الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زقاق الجن

هيثم بن محمد شطورو

2017 / 7 / 30
الادب والفن


تحرر المكان.. هكذا تبدو الأمور. هل تحـرر الذهن من قيوده؟
ـ أتراها اللحية هي التي تلتهم الموائد و تستحم و تخرج نفايات الأكل من الجسد في بيت الراحة؟
صدفة عمياء أوقـفـته في قلب الطريق. كان جالسا في المقعـد الأمامي لسيارة التاكسي. كان يفكر بقلق في الالتحاق بصلاة الظهر في جامع الأكرمين الذي يمكن العبور إليه من زقاق الجن مثلما كان يفعل دوما قبل الثورة..
انه الزقاق المعروف بشدة انبعاث رائحة البول في فوهته. زقاق اللذة المحـرمة المقـترفة. الأبواب الخـشبـية المترعة على الزقاق مباشرة للتطلع على عـروض اللحم المسجى بين الشهوة و الألم، الاقـتراف شبه العادي لجـريمة ما..
المبغى العام الشرعي أو بالأحرى القانوني الذي كرسه الزعيم "حبيب بورقيبة" في إطار برنامج الصحة النـفـسية للشعب..
مسجد الأكرمين لا يبعـد عن زقاق الجن إلا لنحو نصف كيلومتر. يعتبرها مسافة قصيرة تـلتهمها خطواته عادة بعد صلاة الظهر صيفا و العصر شتاءا.
قبل الثورة كان يجد مبررا لتلك الزيارات. كان يقول لأصدقائه المقربين:
ـ إنها من باب التمويه على البوليس السياسي.
لم يزر الزقاق منذ اندلاع الثورة و لا مسجد الأكرمين. التحـق الآن علانية بالحزب المحظور سابقا، بل انه سافر إلى تونس ليكون من المستـقبلين للشيخ "راشد الغنوشي" في المطار، و كم كانت سعادته عظيمة حين تمكن من تـقبيل يد الشيخ.
وصف لي تلك اللحظة قائلا:
ـ كانت اشراقة الروح. كانت طمأنينة عظيمة. يا لدفئه و حنانه. كأني قبلت يد رسول الله صلى الله عليه و سلم. يا أخي أحسست بنور الجنة في قلبي..
ـ لأول مرة أعـرف أن للجنة نورا..
قال لي ذات مرة :
ـ يا أخي الظلم الذي تعرضت له لا سابق له. النحس يطاردني منذ ولادتي. تصور أن أبي تـنكر في أبوته لي و لم أكن أراه، و أعمامي حاولوا إخراج أمي من بيتـنا. منعوا أبنائهم من اللعب معي منذ الطفولة. كنت ملعونا لديهم. أبناء عمومتي أعـداء لي إلى اليوم. المجتمع ظالم و قاسي. الوحيدون اللذين احتضنوني هم الإسلاميون. وجدت في الشيخ الأب العـطوف الحنون الذي حُرمت منه. تعرضت إلى عـديد الأزمات النـفـسية. أمي أصيح عليها ثم ارتمي عليها لأقبلها و أبكي.. قدري؟ يا لهذا القدر.. كفرت بالله و آمنت.. استغفر الله. يا له من مجتمع ظالم.. الإسلام هو الحل..
ـ الحل لمشكلتك النـفـسية؟
ـ الحل لكل شيء..
ـ أتصور انك تعاني من شك مزمن في أبوة أبيك لك و بالتالي.. ( لم أتمكن من إكمال التصريح بالاستـنـتاج)
فرد علي قائلا بتـشنج:
ـ أمي صالحة و محجبة و تصلي، و أنا اشرف من كل هذا المجتمع الكافر البغيض...
بتـشنج أمر سائق التاكسي أن يتوقـف.. كانت صدفة عمياء قد رفعت عينيه إلى الأعلى في شباك إحدى البنايات المرتـفعة في منطقة "أريانة". وجه بدا له انه مألوف له. من وراء النافـذة، ظهر عاري و جانب من ثدي ضخم ابيض اللون..
توقـف أثـناء عبوره الطريق في منتصفه ليتـثبت من تواصل المشهد المثير..
حينها كانت مريلة بنـفـسجية اللون قد غطت الظهر الذي كان أبيضا ناصحا يؤشر إلى بشرة حليـبـية رطبة كالزبدة..
توقف على الرصيف العريض مسمرا دون أن ينسى مراقبة المؤخرات البارزة هنا و هناك..
نداء "الله و اكبر" يؤذن لصلاة الظهر و عيناه معلقـتان في الأعلى و جامع الأكرمين الذي قرر منذ الصباح أداء صلاة الظهر فيه بعيد عن المكان..
كـشف المستطيل السحري للشباك في الأعلى وجهها. تبين انه لا يعرفها. كانت تتحدث إلى شخص ما على ما يبدو. ما الذي لا يزال يسمره في المكان إذن و قد تأكد من عدم معرفته بالفتاة؟
.. كاد يفـقد الأمل في تعـريها من جديد و هو لا يزال مأخوذا بذاك البرق لعـريها الممتد إلى أعلى مؤخرتها و هو جالس في المقعـد الأمامي في التاكسي المتوجه به إلى جامع الأكرمين و رغبة يصارعها في زيارة زقاق الجن..
طارت المريلة البنــفسجية ومن جديد الصدر الناهد ناصع البياض يكتمل وضوحه هذه المرة ثم يخـتـفي قليلا، و مريلة وردية اللون، و ملامح وجه ذو نور مشرق يضحك..
و واقف بأمل في تعـري جديد. لكن صفعه انغلاق الشباك..
قال لي:
ـ أحسست بألم شديد.. كنت مندهـشا من نفـسي و كأن شيطانا يأمرني و أطيع دون تـفكير.. الحقيقة أن كلماتك هاجمتـني ساعتها و تسمرت أمامي كأنها تمثـلت لي بشرا..
" الأناس القلائل المخطئون معك و قد حولتهم إلى المجتمع ككل تجهد نفسك لافتكاك اعترافهم بك بتـفـنيد ما ينسبونه إليك حسب ما يعتـقدون.. الحقيقة انك لن تصلح المعوج و الخطأ هنا برغم انك تـتوهم ذلك. انك لم تـقيم الافكار و لم تـفكر انطلاقا مما تريده أنت فعلا من نفسك و بالتالي من الناس.. ما قاموا به هو سحق اعترافك بنفـسك و التـفكير فيها و محاولة إثباتها انطلاقا منها و ليس منهم.. دعك من المجتمع الذي في ذهنك لأنه سراب..أي لا يمكن أبدا أن نصل إلى فهم دقيق أو حقيقة المجتمع لأنه متـنوع.. لكن ما يمكنك فعله هو الانهمام على ذاتك و تصفيتها مما علق بها.."
قال انه في غمرة صدمة الافـتـقاد للشباك المفتوح، لم يفكر إلا في تدخين سيجارة.. ثم في الذهاب إلى اقرب قاعة حلاقة لحلاقة اللحية..
..هذه هي قصة حلاقته للحية.. فسألته عن أبيه و كنت متعمدا فتح الجرح الأساسي، إلا انه بلا مبالاة قال انه قد مات..
ـ هل اعترف بك؟..
ـ لم يعترف بي فقط و إنما اتكل علي في مرضه.. كم كان ضعيفا..
ـ بعدما كنت تعتـقده جبارا..
... و هكذا لا تصنع الكآبة لدينا إلا الأوهام المتأسسة على احتـقار الذات أمام المجتمع و المدينة و الدولة، حتى و إن ارتدى ذاك الاحتـقار شكل الرافض للمجتمع و المدينة و الدولة، و بالتالي يتـزين بتضخيم واهم للانا الذي يجاهد في نفس الوقت بملء طاقته كي لا يواجهها أمامه عارية مخافة تعريه امام ذهن مثـقـل بحضور مجتمع وهمي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول


.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس




.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش


.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال