الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ثنايا هوامش كتاب -العراق-حنا بطاطو (2-ملحق)

خسرو حميد عثمان
كاتب

(Khasrow Hamid Othman)

2017 / 7 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ملحق المقال السابق
العراق-الكتاب الثاني؛ الحزب الشيوعي
تأليف حنا بطاطو، ترجمة عفيف الرزاز
نص الفصل الحادي والعشرون(بدون الجداول والهوامش):
تطرف أكثر وأكثر وعقلانية أقل وأقل
منذ أيام تشرين الثاني(نوفمبر) ولبضع سنوات لاحقة-باستثناء فترة قصيرة فاصلة- سار الشيوعيون العراقيون في خط متزايد التشدّد. وكانوا يسيرون في هذا- وإلى حدّ ما- على خُطى الأحزاب الشيوعية في الخارج، ولكنهم ذهبوا أحياناً إلى أبعد من الآخرين في هذا الخط. ولم يتناسب تطرف خطِّهم مع العلاقات الفعلية المتبادلة للقوى، ولا هو لبّى احتياجات تلك المرحلة، مما عاد عليهم بالخراب، كما يمكن أن يُتوقَّع.
وكان الشيوعيون قد توجّهوا يساراً-عمليا- منذ عودتهم الفعلية إلى الحياة العراقية في خريف 1951، ولكن هذا التوجّه اكتسب الآن مزيداً من الزخم ووجد لنفسه تعبيراً رسمياً من خلال دستور وطني جديد للحزب.
وعُمِّم الدستور الجديد على الأعضاء في وقت مبكر، يعود إلى كانون الأول (ديسمبر) 1952، وإن كان تبّنيه رسمياً لم يتم إلا فى آذار(مارس) 1953. وغابت عن هذا الدستور، بوضوح، مرونة برنامج 1944 القديم، وتضمن - بشكل خاص - هجراً لمطالبة فهد المعتدلة ب«نظام ديمقراطي فعلاً» ضمن الإطار القائم للمجتمع، واستبدالها بصيغة «جمهورية شعبية ديمقراطية تمثل إرادة العمال والفلاحين والجماهير الشعبية». وكانت هذه هي النقطة الاساسية للدستور. وكانت كذلك النقطة الأكثر تطرفاً والأقل واقعية فيه، ولكنها كانت ـ في الوقت نفسه ـ تكيفاً ضرورياً ايدولوجياً مع الخط الشيوعي الأممي. وكانت هنالك نقاط أخرى أكثر تجاوباً مع المشاعر الشعبية السائدة، وقد شملت «إلغاء المعاهدات الإمبريالية ...والامتيازات الممنوحة للشركات الاستعمارية»، ومصادرة عقارات الاقطاعيين وكبار الملاك وتوزيعها، هي وأراضي «الميري»، في قطع صغيرة على الفلاحين بلا مقابل. وألزم الدستور الحزب كذلك ب«تعاون غير مشروط مع قوى السلام...بقيادة الاتحاد السوفيتي».
وكان نشر مسوّدة الدستور في كانون الأول(ديسمبر) قد أثار نقاشاً حامياً داخل الحزب، وأدى إلى تطور، واكتمال خلافات كانت موجودة في السابق بشكل جنيني. وفي النهاية، تصدعت الصفوف. وفي شباط (فبراير) 1953، طُرد من الحزب، أو انسحب منه، 73 شيوعيا، معظمهم من تنظيمي أربيل والسليمانية، بعد أن عَرَّف هؤلاء انفسهم بأنهم «تلاميذ فهد» أو «الرفاق المكرَّسين لتعاليم فهد»، ولقبتهم اللجنة المركزية ب«المنحرفين اليمينيين» و«عملاء القصر». ولم يمرّ طويل وقت إلا وأصدر هؤلاء صحيفة خاصة بهم هي «راية الشغيلة» وشنوا حملة نقد شنيعة على قيادة الحزب، واتّهموها بالمبالغة في تقدير ثقل «القوى الثورية» وتصغير دور «البرجوازية الليبرالية»، وبمحاولة القفز على «مرحلة التحريرالوطني». وأعلنوا أنه ما من أرضية موضوعية تدعوا الى تغيير استراتيجية الحزب أو تبنّي برنامج جديد. ورداً على الشعار «الطنان والفارغ»ل«الجمهورية الشعبية الديمقراطية» اقترحوا الشعار «المتعلق بالموضوع» والقائل ب «حكومة وطنية وديمقراطية ومحبة للسلام».
وكانت الروح المحركة للجناح الجديد تتجسّد في جمال الحيدري، وهو سليل عائلة كردية معروفة جداً من ملّاك الأراضي في أربيل، وابن أخي عاصم الحيدري، الوزير السابق للأوقاف. وكان جمال الحيدري من الطراز القديم إلى حدِّ ما، إذ انضم للحزب في أواخر 1945، ولكنه كان ينتمي قبل ذلك إلى «وحدة النضال » المناوئة لفهد وإلى «شورش» الانشقاقي. ولأنه ادّعى الآن، وبلا خجل، أنه كان «موضع ثقة الرفيق فهد» فان قيادة الحزب لم تتوان عن سرد هذه المراحل المسيئة للسمعة من سيرته الثورية.
ولم تكن مجموعة الحيدري تشكّل التحدي الوحيد لسلطة القيادة العاملة فى السر، بل كان يمكن وجود ملاحظة وجود منظمة أخرى في هذا الوقت، منبثقة من بقايا حزب الشعب وتتألف أساساً من أعضاء الانتلجنسيا. وكانت هذه المنظمة ناشطة بشكل متقطع منذ حزيران(يونيو) 1949، وسمت نفسها في لحظة ما«لجنة نشر الوعي الماركسي»، ولكنها عملت منذ 1952 وما بعد تحت اسم «حزب الوحدة الشيوعية في العراق»، على الرغم من ميلها إلى أن تكون قوة تمزيقية أكثر من كونها قوة تكاملية. وكان الشخص الذي يمسك بخيوطها الرئيسية هو عبدالرحيم شريف، المحامي العربي السني من عانة، وشقيق عزيز شريف، الزعيم السابق لحزب الشعب. وفي الصحيفة الناطقة بلسانها،«النضال»، ألقت المجموعة ظلالاً من الشك على «شرعية» اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، وطالبت بأن يقوم مؤتمر شيوعي مشكَّلٍ حسب الأصول. بانتخاب قيادة تمثيلية حقاً.
بعد انشقاق الصفوف بقليل وقع حدث لم يكن في الحسبان وأدى في النهاية، وبمحض المصادفة، إلى مبالغة واضحة في التوجه باتجاه التطرف اليساري. وكان الحدث هو وقوع بهاءالدين نوري، سكرتير اللجنة المركزية للحزب، في قبضة الشرطة يوم13نيسان (ابريل)1953. وانتقلت السلطة في الحزب إلى عبدالكريم أحمد الداوود، وهو معلم سابق من أربيل.
وكان الداوود حتماً خارج مكانه عند تسلمه السكرتارية. لم يعرف عن الماركسية اكثر من شذرات قليلة، وكان ما زال متخلفاً، بالمعنى السياسي. وكشفت الأفكار، أو الصياغات بدقة أكبر، التي كان مسؤولاً مباشرة عنها عن رجل مشوش فكرياً. ولم يساعده إسناده في أواخر تموز (يوليو) بسليم الچلبي - وهو موظف بريد سابق من عائلة شيعية بارزة من التجار في الكاظمية، وكان شيوعياً من أيام فهد هرب من السجن في ذلك الشهر نفسه- إلا قليلاً، لأن الچلبي كان من قماشة الداوود نفسها تقريباً، سواء في فهمه للنظرية أم في ممارسته لصنعة الثورة.
وكان صعود الداوود قد جاء، بوضوح، نتيجة الدعم القوي الذي تلقّاه من حميد عثمان، وهو كاتب عرائض سابق من بئر داوود ـ قرية في محافظة أربيل ـ وشيوعي مخضرم له مؤيدون كثيرون داخل الفرع الكردي وبين المتطرفين في السجن، وكان زعيماً لتنظيم الحزب في سجن الكوت. وصارت لعثمان الآن - نتيجة لذلك - كلمة نافذة في الحزب بقدر ما كانت تسمح به الاتصالات بين السجن والعمل السري. وظهر كذلك أنه نادراً ماكانت للسكرتارية الجديدة أية إرادة إلا وكانت رجع صدى لإرادته. وعلى كل حال، فان الأفكار التي روجتها هذه السكرتارية، مثل «ثورة الشعب» و «استيلاء البروليتاريا على السلطة» ك«مهمة آنية....» إنما تُفصح عن التطرف المبالِغ الذي كان عُرف عن عثمان.
وعلى العموم، ففي أواخر صيف 1953 أو أوائل خريفه، ومع ظهور ليونة في الخط اليساري للأحزاب الشيوعية في البلدان المجاورة، نجحت مجموعة معتدلة داخل الحزب يقودها حسين أحمد الراضي، المعلم النجفي السابق والسكرتير الأول للحزب في المستقبل، في إقناع اللجنة المركزية بالتخفيف من تصلبها وحماستها، كما سيُستَدلْ من الاحداث اللاحقة، وفي 2أيلول(سبتمبر) صدرت تعليمات جديدة تطلب من الحزب تكريس جهوده في الوضع الراهن للإتيان ب«حكومة وطنية ديمقراطية تخدم السلام وتحقق مطالب الشعب». ونظراً لاختلاف الآراء ولغياب الوعي السياسي الكافي فإن هذا التغيير في الاتجاه لم يصل إلى تنفيذه العملي حتى أيار (مايو)1954. واكثر من هذا، فلم يكد يمرّ شهر واحد - وفي 16 حزيران (يونيو) تحديداً- إلا وكان حميد عثمان قد هرب من السجن، وتسلم القيادة، واتَّهم حسين احمد الراضي ب«الانحراف اليميني» وأخرجه من اللجنة المركزية، وأعاد الحزب في النهاية إلى طريق التطرف اليساري.
ولا شك أن عثمان كان أكثر تألقاً من سلفه الداوود، ولكنه كان كذلك أكثر تهّوراً. وعلى كل حال، فإنّه لم يكن أكثر منه ملائمة للدور الأول في الحزب بكثير. وكان يُظهر، في كل ما يفعل أو يقول، حماسة كبيرة وحكمة ضئيلة. والأهم من هذا هو أن الأهداف التي ألزم نفسه بها كانت أبعد ما تكون عن امكانية تنفيذه، ولا تتفق على الاطلاق مع الوسيلة المتوفرة أو حتى مع سياسة الاحزاب الشيوعية العربية الاخرى. وكان خطَّ سيره يوضع موضع النقاش في مكان أخر، وفي إطاره الموضوعي، وقد تجدر الإشارة هنا، باختصار، إلى أنه ورّط الحزب الشيوعي ، تكراراً، في مواجهات مكلفة ولا معنى لها مع الشرطة. وفي إحدى المناسبات - في أيلول(سبتمبر) 1954- رفع شعار «الإضراب السياسي العام»، وفي مناسبة أخرى -في كانون الثاني (يناير)1955- رفع شعار «الكفاح المسلح». وضغط عثمان كذلك باتجاه «جيش شعبي ثوري» وباتجاه تغطية الريف ب«القلاع الثورية». وما من شك في أنه كان واقعا خلال هذه الفترة تحت أفكار ماوتسي. -تونغ. وكان، هو نفسه، قد شدد أكثر من مرة على أهمية تجربة الشيوعيين الصينيين.
ولم يقف كل أعضاء اللجنة المركزية بثبات إلى جانب عثمان، ولم يتردد بعضهم في اتهامه بتبديد قوى الحزب واحباط أهدافه الحقيقية. ولكن عثمان تابع السير في طريقه الذي اختطه لنفسه حتى حزيران (يونيو)1955، عندما اصبح هذا الخط تافهاً ولا جدوى منه، كما ظهر ذلك واضحاً للجميع، فأزيح فجأة من موقعه.
تحدثنا في هذا الفصل عن سياسة التطرف التي اتبعها الشيوعيون بلا هوادة ضد الحقائق اليومية القائمة، ولا بد الآن من عرض هذه الحقائق لإبراز كم كانت هذه السياسة غير ملائمة، وخصوصاً فيما يتعلق بالضرورة بمضمون العلاقات بين الشيوعيين وأحزاب المعارضة الأخرى، وكيف كانت الهزيمة -بالتالي -هي النتيجة المنطقية التي لا مهرب منها لهذه السياسة.








وووووو








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا