الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خان عبدالولي خان

عبدالله المدني

2006 / 2 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


في 26 يناير المنصرم، توفي السياسي الباكستاني المخضرم خان عبدالولي خان عن 89 عاما، لتنتهي بذلك حياة أحد اشهر المعارضين للحكومات الباكستانية المتعاقبة، بل لفكرة تأسيس باكستان. هذا الموقف الذي ربما انتقل إلى الراحل بالوراثة من والده عبدالغفار الذي عرف باسم "بادشاه خان". والأخير كان أحد المناضلين على النمط الغاندي من اجل الحرية زمن الهند البريطانية ، حتى انه سمي بغاندي الباشتوني أو غاندي المناطق الحدودية مع أفغانستان، كما كان من المدافعين الصلبين عن فكرة الهند المستقلة الموحدة ذات الوجه العلماني.

ولد خان في يناير 1911 في بلدة "عثمانزاي"، و درس في "الثانوية الإسلامية الحرة" قبل أن ينتقل منها إلى مدرسة "ديرادون" الحكومية الايرلندية. و في عام 1933 أكمل دراسته الجامعية في كامبردج على نحو ما كان يفعله أبناء العائلات الهندية المعروفة في ذلك الزمن، ليتبعها بدخول العمل السياسي من خلال الانضمام إلى حركة " خوداي خدمتكار" أو حركة خدمة الرب، التي كان والده قد أطلقها في العشرينات لتحرير الهند.

قبل تقسيم الهند في عام 1947 ، كان عبدالولي خان احد نشطاء و رموز حزب مؤتمر عموم الهند (حزب المؤتمر لاحقا)، لكنه بعد أن صار التقسيم واقعا و دولة باكستان حقيقة قائمة بدا ميالا إلى التصالح مع المؤسسة السياسية الباكستانية و التزام نهج براغماتي إزاءها، و ذلك بتأثير من عمه خان عبدالجبار. غير أن اغتيال الأخير أمام ناظريه في عام 1958 كان له تأثير معاكس، تجسد في رفعه لواء المعارضة لتلك المؤسسة و رموزها منذ ذلك الحين. و حينما وقع انقلاب الماريشال محمد أيوب خان العسكري في العام ذاته اعتقل ضمن من تم اعتقالهم من ساسة مدنيين و حوكم، بل حرم من كافة حقوقه السياسية.

و لم تكن هذه هي المرة الأولى الذي يقتاد فيها الرجل إلى المعتقلات. إذ دخلها أولا في عام 1943 لدوره النشط ضمن حركة "خوداي خدمتكار"، و ثانيا في عام 1948 بتهمة معارضة التقسيم وقيام باكستان، حيث زجت السلطات الباكستانية به في السجن حتى عام 1954. و بعد انتهاء فترة اعتقاله الثالثة على يد نظام أيوب خان بوقت قصير أعادته حكومة يحي خان العسكرية المتعجرفة إلى السجن مجددا. أما آخر مرة دخل فيها المعتقل فكانت في أوائل عهد رئيس الوزاء المدني الأسبق ذوالفقار بوتو في السبعينات.

ولئن اتصف تاريخ علاقات خان برموز المؤسستين السياسية و العسكرية الباكستانية بالكثير من العواصف، فان أشدها كان مع نظام بوتو الذي اتهمه الرجل بمحاولة التخلص منه غيلة، و اعتاد على انتقاد سياساته، بل أطلق عليه اسم "أدولف بوتو" كناية عن ممارسته لسياسات فاشية شبيهة بسياسات الزعيم النازي "أدولف هتلر". و تمثل رد فعل بوتو باتهام خان بالوقوف شخصيا وراء مقتل أحد أهم حلفائه السياسيين في إقليم الحدود الشمالية الغربية في حادثة تفجير، و بالتالي اعتقاله و محاكمته و إطلاق حملة شرسة ضد أفراد عائلته و رفاقه الحزبيين.

هذه العلاقة المتوترة جعلت خان لا يتعاطف كثيرا مع بوتو حينما اعتقل الأخير و صدر الحكم بإعدامه. وقد تجسد هذا في تصريحه لهيئة الإذاعة البريطانية وقتذاك و الذي قال فيه "هناك قبر واحد ينتظر رجلين (في إشارة إلى بوتو و خلفه العسكري الجنرال ضياء الحق) ولنر من سيدفن أولا".

ويتحدث خان في كتابه"الحقائق المحرمة" عن مرارة هذه الفترة قائلا أنه حزين فقط على الأوقات الطويلة التي ضاعت في المعتقل دون أن يتمكن من استغلالها في شيء نافع كالقراءة أو الكتابة لأن نظام بوتو منع عنه حتى القلم و الورق، دعك من الكتب.

انتقد خان على نطاق واسع في باكستان لمواقفه الجريئة من بعض القضايا الحساسة، فاتهم من قبل المؤسسة الحاكمة و إعلامها بالارتباط بالقوى المعادية للبلاد و بالعمالة للأجنبي تارة، وبمحاولة فصل المناطق البشتونية عن بقية باكستان و التحريض على العصيان والتخريب تارة أخرى، بل ألصقت به تهمة الشيوعية أيضا. و لعل التهمة الأخيرة هي التي خلقت شكوكا ضده لدى قادة البلوش المحافظين و تسببت في انهيار ما كان قائما من علاقات و روابط بينه و بين زعيمهم المشهور "غوست بيزينجو" في أواخر السبعينات.


والحقيقة أن خان لم يكن قط شيوعيا أو حتى يساريا، بل كان في توجهاته اقرب إلى العلماني ذي التوجهات القومية. كما كان مدافعا عن الاقتصاد الحر، بدليل وقوفه مع رفاقه الحزبيين إلى جانب رجال الأعمال ضد السياسات الاشتراكية و التوجهات اليسارية التي عرف بها حزب الشعب الباكستاني تحت قيادة بوتو. أما تهمة الارتباط بأعداء باكستان، فقد راجت فقط بسبب تواصل خان و أفراد عائلته مع قادة حزب المؤتمر في الهند كنتيجة للعلاقات التاريخية القديمة بين والده والرعيل الأول من ساسة الهند كغاندي و نهرو، و ترسخت مع تبنيه لرؤى اقرب إلى مواقف نيودلهي من الصراع الهندي – الباكستاني حول كشمير و غيرها.

و يورد "إقبال آخوند" الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي زمن زعامة بي نظير بوتو الأولى في أواخر الثمانينات في كتابه "المحاكمة و الخطأ" أجزاء من كلمة ألقاها خان في البرلمان الباكستاني و لخص فيه مواقفه. في هذا الخطاب قال خان أن باكستان فقدت كشمير بسب أخطائها السياسية المتكررة، مذكرا بإصرار محمد علي جناح على الاحتكام إلى رأي حكام الولايات و ليس شعوبها فيما يتعلق بخيار الانضمام إلى الكيان المسلم الوليد أو البقاء تحت سيادة الهند، و برفضه صيغة يقال أن الهند طرحتها مبكرا و مفادها " أعطونا حيدر آباد و نعطيكم كشمير". كما عارض الرجل في الخطاب نفسه مطالبة باكستان بإشراك طرف دولي ثالث في محاولات إيجاد حل لقضية كشمير، مذكرا بان بلاده وافقت و صدقت على اتفاقية سيملا لعام 1971 و التي تحصر المفاوضات في الطرفين الهندي و الباكستاني فقط، أي كما دأب الهنود على ترديده.

بعد إطلاق سراحه في عام 1977 انضم خان إلى الحزب الديمقراطي الوطني الذي كان يضم الكثيرين من رفاقه القدامي في حزب عوامي الوطني المحظور الذي تزعمه قبل اعتقاله و فاز باسمه في انتخابات عام 1970 كعضو في البرلمان الاتحادي و في المجلس التشريعي للإقليم الحدودي. لكنه رفض دعوات لترؤس الحزب، و في الوقت نفسه رفض عروضا من الجنرال ضياء الحق بالمشاركة في حكومته، على خلاف ما قام به آخرون من حلفائه.

في نهاية الثمانينات ادمج خان و آخرون أحزابهم لتشكيل حزب عوامي الوطني مجددا، و دخل الأخير تحت قيادة خان انتخابات 1988 البرلمانية العامة بالتحالف مع ابنة خصمه القديم بي نظير بوتو و حزبها. كما شكل الطرفان حكومة ائتلافية محلية في الإقليم الحدودي، سرعان ما انهارت على خلفية التنافس على القيادة و الحصص الوزارية.

و في آخر مؤتمر صحفي عقده خان قبل رحلته الطويلة مع المرض اثبت الرجل مرة أخرى انه متمسك بصورته العلمانية و لا يرضى عنها بديلا وان تأثرت شعبيته، و ذلك حينما تجاهل عواطف شعبه البشتوني المؤيدة لنظام طالبان الأفغاني و ذكر صراحة انه لولا الضربة الأمريكية لنظام طالبان في أكتوبر 2001 ، لصارت أفغانستان و معها المناطق البشتونية من باكستان مستعمرة عربية يتزعمها أسامة بن لادن و جيشه المكون من 16000 عنصر.

د. عبدالله المدني
باحث و محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 5 فبراير 2006
البريد الالكتروني: [email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية حرب غزة وإسرائيل: هل الإعلام محايد أم منحاز؟| الأخبار


.. جلال يخيف ماريانا بعد ا?ن خسرت التحدي ????




.. هل انتهت الحقبة -الماكرونية- في فرنسا؟ • فرانس 24 / FRANCE 2


.. ما ردود الفعل في ألمانيا على نتائج الجولة الأولى من الانتخاب




.. ضجة في إسرائيل بعد إطلاق سراح مدير مستشفى الشفاء بغزة.. لماذ