الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية الوطنية بين الدين و القومية

سامر عساف

2017 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


.لا يمكن النظر إلى نشوء الدولة الاسلامية "داعش" و"أخواتها" من الحركات الدينية وجملة الصراعات العرقية والأهلية التي تجتاح المنطقة العربية, باعتبارها محصّلة صراع سياسي, طبقي, أو بسبب تقاطع سياسات محاور إقليمية و دولية و تضارب مصالحها فقط, بل لابدّ من مقاربة الهويّة السيسولوجية لشعب المنطقة وخلفيّتها السيكولوجية وجملة العوامل المجتمعية التي تنزع بالمسلم مثلاً إلى الانضمام الى الحركات الجهادية بشكل عام. فالهويّة السيسولوجية هي جزء مهمّ من الهويّة الفرديّة وليس العكس ,طبعا على البعد السيكولوجي. فلا يمكن مقاربة هوية مجموعة إلّا بمقاربة هوية أفرادها أوّلاً, ومن ثم العلائق بين وحداتها, التي هي أشخاصها, وهذا لا يتعارض ابداً مع مبدأ, أن الكلّ أكثر من مجموع الوحدات المكوّنة له. هنا لابدّ من التفريق بين الارتباطات السيسولوجية, كحاجات نفسية وارتباطات عاطفيه, وعلاقة الأفراد بالدولة أو النظام السّياسي و الاقتصادي, الذي يحكم هذه العلاقات. في هذه النقطة بالتحّديد يظهر الخلاف بين القومية والمواطنة مثلاً. عندما تكون علاقة الشخص بالوطن عاطفية كالعلاقة الأثنية فان هذه العلاقة تتجاوز الصيغة النفعية وتتعدّاها الى حاجات شعوّرية ونفسيّة ترتبط بالهويّة الفرديّة, أو على الأقل في القسم المجتمعي منها, بينما تبقى العلاقات النفعية في مجتمع المواطنة أساساً للقانون الذي يضع محدّدات هذه العلائق وهذا يكون بدوره ضامناً اساسيّاً ومهماً للعدالة الاجتماعية.
بدايةً, تُعتبر الهويّة السيسولوجية في ظلّ الأزمات وفي المجتمعات "اللاصناعية" حاجة وضرورة لأفراد هذه المجتمعات , فجذورها تغوص عرقيّاً, قبليًّاّ ودينيّاً, كما أنّها حاجة وردّ على المعطيات الراهنة التي تهدّد الهوية الفردية, كما تنبع أهمّيتها من ضرورة التجمّع و التعاون لمقارعة الأخطار و الصعوبات المرحلية " الشاذّة".
عاشت المنطقة حتىّ رحيل الاحتلال العثماني هوية سيسولوجية إسلامية, فهذه الهوية تجذّرت في حكم الإسلام و الخلافة. وعلى الرغم من التنوّع الاثني وعلى الرغم من الحركات الثقافية المناهضة لفكر الأمة الإسلامية, والتي ظهرت بشكل اساسي في نهاية الخلافة الأموية وتطورت في عهد الخلافة العباسية كالحركات الشعوبية مثلاً, بقيت الهوية الإسلامية هوية سيسولوجية مفروضة متجاهلة البعد القومي, وقد قاد مفكرون غير عرب حركة الفكر في الدولة الإسلامية آنذاك امثال سيبوية الفارسي و الملقب ب (إمام النحاة) , الفارابي, الرازي, ابن حيان, ابن سينا وغيرهم, كما قاتل صلاح الدين الكردي باسم الأمة الاسلامية ضد الصليبين وألحق بهم الهزيمة.
لم تكن هذه الهوية السيسولوجية جامعة, متجانسة دائماً, بل ظهرت حركات مناهضة للهوية الإسلامية, كما تراها الخلافة العباسية, كالدولة الفاطمية التي قضا عليها صلاح الدين الأيوبي أو أخرى مناهضة للهوية العربية, كالحركات الشعوبية مثلاً, و بقيت أزمة الهوية قائمة و تعمّقت في ظل الحكم العثماني للبلاد العربية وقد فرض العثمانيون (المسلمين) الجزية على (النصارى) أثناء فترة حكمهم للبلاد العربية, مع ان المنطقة في أغلبها كانت تدين بالمسيحية قبل مجيء الإسلام, و هكذا اعتبروا مواطنين من درجة أخرى من تلك التي يتمتع بها المسلمون.
بعد رحيل العثمانيين و تقسيم المنطقة بين الكولونيات الاوربية, تأثرت حركة الفكر العربي بالحركات الغربية القومية و النظريات الاجتماعية الأخرى و تطوّرت الحاجة في ظل هذا التراكم و التهجين الثقافي إلى ضرورة إيجاد هويات اجتماعية جديدة و بخاصة بسبب التنوع العرقي و الديني في المنطقة, حيث أن الهوية الإسلامية التي كانت سائدة, و بشكل خاص في ظل الحكم العثماني, كانت هوية الغائية لم تراعِ التنوع الاثني للمجتمع العربي..
فإذا تمعنّا في الخلفية الاثنية لروّاد الفكر القومي العربي مثلاً, فإننا نرى قسماً لابأس به من الأقليات الدينية, وبالتالي كان للأقليات الأثنية الدينية دوراً مهمّاً في تطوير الحركة القومية على اعتبارها وعاءً اجتماعياً يتجاوز الحدود الدينية التي رسمتها الهوية الإسلامية, فكانوا من السّباقين لحمل الفكر القومي و نشره, لذلك لم يكن صدفة, ان يصدر اول كتاب يحمل اسم "القومية العربية" عن مفكر ذو أصول مسيحية وهو نجيب عازوري. كما أسس بطرس البستاني و ناصيف اليازجي, المسيحين, الجمعية السورية, القومية التوجّه في دمشق عام 1847. لم يختلف الأمر كثيراً بالنسبة لحزب البعث ذو التوجه القومي فنرى انّ مؤسسيه وروّاده كا الارسوزي, ميشيل عفلق و صلاح جديد هم من أبناء الأقليات االدينية, ولن يختلف الأمر لاحقاً, فقد تلقّف أبناء الأقليات الدينية الحركات الفكرية المجددة كالشيوعية مثلاً.
اذاً انخرطت الأقليات الاثنية في الرؤى والمشاريع الوطنية, التي تبتعد عن الإطار الإسلامي المجتمعي و لا نعزو ذلك الى الطبيعية الغير محافظة لثقافة الأقليات الاثنية بالضرورة, بل الى الميل إلى خلق هويّة مجتمعيّة جامعة, تتجاوز الحدود الاثنية التقليدية وكنوع من الحنين إلى هوية مجتمعية عادلة.
لم تنجح الفكرة القومية في التصدي لمعضلة الهويّة فهي من ناحية اصطدمت بالهوية الإسلامية التقليدية ورواد الحركة السلفية التي ازدهرت في القرن العشرين بسبب الرخاء الاقتصادي (لدول النفط) التي تبنّت الفكر الإسلامي السلفي, فالشيخ ابن باز(1910ـ 1999), الذي شغل منصب مفتي المملكة السعودية ورَأسَ المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ورئاسة المجمع الفقهي الإسلامي يقول؛
".....وإلا فمن خبر أحوال القوميين، وتدبر مقالاتهم وأخلاقهم وأعمالهم، عرف أن غرض الكثيرين منهم من الدعوة إلى القومية، أمور أخرى يعرفها من له أدنى بصيرة بالواقع وأحوال المجتمع، ومن تلك الأمور، فصل الدين عن الدولة، وإقصاء أحكام الإسلام عن المجتمع، والاعتياض عنها بقوانين وضعية ملفقة من قوانين شتى، وإطلاق الحرية للنزعات الجنسية والمذاهب الهدامة - لا بلغهم الله مناهم".
لا يبتعد السيد قطب, مؤسس أهم الحركات الاسلامية وأهم المنظرين السلفيين في القرن العشرين عن موقف ابن باز فهو يقول "إن القومية العربية هي دعوة من دعوات التآمر على الإسلام..."

كما ظهر هذا الصراع بشكل جلي في الحرب المصرية السعودية في اليمن, في اوائل سبعينات القرن الماضي (1962 ـ 1970), فبينما دعم الناصر الضباط القوميين هناك, وقفت السعودية على المقلب الآخر.
العامل الآخر, في قصور الهوية القومية عن تلبية الحاجات النفسية لأبناء دول المنطقة, يتعلق بالتنوع القومي لأبناء منطقة شرق المتوسط وشمال افريقيا , فهذه التعاريف دفعت بالأقليات القومية الأخرى كالأمازيغ والأكراد الى اتخاذ موقف دفاعي, فالوعاء الاجتماعي المطروح(القومية), لا يتناسب مع المعطيات الثقافية لهذه الأقليات وهذا ما دفعها ايضا الى التقوقع في المجموعة القومية وزيادة نزعتها لدى أفرادها.
بناءاً على ما تقدم, فإننا نعتقد, بأنّ كلّا من النظريتين اثبتتا فشلهما أو عجزهما في خلق هوية سيسولوجية جامعة لأبناء المنطقة, بل اسّستا في مراحل تاريخية لحروب واسبابٌ للقتل. من هنا تبرز الحّاجة الى مقاربة الهوية المجتمعية و اجتراح صيغ و حلول مستدامة لهوية مجتمعية لا عربية و لا اسلامية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الهوية المجتمعية نتاج الهوية الفردية
Zorba ( 2017 / 7 / 26 - 15:41 )
شكراً جزيلاً للمقال, من الجلي أن الكاتب قد بذل جهداً كبيراً لتمحيص الموضوع.
لقد فشلت كلاً من الهوية الإسلامية و الهوية القومية في إيجاد وعاء جامع لشعوب المنطقة, يؤمن الاعتراف و التقدير بكل فئاتها.
في كعب المقال جاءت عبارة -من هنا تبرز الحاجة إللا مقاربة الهوية المجتمعية و اجتراح -صيغ و حلول مستدامة لهوية مجتمعية لا عربية و لا اسلامية
هل مقاربة الهوية الاجتماعية هدفاً من الأساس, أم هي نتيجة نمو و نضوج المكونات الفردية للجماعة؟
هل يجب علينا البحث عن العوامل المشتركة لمجموعة أفراد لمجرد أنها تشترك أرضاً واحدة؟ أعلينا خلق أو نجر إطار يجمع مكونات المجموعة؟ ألا يجدر العمل على بناء الفرد أولاً الذي بدوره سيجد المجموعة التي ينسجم معها (بعد أن يُينع و يثمر) و يشعر بالانتماء إليها؟

يصنف مفكروا العالم و الفلاسفة أنفسهم في مجموعات تسمو عن البعد الديني أو الجغرافي أو حتى الزمني و يتشارك الشيوعيون مثلاً فلسفة حياة و قيم مع شيوعيين آخرين في مكان أو زمان مغايرين أكثر من مشاركتهم لقيم أبناء محيطهم الجغرافي

أليس الأجدر بنا معالجة الأسباب عوضاً عن معالجة العوارض؟
تحياتي

اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا