الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقدان

جمانة القروي

2017 / 7 / 18
الادب والفن


لف اخطبوط الغثيان ارجله عليها بإحكام، لم تعد تستطيع مقاومته اكثر رغم تشبثها بالثبات والقوة، صرختها المكتومة لم تتعدَ فكيها، تلظت بالامها في صمت ذلك الفجرالشاحب،حاولت ان تنهض لكن الإعياء لطمها بكفه الثقيلة، فطرحها على فراشها في تلك الغرفة الرطبة البائسة. في الموقد تحول جذع الشجرة الى رماد ولم يبقَ منه سوى فتات جمرات، انطوت على نفسها علّ الالم يهدأ، بل ازدادت وتقاربت نوباته، احست بالاختناق، ضاق صدرها شعرت كما لو ان الهواء اصبح شحيحا، سحبت نفساً عميقاً متمردةً على اوجاعها، شدت جسدها بكل ما اوتيت من عزم زاحفة نحو الباب المفضي للخارج.
منذ ليلة امس والمطر يهطل بغزارة، اخذ بدنها يرتعش بقوة، تصبب العرق من كل مسامتها،توترت نبضاتها، تيبست حنجرتها. ها قد خانتها شجاعتها فسالت دموعها على وجنتيها اللتين تحولتا الى لهب . صوت ارتطام حبات المطر بالارض يتستر على انينها، في لحظات الخور تلك، اطل من عمق روحها وجه جدتها وهي تبتسم لها، تحثها وتشد من عزمها على مواجهة الصعاب مذكرةً اياها بانها قاست كثيرا،الآن عليها مقاومة الالم بالفرح وهذا لايتعدى ان يكون وجعاً منسياً!
ضاق قلبها الذي صدعت طرقاته صدرها،سحقها الوجع المتناوب الذي اشتد حتى اوشكت على الانهيار، فقد امسى الوصب كخنجر يمزقها ارباً . مازال الافق غائماً والسحب قاتمة، لسعتها الريح الباردة وهي تخطو نحو باب صديقتها الاثيرة بعد ان تمالكت نفسها ولملمت انينها، ما ان لامست كفاها خشب الباب حتى سقطت مكتومة عند العتَبة.
مشت بقدميها الحافيتين صوب غابة اشجارها كثيفة احتضنت اغصانها الارض، تهادت اليها اصوات عاليةُ تارة وهامسة تارة اخرى، لم تبالِ بها سارت قاطعةً مسافات طويلة، التفتت بغية العودة لذات الطريق، لكنه اختفى وضاع اثره فقد توارى كل شئ وانقلبت الخضرة المعتمة تلك الى رماد اسود غاصت فيه حتى خصرها، فجأة انقلب الى طين احمر متحرك اخذ يبتلعها الى اعماقه حتى شهقت بصوت عالٍ.اياد قوية هزتها، انقذتها، افاقت لترى الجارات والصديقات المحبات منهن واللدودات يحطن بها.
مالبث صوت الريح يهدرولمعان البرق كاد ان يوصد باب السماء. احست بساقيها ترتجفان، داهم وجهها شحوب الموت وازرقت شفتاها،سرت قشعريرة في جسدها الواهن،بات امر يشبه الى حد ما، تلك الشعرة الرقيقة التي تفصل بين الحياة والموت.
اكتظ المكان بمن فيه، تقاربت نوبات الالم الفظيع تلك،تأوهت ثم صرخت فامتلأت عيناها بالدموع، قبضت على احدى الاذرع التي بجانبها بقوة، اياد حنونة امتدت تربت عليها وتمسح عن وجهها وجبينها حبات العرق الذي تصبب بغزارة، لم تعد قادرة على تحمل الوجع الرهيب الذي شق بطنها، مع كل لحظة كانت تعتريها رغبة ملحة للغوص بعيداً في متاهة السكون. اختلطت تضاريس وجهها بسقمها، قفزت عيناها من محجريهما ككرتين من نار، تحشرج صوتها بانكسار ممزوج بالرفض.
همهمات قصية دارت بين من طوقنها "هذا من صعود ونزول الجبال وحمل السلاح والجذوع الثقيلة على الاكتاف!" ارتاب صوتُ احداهن "ستموت، ستسلبها الغيبوبة منا"! بذعر وفزع صاحت اخرى" يا ويلي، لقد خرج جسمه ولم يبقَ الا ...!" من بين ذلك الضجيج والجلبة، سمعت كلمات حنونة واضحة " احزمي همتك.. ادفعي.. اضغطي .. هيا .. هيا "! ارادت ذلك لكن الوهن والعجز اصابها مرة اخرى، فثمة شئ ما يجذبها للاناة، امتعضت وسخطت على الاذرع والاكف،التي لا تكف عنها ولا تتركها لقدرها.
من صوب ما تناهى اليها كلام ينبئ بموتها، فرحت ربما، فقد ارتسمت على شفتيها ابتسامة شاحبة .
"علينا ان نتجاوز الخوف كي لا نفقدها"!.
"لا استطيع ان اقوم باي شئ.. نشج الصوت"!
" ستموت بين ايدينا ، لا وقت للدموع"!
تهدج صوت الطبيبة، وبدت مرتبكة وهي تقول بخوف "لا.. لا استطيع"!
"يجب ان نفعل ما بامكاننا لطرد شبح الموت الذي يقف امامنا، فحياتها اهم" !
"ليس لدي القدرة على انقاذها"!
" لن تتركيها تموت وطفلها معا! استعجلي باتخاذ القرار"!
"شهقت وهي تقول لا قوة لي.. لا استطيع "!
امرها صوت احداهن بعصبية "اذن ابتعدي انت.. انا ساتولى الامر"!!
تعالى وتداخل العويل بالصياح بمن احاط بها من النساء، محدثًاً صخباً كاد ان يحطم راسها، سمعت اسمها يتردد على افواههن عشرات المرات، واياد لا تتوانَ عن هزها بعنف، واكف تضربها على وجهها "لا اريد لا .. لا اااا.. ريد.. لا..لا.." صرخت بهن !
في تلك اللحظات بالذات، اعتصرها الم ومغص شديدان وغريبان في آن معاً، شعرت كما لوان روحها ستنطلق هاربة، واحشائها تندلق منها غير عابئةً بها، رفعت نصف جذعها الى الاعلى مطلقةً صرخة وحشية مدوية، رجت لها اركان الغرفة كلها، وجعلت الكل يتوقف عن الكلام او الحركة، ثم فجأة وهنت وخارت وغابت عن كل ما حولها، فهدأ كل شئ وسكن وساد صمت ووجوم..
ثمة اوحال خضراء لم ترَ من قبل مثيلها، اجبرت على الخوض فيها كي تعبر للجهة الاخرى، طلت عليها وجوه كثيرة لاتتذكر اين التقتهم ومن هم،ابتغت التخلص من الضباب الاسود الذي يلفها لكنه ابتلعها.
من عمق سحيق سمعت صوت نحيب وبكاء مكتوم،بالكاد افاقت نافضة ًالوساوس الحزينة التي حاصرتها، بحثت بعينيها عن وليدها، فلم تجده !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا