الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الديمقراطية الفلسطينية الفريدة: فازت حماس... ولكن فتح انتصرت

عبد الله لعماري

2006 / 2 / 6
القضية الفلسطينية


ضد كل التحليلات، والإسقاطات، وقرع أجراس التحذير والإنذار، تنفرد التجربة الديمقراطية الفلسطينية بمميزات وقسمات، لا تتأتى إلا للشعب الفلسطيني الفريد في طبيعة نضاله، استماتة وإصرارا، والفريد في متانة أواصره، وتراص صفوفه، وحدة وتماسكا.
والتجربة الانتخابية تزكي هذا التوصيف، بما ارتقى إليه الفلسطينيون، مثالا ساميا، في النزاهة، والشفافية، وطهارة التنافس، ونكران الذات، والانضباط.
فقد جرت الانتخابات، وفوهات مدافع العدو الصهيوني مشرعة في وجه الشعب، ودبابات الاحتلال رابضة على مقربة من صناديق الاقتراع، والوضع الفلسطيني كله: غابة كثيفة من البنادق والأسلحة والأحزمة الناسفة والمتفجرات، والضغوط الدولية تقصف من كل حدب وصوب، تستهدف إفساد العملية الديمقراطية، وتخريب البيت الفلسطيني من الداخل، وتسعير النعرة الفصائلية، وبث التشرذم والاقتتال.
وفوق هذا البركان المتلظي، قررت فتح، ذات السلطة والنفوذ والكلمة الحاسمة، من خلال الرئيس أبو مازن، إنفاذ إرادة الشعب الفلسطيني، بإجراء الانتخابات في ميقاتها المحدد، رغم كل المخاوف والمحاذير والحسابات، ونواح المرجفين المرتجفين والمذعورين من اقتراب نهاياتهم، وزوال كراسي نعمائهم.
وبهذا الموقف الشجاع، كانت فتح أول من انتصر، باستعلائها على شهوة التفرد بالقرار الفلسطيني، والتحكم في مصير الشعب والقضية.
وهو انتصار مثالي شيدت به فتح، الجسر الذي مكن حماس من العبور بكل أريحية إلى تبوأ المكانة المتقدمة في تمثيل الشعب الفلسطيني.
بالنظرة السطحية التبسيطية للأمور، يبدو ظاهريا أن فتح وهي الحركة التي شكلت رافعة النهوض الفلسطيني الحديث، قد تراجعت عن موقعها التاريخي النافذ.
وبالموازين التافهة، المستمدة من المنطق المركانتيلي التجاري، الذي تقوم عليه ثقافة الغرب، وبالخلفية الغربية ذاتها، التي تضمر التآمر والتحريض، فقد أشيع على فتح، أنها وقعت في خسارة كبرى، وأن حماس زلزلت الأرض والحسابات والمشاريع والتطلعات.
ولكن التعمق الدقيق في مضمون هذه النتائج الانتخابية، وعلاقتها بالواقع الفلسطيني الحميم، يكشف حقيقة أن الفوز كان مشتركا بين حماس وفتح، لأن الشعب هو من يجني مكاسب هذا الفوز.
ذلك أن الحركتين معا، اتحدتا موضوعيا، في تبادل للأدوار غير معلن، لإنجاز حركة انقلابية صامتة، ضد طرف لا يقل خطورة عن جرم الاحتلال الصهيوني، ويجثم منذ زمن بعيد، على صدر الشعب الفلسطيني.
إنه الطابور المتربع على عرش الثروات والأموال والمصالح الفلسطينية، من بارونات الفساد والإثراء الغير المشروع، اتجارا بالقضية، والذين اتخذوا من حركة فتح دثارا لهم، يتسترون خلفه، للتسلط على مواقع نافذة في القرار السلطوي الفلسطيني.
إن هذا الطابور الذي تسلل خلسة إلى صلب حركة فتح، ومن ثم إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ونما جشعه واستحواذه على ثروات طائلة، بين ظهراني الحركة، كان هما ثقيلا في ضمير شرفاء حركة فتح، طالما أقض جنوبهم، فجاءت حركة حماس لتزلزل عروشهم، ولتمكن حركة فتح من التخلص من عتوهم وجبروتهم الأخطبوطي.
وما كان لحركة فتح أن تنفض ذاتها، وتجسر على التهيؤ لتطهير صفوفها، لولا هذا الزلزال الانتخابي، كما سماه أولئك الذين اهتزوا فرقا من بأسه وبأسائه.
إن هذه الشريحة من المنعمين، في بحبوحة الحياة، في عز تشرد الشعب الفلسطيني، وغلواء فقره وحرمانه، والتي لا تقصفها طائرات الأباتشي، ولا تتحسس أنفاسها ذيول الموساد، لأنها اتخذت لها علاقات حميمية مع إسرائيل ومخابراتها، والغرب ومصالحه؛ إن هذه الشريحة لم تكن لتستغفل الشرفاء في حركة فتح، ولا القادة الحقيقيين لها، ولكن العبقرية القيادية للرئيس الشهيد ياسر عرفات، كانت توظف هؤلاء، وفق الحاجة والضرورة، وتسخرهم في ذلك النفق المظلم الطويل، من مسلسل المفاوضات، وأوهام التسوية السلمية، ومحادثات الكواليس، والعلاقات والاتصالات المتوارية في الظل، وكان الرئيس الشهيد يتخذ منهم ساترا رمليا، يتمترس خلفه، لتمرير المشروع التحريري الكفاحي الذي يعتقده، ويؤمن بجدواه، واستشهد على طريق تحقيقه، وفداء للتمسك به.
إن حركة فتح قد انتصرت الآن، لأن الفرصة التاريخية قد واتتها كي تتحرر من إسار الشريحة المتعفنة، التي كثيرا ما كانت تضجر من الروح القتالية للشعب الفلسطيني، وتضيق ذرعا بنفسه الطويل، في الصمود والمجابهة، خلال الانتفاضات القاسية، وتحرض الرئيس الشهيد، كي يعلن الحرب على حركات الاستشهاديين، من حماس والجهاد الإسلامي وغيرها؛ وحيث أنه لم يفعل، فقد امتدت الذراع الصهيونية لتسميمه من تحت عباءة هذه الشريحة.
بل إنها كانت ثغرة في جدار الكفاح الفلسطيني العنيد، نفذت منه خيوط العنكبوت الصهيوني، ومن خلالها نكب الشعب الفلسطيني في كثير من قياداته الميدانية، ورموزه الجهادية الغالية، بضربات الغدر والغيلة والخيانة.
واليوم، تراهن إسرائيل، ومن ورائها الاتجاه العدواني البشع في أوربا وأمريكا، على هذا الطابور، كيما ينسف دعائم هذه الديمقراطية الفلسطينية السامية، ويضع عبوات التفجير على طريق التلاحم الفلسطيني، ويحول الثورة الفلسطينية القائمة على ركيزتي: الحركات الوطنية برمزية فتح، والحركات الإسلامية برمزية حماس، إلى كيان نخر، بالتآكل الداخلي، والتصادم بين الفصائل.
وفي دهاليز المخابرات الصهيونية، والأمريكية، تدرس بجدية، بل تبيت بخبث، مؤامرات الانقلاب على المشروع الفلسطيني الوليد، وإجهاض ديمقراطيته الرائدة، لإعادة إنتاج سيناريوهات سابقة، جربت في التصدي لخيارات الشعوب، في ما سبق من إجهاض النهضة الوطنية الإيرانية بقيادة مصدق، وإعادة فرض النظام الشاهنشاهي، وتخريب ديمقراطية الشيلي، واغتيال الرئيس الشرعي سلفادور أليندي، وتخريب ديمقراطية الجزائر، والتنكيل بالجبهة الإسلامية للإنقاذ، وما سمي بالانقلاب الأبيض بتونس، وتدمير حركة النهضة الإسلامية، وما يقع على الأرض اللبنانية بغية زعزعة الوضع الديمقراطي، واقتلاع الرئاسة الممددة شرعيا وانتخابيا، تمهيدا لانتزاع سلاح المقاومة اللبنانية، وتفكيك حزب الله.
إن الأصل التاريخي للحركتين حماس وفتح، واحد ومشترك، ففي مدرسة غزة، عرين الأسود، نهل الشهداء: الشيخ أحمد ياسين، وأبوعمار، وابو جهاد، وأبو إياد، وكمال ناصر، وكمال عدوان، من مشرب العقيدة الإسلامية، وحب الجهاد.
وفي الوقت الذي اختار الشهداء أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد وكمال ناصر وكمال عدوان، إعلان الجهاد وإقامة معسكرات التدريب والكفاح المسلح، تيمنا بقوله تعالى: " فتح من الله ونصر قريب"، اختار الشهيد أحمد ياسين وإخوانه إقامة معسكرات الإعداد التربوي والعقائدي الشاق لتخريج الأجيال المجاهدة القوية، عملا بقوله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، ترهبون به عدو الله وعدوكم".
وعندما اندلعت الانتفاضة الأولى، سنة 87، حينما أطلق شرارتها الأولى ثلة من مؤسسي حركة الجهاد الإسلامي، الذين كانوا جنودا سابقين في حركة فتح، وانتظمت حينها تحت لهيب الانتفاضة الأنوية الأولى لكتائب عز الدين القسام، احتضنها الشهيد أبو جهاد، وأعطاها من فكره وعقله وجهده وتدبيره، ما اشتهر بسببه أنه العقل المدبر للانتفاضة، وما استحق عليه أن يمضي إلى ربه فداء لها، في إحدى أفظع وأقذر عمليات الاغتيال الصهيوني.
إن فوز حماس هو انتصار لفتح، وللمنظمات الوطنية الأخرى، إذ أن الشعب الفلسطيني، إذ يبارك الخط الجهادي لحماس، فإنما يبارك الخط الذي عمدته بالدم والفداء، لخمس عقود خلت، فتح والجبهة الشعبية، والجبهة الشعبية القيادة العامة، والجبهة الديمقراطية، وغيرها، وتواصله اليوم في طليعة الأمة، حماس والجهاد الإسلامي.
وإذا لم يترسخ الوعي لدى حماس وفتح، بأنهما يتكاملان دورا ووظيفة، في ميدان الكفاح التحريري الفلسطيني الطويل والشاق، عسكريا وسياسيا وديبلوماسيا، وأنهما يتعاضدان من أجل وحدة الشعب الفلسطيني، وتمنيع الحصون، ضد غدر المفسدين والمندسين.
إذا لم يترسخ هذا الوعي، فإنهما قد يخسران معا، فيهلكان معا، وينهد ذلك الصرح الشاهق للثورة الفلسطينية، الذي ارتعدت له فرائص إسرائيل والغرب الداعم لها.

الدار البيضاء بتاريخ: 04/02/2006









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جمال نزال: وجود السلطة في غزة رهن بحل شامل يتضمن انسحاب إسرا


.. نهضة بركان يستقبل الزمالك في مهمة رد الاعتبار | #هجمة_مرتدة




.. جامعة سيول تضم صوتها للحراك الطلابي العالمي المتضامن مع فلسط


.. استشهاد رضيع وأمه جراء قصف إسرائيلي على منزل بمدينة غزة




.. مراسل الجزيرة: مستوطنون إسرائيليون يحرقون منزلا لعائلة الدوا