الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(ذاتية العنوان وفلسفة المتن القصصي في أريج أفكاري لفلاح العيساوي)

عامر حميو

2017 / 7 / 30
الادب والفن


(ذاتية العنوان وفلسفة المتن القصصي في أريج أفكاري لفلاح العيساوي)
أريج أفكاري ..عنوان لمجموعة قصصية, للقاص فلاح العيساوي الصادرة هذا العام عن دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع، يوهمك عنوانها للوهلة الاولى كأنك إزاء عنوان لديوان شعر حديث، فينعكس داخلك شعور لا ارادي انك ستكون إزاء نص موغل بالذاتية والتغني في نرجسيتها، غير إن الابحار بين مضامين القصص، سيفاجئك بغير ما ذهب له ذهنك لا طوعيا، وقبل ان ألج لمحاور القصص لابد لي من الاعتراف بشيء لا استطيع اتيانه كما فعل كاتب نص أريج افكاري، ولكي اضع قارئي بملخص ما توصلت له، لابد لي من التعريج على حكاية اسطورية تجعل من الاساس العلمي مستهلا لها، ومجملها ان علماء البيئة ولك ان تسميهم علماء الحيوان، يذكرون معلومة ان حيوان الذئب إذا جاع فهو على استعداد ان يقطع في الليلة الواحدة مسافة800كم بحثا عن غذائه، وجدّاتنا تقتنص هذا الاستهلال العلمي للدلالة على ان هذا الحيوان وهو يقطع بليله هذه المسافة الطويلة (ان توفق بليلته وحصل على طريدته، افترسها ثم أشبع جوعه منها مزدردا طعامه) فان انتهى راح ينهش قطع اللحم ويبلعها دون مضغ، ثم يرجع الى جحره ليتقيأ ما بلعه لمن تركهم خلفه، لكن اسطورة جدّاتنا تستدعي مخيالها، واصفة نهاية الذئب عندما يهرم بأن شعر جلده يتساقط ويصيبه العمى قبل ان ينفق ميتا، وهن يذكرن ان صغار الابوين ستتولى رعاية المكفوف وتطعمه مثلما كان يطعمها وهي صغيرة، بمعنى ان صغير الذئب يطعم والديه عند الكبر من ذات لحم الكتف، أو من لحم الفخذ الذي كان احد الوالدين يداوم بجلبها له وهو صغير، وبعيدا عن حكمة جدّاتنا في حكايتهن للبر بالوالدين عند الكبر، فاننا لو افترضنا تناصا فكريا لهذه الحكاية( بعيدا عن مدى مطابقتها للواقع من عدمها) مع أي مبدع قصصي، وافترضنا في سبيل ذلك ان شيخوخة الذئب وعماه هي اللحظة التي يمسك بها المبدع القصصي او الروائي لقلمه ويكتب، فستكون قطعة اللحم التي يجلبها صغير الذئب لاحد ابويه في الكبر هي مقدار هيام الكاتب في قراءاته الاولى، وانعكاسها على مايكتبه عندما يصل للحظة الكتابة، وهي لحظة الهرم والعمى عند احد الابوين للذئاب الصغيرة، وفي لحظة هرمي استطعت ان اكتب القصة القصيرة والمسرحية والرواية اخيرا، لكني وقفت عاجزا عن كتابة نص واحد ينتمي للقصة القصيرة جدا أو مايصطلح عليه بقصة الومضة، لان ماعلمتني له قراءاتي في بداياتها يكفي وانا ازمع ان اجرب حظي مع الومضة ان اتذكر ( الحرب والسلام ) و (الطفولة . المراهقة .الشباب) لتولستوي وثمانية عشر مجلدا لدستويفسكي مع كل ماكتبه مكسيم غوركي وجل ما كتبه نجيب محفوظ، ومجموع ماخطه عبد الرحمن منيف، ومتون السرد لحنه مينا وعشرات غيرهم، حتى اقف عاجزا امام قلمي الذي يدعوني لان اجرب تقمص دور الخجول بافكاري(اذا جاز هذا التعبير لوصف القاص للومضة ووصف الطرف الآخر بالجريء الذي لايكفيه الابتسار في الفكرة فينتج عملا مثل القصة القصيرة والمسرحية والرواية) اذ حالما اكتب نص ومضة من بضع كلمات حتى يتبادر لذهني تساؤل: ثم ماذا بعد ذلك؟. لكني اذا طالعت مجموعة قصصية لكاتب ومضة وقفت مبهورا امام قدرته على كتابتها ونسيت تساؤلي وانا اجرب حظي العاثر معها!.
ففي ومضة (جشع) يقول القاص فلاح العيساوي : ( اتخم بطنه، تقيأ عقله)ص86 وفي ومضة (جهل) يقول: (نقد ومضاتهم،ازدادوا له كرها)ص90 وفي ومضة (منافق) يقول: (سل سيفه، قطعوا لسانه)ص102. واقتناصة الحدث في كل قصص المجموعة كانت ميزة برع فيها الكاتب، وأجاد توظيفها بلمسات كانها ضربات فرشة رسام يجيد صنعته ويبتسر الاقتصاد في ادوات اشتغاله.
وفي الوقت الذي اغبطه لا أستطيع جمح عقال تساؤل: وماذا بعد ذلك؟. هذا التساؤل الذي ماانفك يراودني كلما حاولت ان اجرب تناول قصة الومضة ك(فكرة/ قطعة لحم) غير تلك التي اطعمتني اياها (قراءاتي الاولى/ والدي او والدتي من فصيلة الذئاب تلك)!.فانني احاول كثيرا ان ألجم ثرثرة الجريء داخلي( القصة القصيرة والمسرحية والرواية) لكني امنى بالفشل كلما حاولت التقرب من الومضة، التي اجاد صناعتها صاحب ( اريج افكاري) من بين الكثير من كتاب القصة القصيرة جدا في العراق.
وبالرجوع لبداية ماكتبته عن مدلول العنوان الذاتي الذي يحيلنا لفكرة ان العنوان مغرق في الذاتية التي تتباهى بأنين نرجسيتها، فان القارئ لمجموعة (أريج أفكاري) للقاص فلاح العيساوي، حالما يلج للصفحات الاولى ويتفاعل مع متون السرد فيها سيتلبسه هاجس معاناة الإنسان البسيط وما يقلقه في حياته اليومية، ثم يتماهى اكثر مع المتون ليجد نفسه ازاء اسئلة وجودية يحك لها فروة رأسه متسائلا مع الكاتب في جدلياتها، فان أبحر عميقا وسط المجموعة هام عشقا متوهما ان العمر أرجعه عشرات السنين للوراء ليعيش صبابة العشق ثانية. ولايختلف اثنان على اجادة القاص العيساوي بتوظيف الموروث الديني في الكثير من متنون ومضاته القصصية، ومع كل ومضة خطها الكاتب يتمخض في ذهن القارئ تساؤل ممتليء: بالغضب، أو الحيرة، أو الهيام، أو التقوى مقرونة بالوعيد في عقاب القدر للمسيء، أو يخلف فيه شعورا بالحزن والقنوط، مما يدفعه لان يكمل القراءة لاستكشاف عوالم التضادات بين عبارة الومضة الاولى مع عبارتها الثانية التي تقلب كيان الفكر وتعكس ردة الفعل داخل ذهنية قارئها. وتلك سمات حفلت بها المئة صفحة التي احتلتها متون السرد القصصي دون حساب السيرة الذاتية للمؤلف وباقي اضافات الاخراج والتنضيد للمجموعة القصصية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب


.. عاجل.. الفنان محمد عبده يعلن إصابته بمرض السرطان في رسالة صو




.. انتظرونا غداً..في كلمة أخيرة والفنانة ياسمين علي والفنان صدق