوعبها إلا عندما كنت عتيا، كانت شاحنات أوكليدس صاخبة في حركتها حين تحمل الأحجار لترميها بسفح الجبل أو بناء طرق التنقيب بها، صاخبة بشكل يمكن سماعها على بعد اميال، أما ماركة هذه الشاحنات فلم تكن معروفة عندنا، بل كان الإسم المعروفة به هو "هراأندو" وهو اسم أمازيغي مركب من كلمتين: هررر وتعني ببساطة صوت الشاحنة الصاخب، أندو وتعني نذهب، ومعنى الأمر أن الشاحنة لا تتحرك إلا عندما تحدث ضجيجها، وصيغتها الأمازيغية مركبة في صيغة أمر، "هررر" لنمضي، اما باقي شاحنات الشركة فترسخت عندنا بعض اسمائها بشكل لم تكن علاماتها التجارية ذات أهمية كبيرة في لغتنا الجديدة: لغة "تازوفريت" فمثلا يمكن أن تصادف من صديقك حين تسأله عن صديق آخر جوابا كهذا: "امشى اركب في الجيب ديال لاندروفير" لقد ذهب وركب في جيب لاندروفير، كانت ال"جيب" بالنسبة لنا، أي سيارة لها هذا الشكل العسكري من الدفع الرباعي، أما لاندروفير في الجملة فهي تمييز للسيارة، وإلى حد ما كانت هذه اللغة مرسخة حتى ظهور الجيل الأول من التعليم العمومي ليعاد ترتيب هذه الأسماء والتمييز على أنها ماركات لشركات مستقلة لنعرف أن "هراندو" كانت دعابة الأباء الأوائل لصبيانهم مواليد الجيل الأول من العاملين في المنجم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال


.. الفنانة ميريام فارس تدخل عالم اللعبة الالكترونية الاشهر PUBG




.. أقلية تتحدث اللغة المجرية على الأراضي الأوكرانية.. جذور الخل


.. تراث الصحراء الجزائرية الموسيقي مع فرقة -قعدة ديوان بشار-




.. ما هو سرّ نجاح نوال الزغبي ؟ ??