الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة الرماد اضطراب النص بين السيرة الجماعية والإيديولوجية الأحادية

آزاد أحمد علي

2006 / 2 / 6
أوراق كتبت في وعن السجن


هذا النص يعالج تفاصيل الحياة اليومية لمجموعة من السجناء السياسيين في سجون المغرب, وتتم هذه المعالجة في صيغة قريبة جداً من التدوين التاريخي المباشر وبعيدة عن آليات وتقنيات السرد وحرارة البنى الدرامية. ويبدو أن مكان الحدث هو سجن الغربية. حيث تنقل لنا الكاتبة خديجة مروازي لقطات حية من معاناة السجناء والسجينات وتحزم هذه اللقطات لتعيد صنع عالم السجون العربية المعروف تماما حياتياً وروائياً. وهذا النص يصعب تلخيصه ليس لأنه مجتزأ ويتضمن الكثير من الإستطالات فحسب، وإنما وبشكل أساسي لغياب بناء روائي واضح المعالم والقوام. فالحدث غائب إلا إذا اعتبرنا ثنائية الاعتقال ـ السجن حدثاً! فلا يوجد على طول المسار الزمني للرواية حدث مركزي استقطابي أو محوري لمجمل الفعاليات داخل الرواية. ولسوء حظ الرواية أنها اتسمت بالخمول منذ البداية نظراً لتكرار الموضوع واستنساخه روائياً على الصعيد العربي والعالمي. ومع ذلك لا بد من الإشارة الى أن النص برمته هو تدوين لعملية دخول مجموعة من السياسيين اليساريين العرب الى السجن في المغرب في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات. وإضافة إلى الكشف عن معاناتهم الأساسية في السجن, فإن الكاتبة تلاحق تداعيات وانعكاسات عملية الاعتقال على مجمل جوانب حياتهم مجموعاً وأفراداً. وبالتوازي مع محنة السجين يتراجع العمل السياسي والحزبي في الخارج ويتعرض اليسار كما في باقي أقطار العالم العربي لانقسامات وخلافات تكون مقدمة لإخفاقات كبيرة على الصعيدين الشخصي والوطني لهذه الحالة أو تلك. وكذلك تحاول هذه الرواية أن تؤرخ الى حد ما لانهيارات النظم العقائدية والحزبية في العالم وخصوصاً منظومة اليسار الاشتراكي والشيوعي. وهذا أقل من القليل للتعريف بنص يصل الى حوالي مائتي صفحة. ولكن في الواقع لا يمكن التطرق لكل حكايات واستطرادات واستطالات النص المشبع بالخطاب السياسي هذا الخطاب العائم والمباشر والمفصول عن سياقه الدرامي في كثير من الحالات. كما يستشف من النص أن الكاتبة قد كتبت باسم الجميع وتحدثت نيابة عن "كل الرفاق" وقامت بعملية إفراغ كامل شحنة الغضب لدى كافة السجناء وبالتالي صادرت اغلب الشخصيات فظلت مجرد شخوص وتسميات لكل واحد منها حكاية ومعاناة تلتقي جميعاً لتشكل سيرة للمجموع. وكأن الكاتبة تود أن تجعل من النص نقطة التقاء للسيرة الذاتية لهذه المجموعة، وكذلك ساحة لنقد الخطاب السياسي اليساري في المغرب بلغة مباشرة مع كل ما تتضمنه وتتطلبه هذا التقاطع من استطرادات حول الحياة الاجتماعية والعاطفية والجنسية لكل شخص، على الرغم من تشابه قصصهم ومعاناتهم وملامحهم وأحياناً أسمائهم وفي النهاية تشكل الرواية ـ النص سيرة جماعية ترصد الاخفاقات الشخصية والإخفاق الجماعي لليسار المغربي. وربما تأتي هذه السيرة الجماعية المشتركة تعويضاً عن التشرذم الواقعي الذي وقع بين الرفاق وتأكيداً على المصير الحزبي والسياسي المشترك, وقد لجأت الكاتبة لتوحيد أعضاء التنظيم السياسي روائياً.
وبعد قراءة هذه السيرة الجماعية المتشابكة داخل السجن السياسي وخارجه قد يخرج القارئ بانطباع ومؤشر على أن أدب السجون وروايات السجن السياسي في البلاد العربية قد استنزفت الواقع نفسه. ويمكن إحالة عملية الاستنزاف هذه الى العدد الكبير للأدباء الذين دخلوا السجن, وبالرغم من تنوع واختلاف تجربة كل كاتب وواقعه الى أن هذه الروايات الكثيرة لا تتمكن من إبراز هذا الاختلاف والتقاط التمايز وتضخيمه وإعادة تنويعه وصياغته فنياً, لتأمين المعادل الفني لواقع هذه الرواية أو تلك. فلا يكفي أن يكون الحيوان الذي يضايق السجين في هذه الرواية فأراً وليس صرصوراً لتحقق: معادلة النص المتميز.
كما أن إنسانية الموضوع وصدق الفكرة والمحتوى الأخلاقي لم يكن كافياً يوماً ما لإنتاج نص متميز بل على العكس يبدو أن فنية النص وجماليته هي التي كانت دوماً محرضاً لتوليد الأفكار الأكثر إنسانية وجمالية.
ــــــــــ
سيرة الرماد ـ رواية
خديجة مروازي
أفرقيا الشرق ـ 2000
عدد الصفحات 198








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غرق عشرات المهاجرين بعد تحطم سفينتين قبالة إيطاليا


.. Good news from Thailand ?? ?? ?? ?? ?? ??




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في القدس للمطالبة بانتخابات جديدة


.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يشارك في احتجاجات أمام




.. الأمم المتحدة: عدد الضحايا المدنيين بسبب الصراعات العالمية ا