الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القصيدة المتوحشة - الفصل ال19 من الرواية

ريتا عودة

2017 / 7 / 16
الادب والفن


-19-
هذا الرجل:
القائد العبقريّ النبيل.. هانيبال القرطاجيّ.. الولوع بمفاجأة أفكاري وإشاعة الأرق في صفوفها معتمدا في اجتياحه الأخير لصحاري هذا القلب على تقـنيــَّة التجسس على أحوالي العاطفيــَّة.
هذا الرجل:
المسكون ببحر.. يسكبُ الحُبَّ في رأسي .. فيفتت صخور صمودي ويكونُ الغرقُ فيه قدري الأولّ والأخير.
هذا العصفور المهووس بالطيران وراء الأفق.. كالقصيدة يأتي بغتةً. يلمُّ شظايايَ المتنافرة المتناثرة في كلِّ جهات اليأس.. البؤس.
هذا الرجل:
المشاكسُ الأصيل كالعمر يمضي بغتةً. تنشطرُ الذاتُ.. فيتوهَ الشّطرُ المُعتم في وحشةِ الغـُربة باحثا عن الشّطر المضيءِ من كيانـِهِ المزدوج كي يتحققَ الإكتمال.
مضمخــًا بعطر البنفسج أتى.
ألقى التحية على الطلابِ . اعتذر عن درس اليوم.. ومضى.
طرحتُ عنّي عباءةَ الشّرودِ ومضيتُ خلفه.
...
..
.
في الحديقة أدركتــُهُ.
ثرثر قلبي معاتبًا:
(لماذا تأخرتَ يا صاحبي ولم ترأفْ بضَيَاعي؟)
...
..
.

لم أنادي أنا عليه.
ناداهُ الحنينُ المعتــَّـقُ في خوابي العـُمر.
قربَ زهور البنفسج.. تسمَّر.
التفتَ خلفه.
رآني.
سارَ نحوي.
أنتزَعَ النَّظارة السَّوداءَ عن عينَيْهِ.
مئاتُ الزهورِ نبتَتْ بين لحظةٍ وأخْرَى في مغارتيّ عينيهِ... فكانَ نورٌ واستعرتْ نارٌ.
...
..
.
كشجرتيّ سنديانٍ خُرَافيتينِ وقفنا مُتوازيَيْنِ.
لم تتشابكِ الأغصانُ.
لم يسقطِ الثَّمْرَ الشَّهِيّ فوقَ بِسَاطِ الجَاِبِيـَّة.
...
..
.
التقتِ العينُ بالعين...
وإذا بالسماءِ تصطبغُ باللونِ البنفسجيّ والفراشاتُ والغيوم والكونُ يستحيلُ سيمفونيةً أسطوريّةً خالدة.
...
..
.
صافحني.
تصاعدَ دخانُ احتراقي.
أتى صوتـُهُ.. هذا الصوتُ القديمُ كصوتِ طيورٍ كثيرة.
هدهدَ قلبي البِكْر الذي لا زال يترقَّبُ القطافَ.
همسً:
أحتاجُ أن أمضي الآن.
القاكِ في الثانية عشر غدا في كافيتريا الجامعة.
...
..
ومضـــَى...!
ظلَّ طيفُهُ يتضاءلُ شيئا فشيئا إلى أن صارَ نقطةً سوداءَ على خطّ الأفق. راحَ قلبي يفرجُ عن همِّهِ بإجهاضِ السؤالِ تلو السؤال:
تُراه يعود..!؟ هل الفراق قدرٌ لا مفرّ من جحيمِه..!؟ والحبّ.. ما الحبّ ..!؟ أهو لحظة عبثيّة لا تتكرر..!؟ والحياة, ما الحياة ..!؟
أهي مجرد ورطة نبيلة يقعُ فيها الأهل, ونضرسُ نحنُ عفونتها..!؟ والأمل.. ما الأمل..!؟ أهو عصا في يدِ مكفوف...!
والدمع.. ما هو الدمع ..؟
أهوَ كخرطوم آكلِ النَّملِ يشفطُ الوحلَ من بُحَيـْراتِ الحيرة..!؟
أم هو ما يعتريني الآن ..الآن من ضعفٍ أنثَويّ ملعون..!
لكن.. لماذا خالد بالذات اختاره قلبي؟
لماذا لم أتمكن ولو مرّة من مجرد اعطاء فرصة للآخرين أن يقتربوا من أسواري الشاهقة!
أهي الجاذبيّة العشقيّة التي دخلنا مجالها فصار الفرار من سطوتها شبه مستحيل؟
أم هو لعنتي والصّلاة!
.....
...
.

صباح اليوم الثاني لعودة طائر الرّوح.. رأيتُني أنهضُ من حلمٍ سرياليّ الملامحِ مُرتعبةً..
خُيـِّلَ لي أنــِّي رأيتُ التوأم الأسطوريّ الأول في ملفاتِ التاريخ: قايين وهابيال.
هابيل يقطفُ البنفسجَ منَ الحقل ويضفرُ الأغصانَ فيما يُشبهُ الأكاليل وهو يغرّدُ كطيورٍ كثيرة.
وإذا بالتوأمِ المشطور عن ذاتِ البُوَيْضَة الأصليّة.. قايين.. يستعدُّ لتنفيذ خطتـِهِ الليليّة الجهنميّة:
يتسللُ من الخلفِ. بيدين ملطختين بطينِ الأرض يقومُ على هابيل..أخيهِ.
يسيلُ الدمّ . تَصْرُخُ الأرْضُ. تتناسلُ اللعنة.
يهزَّ أكتافـَهُ لا مباليا.
يلبسَ رداءَ أخيه المبلل بالدم. يمضي مختالاً إلى أبويهِ
يدعيّ أنّه هو هابيل المُدلّل من أبويه وأنَّ ذِئبـًا افترسَ أخيهِ.
يحيا على أنّهُ هابيل.
كلّ صباح.. يذهبُ إلى الحقل بقناعٍ آخر.لاأحد يرى. لا أحد يكترث.
يطمرُ الذنبَ ويحيا منتشيا.
وحدها الأرض تظلّ تصرخ: أين هابيل أخوك؟!
...
..
.

أجرجرُ أطيافَ الخيبةِ خلفي وأمضي إلى الحَافلة فتسير بي إلى كافيتيريا الجامعة.
في الركن المُضاءِ بشمعة أجلسُ.
تسرحُ قطعانَ خيالي.
يأتي نادلٌ ما ليوقظني من انفلاتِ شُرودي.
تدبُّ اللهفةُ في عروقي.
يسألني عن اسمي.
يناولني قصاصةَ ورقٍ وبعضَ الكتبِ ويمضي.
ألمحُ صورةَ خالد على كلِّ الكتبِ..
أسارعُ بكشفِ المستور في الورقة:

"أنتظرك الآن عند الصخرة قرب البحر."
ينتظرني..
ينتــــــظرُني!
زقزق قلبي ورقص .
دارَتْ بيَ الدُنيا.
أخيرا يا خالد سنلتقي؟ وأين؟ على ذات الصخرة..قُربَ البحر؟
آه.. من وجع انتظاري .
اليوم..لا بُدَّ أن تُعَمِّدَني حبيبي بحبّك وتنسبني إليك!











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم الممر مميز ليه وعمل طفرة في صناعة السينما؟.. المؤرخ ال


.. بكاء الشاعر جمال بخيت وهو يروي حكاية ملهمة تجمع بين العسكرية




.. شوف الناقدة الفنية ماجدة موريس قالت إيه عن فيلم حكايات الغري


.. الشاعر محمد العسيري: -عدى النهار- كانت أكتر أغنية منتشرة بعد




.. تفاصيل هتعرفها لأول مرة عن أغنية -أنا على الربابة بغني- مع ا