الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في النقاش حول رسام الكاريكاتير الدانماركي: العقم المطلق لحرية التعبير

نائل الطوخي

2006 / 2 / 6
الادب والفن


قرأت باهتمام مقال الكاتب والسينمائي العراقي الجميل حسن بلاسم بعنوان "رسام الكاريكاتور الدانماركي". أثار المقال تأملي بثراءه, و ارتأيت الرد على بعد النقاط.
في البدء, ها هو رابط المقال المنشور في موقع كيكا.
http://www.kikah.com/indexarabic.asp?fname=kikaharabiclivek22006-01-18235.txt&storytitle=

ثم, دعنا نبدأ من البداية, التي تصبح في المقال غير ذات معنى, و هي البداية التي أثارت هذا الغضب في العالم الإسلامي, وهي حقيقة رسم نبي المسلمين في صورة مهينة كتلك, إرهابيا يمسك قنبلة يدوية, هذه هي البداية الحقيقية, غير أن كاتبنا الجميل لا يجعلها كذلك, إذ أنه يمحور الحديث بسرعة عن حرية التعبير فيقول: "حقيقة هذه المشكلة ليست في (الدانماركي الرسام) الذي عاش حياته في بيئة تسمح له بالتعبير مثلما يشتهي. المشكلة تكمن عندنا.". هكذا تتأخر بداية المشكلة الحقيقية في الزمن قليلا, فيجعلها مقال حسن بلاسم لا من حيث رسم الكاريكاتيري هذه الصورة و إنما من حيث طالب العرب بمنعها, و يبرر ذلك أيضا بحرية التعبير, مما يسوغ له تأخير المشكلة بقوله: "الذي عاش حياته في بيئة تسمح له بالتعبير مثلما يشتهي". هذه الحركة المزدوجة, من التأخير و التبرير, ستكون أساسا يُبنى عليه المقال الذي لا أعتقد أنه جاء جذريا بما فيه الكفاية.
منذ فترة طويلة و أنا اعتقد أن النقاش حول حرية التعبير, على أهميته, أو بسبب بديهيته, هو نقاش مسدود, لا يؤدي إلى شيء مطلقا, إلا إلى الخرس المطبق بالأحرى. و لنأخذ مثالا على هذا: رسام كاريكاتير يرسم صورة كاريكاتورية عنصرية ضد نبي المسلمين, حرية تعبير, واحد صفر, مسلمون يزعقون ضد الصورة و يتحدثون بشكل عنصري عن الغرب, حرية تعبير, واحد واحد, عرب يدافعون عن رسام الكاريكاتير, اثنان واحد, عرب يدافعون عمن يهاجمون رسام الكاريكاتير, اثنان اثنان, و هكذا دواليك. أي للإيضاح: الموضوع كله لم يخرج عن حدود حرية التعبير, التي بالتأكيد لا يقصرها حسن بلاسم على رسام الكاريكاتير و بالتأكيد يؤمن بها كحق لكل الناس, بمن فيهم السعوديون الوهابيون المتطرفون, فحتى التطرف, و حتى التحريض, هما حرية تعبير, و هي المشكلة التي تحاول السلطة دوما إغفالها في ظل هاجسها الأمني لا الثقافي, أيا ما يكون اسم السلطة, سلطة احتلال أو سلطة ديكتاتورية أو سلطة شركات كبرى أو فاشية (إسلامية, مسيحية, عربية, غربية أو هندوسية, أي فاشية و السلام). لذا بالتحديد لا يؤدي النقاش حول حرية التعبير إلا إلى الصمت, أي: لا يمكنك أن تؤيد طرفا ضد آخر ما لم يحمل سلاحا, و لا حتى ذلك الداعي إلى حمله, مهما كان مبرره, قتلا أو دفاعا أو حربا شريفة أو غير شريفة, هذا أبرز مساوئ النقاش حول حرية التعبير في موضوع كهذا. و لأجل منع سوء الفهم: هنا لا أؤيد حرية التعبير و لا أهاجمها, و لا أتحدث عنها أصلا. أنا فقط أتحدث عن جدوى النقاش حولها في موضوع كهذا, و تجنب الدخول في رؤية نقدية لا مع رسام الكاريكاتير و لا مع من طالبوا بالمقاطعة. بالمناسبة, ذكرني هذا بمسرحية عرضت في كنيسة مصرية منذ أشهر قالوا أنها تطعن في الإسلام. ثار المسلمون عليها, و استخدموا سلاحا كذلك بالمناسبة, و تناسوا مئات المقالات و الكتب التي تطعن في المسيحية عندنا في مصر, ما علينا. بالتأكيد يمكننا و يجب علينا أن ندعو إلى حرية التعبير في هذا الموضوع, كل طرف من حقه أن يقول كل شيء. ولكن يجب كذلك الدخول في نقد مع الاثنين, مع من يهاجمون ربنا و مخلصنا يسوع و الصليبيين المنحرفين و مع من يهاجمون النبي العربي الجاهل و أتباعه الإرهابيين. هذا نقاش جذري تماما, و واجب أيضا, أن نبين عدم مركزية الدين في أي شيء, حتى لو تم تصوره مركزيا, عدم مركزية "محمد" في خلق "الإرهاب" "العربي", و عدم مركزية "الإنجيل المحرف" في خلق "الانحلال" "الغربي".
ليس هذا هو كل شيء, فبشكل ما أو بآخر, و في طريق مقابل تماما, ينتهج حسن بلاسم, و هو الكاتب الرائع, رؤية كلية, لا ترى التفاصيل و لا الاختلافات. هو يقرر أن كلنا: "سننتظر قرونا أخرى لرسم الكعبات المقدسة بأنفسنا في كاريكاتور: كعبة اللغة وكعبة التاريخ وكعبة السلطة وكعبة الاحاسيس وكعبة العائلة، وكعبة محمد العربي التي يجر كل واحد طرفا من كسوتها كدليل قاطع على شرعية فتاوى قتلنا ."
كلمة قتل"نا" هي ما أريد النظر فيه, هذه النا, ضمير الجمع, الشائعة لهذه الدرجة, و التي لا أعرف أي مجموعة من البشر تخصهم, و لكن لأفترض أنها تخص العرب أو المسلمين. و سأسعد كثيرا لو صحح لي بلاسم هذا الافتراض. هنا, في هذه الجملة, يكون كل عربي مفتيا بالقتل, كما يكون كل عربي ابنا افتراضيا لمحمد, هذا الأب للتاريخ الذي لم يكن تاريخ قبله. أي أن العبارة تستجيب ببساطة للرواية المعتمدة عن التاريخ العربي, بوصفه تاريخا واحدا, بدأ من ظهور محمد و استمر بتقديسه و تناسل في فتاوى القتل, أو تناسل في الدخول للجنة, على حسب توجه من يصيغ هذا التاريخ, و الذي هو تاريخ واحد في الحالين, متماسك, لا يأتيه الارتباك من بين يديه و لا من خلفه و لا تدخله الاختلافات, فالعرب هم المسلمون هم الإرهابيون أو هم المجاهدون. بشكل ما, و على نحو طريف و مفارق, فهذه الرؤية, التي تقبض على ملمح واحد صلب و متماسك لتاريخ واحد, هي النقيض من الرؤية الأولى التي تناولناها هنا, هي النقيض من الرؤية الخرساء التي لا تقول شيئا بخصوص حرية التعبير, هي هنا تقول كل شيء, و لكن تقوله إلى درجة الفاشية للأسف, فكما هو معروف, إن النقاش حول أي جماعة بشرية بوصفها جماعة ذات صفات محددة, واحدة و يمكن الحديث عنها, أي أن أي نقاش حول هوية ما, سواء كانت مستهجنة أو مقدسة, هو الخطوة الأولى من إدانة جماعة بشرية بالكامل أو تأليهها بالكامل, أي انه الخطوة الأولى من العنصرية, و التي هي نقيض الليبرالية التي تعتمد "حرية التعبير" كمبدأ أساسي لها. لا يسلم أحد في مقال كاتبنا حسن بلاسم من الإدانة, حتى هو شخصيا, الذي يهاجم الهجوم ضد رسام الكاريكاتير. فبصفته يحمل الجينات العربية, يصبح قدرا عليه أن يحمل طرفا من كعبة محمد. لا كلام هنا عن حرية الإرادة و الاختيار و حق تقرير مصير الفرد بيديه, هنا القدر الزاعق الذي لا مفر منه. هذا شبيه للغاية بمن يتحدث عن أن كل يهودي مراب بالضرورة أو أن كل مسيحي صليبي بالضرورة, و أقولها حزينا – فأنا متيم بنصوص حسن بلاسم الإبداعية – أن هذا يسمح بحديث آخر, حديث زولوجي, أي أنه مستعار من قاموس حديقة الحيوان, هو ذاك الحديث الوارد في عمق المقال عن "الماعز الإسلاموي, نعيق الغربان", و الذي هو وجه آخر للحديث عن "أبناء القردة و الخنازير" من اليهود. يتم في الحالين إنزال من نختلف معهم درجة أسفل الدرجة الإنسانية, إبعادهم عن طريقنا و الذي هو طريق البشر. يصبحون غير آهلين لحوارنا و لا لتعاملنا, لا تصبح هناك إلا الإدانة المطلقة لذلك الذي هو ماعز إسلاموي أو يهودي ابن للقردة و الخنازير. نعلم جميعا أنه ليس للقوالب وطن و لا دين, و بشكل عام, ليس لأي شيء وطن و لا دين.
في النهاية أقول أن ثمة فكرة هامة للغاية أثارتها المقالة: الحديث عن المفارقة المنطقية بين الاحتيال على الرقيب الذي يمكن خداعه بسهولة, و بين هيمنة الرقيب, التي تتضح في ذلك اللجوء إلى الاحتيال بالتحديد, أحببت تحية الكاتب عليها و تأكيدي على أهميتها لفهم آلية عمل الرقابة, و التي هي خالقة التدجين و مخلوقته في ذات الوقت. تحية لك يا حسن بلاسم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال