الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من دروس حراك الريف: الوعي القومي عامل مساهم في معركة التحرر الديمقراطي والاجتماعي بالمغرب

تيار (التحدي) التحرر الديمقراطي المغرب

2017 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


 الريف: تاريخ كفاح ضد الاستعمار و الاستبداد
إن تاريخ المغرب الحديث يسجل بكل فخر صمود أجدادنا المقاومين و كفاحهم ضد الاستعمارين الفرنسي و الإسباني على طول خريطة البلاد، و كذا ضد الاستبداد من خلال تمردات "بلاد السيبة" ضد السلطة المركزية في "بلاد المخزن". فمنذ هزيمة جيش المخزن في معركة "إيسلي" أمام القوات الفرنسية في 1844 و احتلال مدينة تطوان في 1860 تبدد الضعف العسكري في جسد المخزن و زادت مقاومة القبائل لحملات السلطان الجبائية و رفضت تأديتها للضرائب التي كانت تصرف في تمويل الجيش و سحق القبائل المتمردة من أجل جباية المزيد من الضرائب لتوطيد و إرساء سلطة المخزن أكثر منه لمواجهة الخطر الأجنبي، بينما كانت القبائل الموالية معفاة من الضرائب.
و جراء ضعف سلطة المخزن بفعل الصراع الداخلي و تمردات القبائل التي تنازعه سلطته، وقع السلطان معاهدة الحماية في 1912 مع فرنسا لإخضاع القبائل المتمردة و استتباب الأمن، فتم القضاء على ثورة احمد الهيبة و إخضاع مناطق سوس و الأطلس المتوسط و الصغير و تافيلالت و المنطقة الجنوبية بين 1914 و 1934. و انطلق مع ما اصطلح عليه ب"الظهير البربري" في 16 ماي 1930، الذي هو في الحقيقة ظهير استعماري، أوسع اصطفاف بين الحركة الوطنية الإصلاحية و السلطان الذي انتزع الاستعمار معظم سلطاته، فطالبت الحركة الوطنية نظام الحماية ببعض الإصلاحات و قدمت بعد ذلك عريضة للمطالبة بالاستقلال. إلا أنه مع اعتقال قيادات الحركة الوطنية في 1945 و نفي السلطان في 1953، وجد الاستعمار الفرنسي نفسه في مواجهة جيش التحرير في الجبال و الأرياف و مجموعات فدائية تابعة للحركة الوطنية في المدن. و المثير للاستياء أن الحركة الوطنية فاوضت من أجل الاستقلال الشكلي للمغرب الذي تم في 1956، بينما قرر جيش التحرير بتوجيه من محمد بن عبد الكريم الخطابي في منفاه الاستمرار في الكفاح من أجل التحرير الشامل للمغرب الأقصى و المغرب الكبير إلى أن تم القضاء على جيش التحرير في 1959.
و لم تكن المنطقة الشمالية خاضعة لنظام الحماية حيث تنازلت عنها فرنسا لإسبانيا بموجب الاتفاقية السرية لسنة 1907 و المعاهدة الاسبانية الفرنسية في 27 نونبر 1912. و قد أبان الريفيون بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي عن بسالتهم في الدفاع عن منطقة الريف ضد الاحتلال الاسباني و سجلوا امتعاضهم من فتح المخزن الباب على مصراعيه للمستعمر من خلال توقيعه لمعاهدة الحماية مع فرنسا، و توجوا كفاحهم بالانتصار على الإسبان في معركة "أنوال" سنة 1921 و تأسيسهم للجمهورية الريفية التي استمرت إلى 1926 مع هزيمة الخطابي و استسلامه حقنا لدماء الريفيين.

و يجد الحراك الشعبي الجاري حاليا بالريف ضد "الحكرة" أساسه المادي في عقود من التهميش و التفقير الممنهجين انتقاما من الكفاح التاريخي للريفيين من أجل الكرامة و ضد الاستبداد. فمضمون وثيقة المطالب الحقوقية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية لحراك الريف في 2017، التي يتلقون على إثرها الاتهامات ب"الخيانة" و"الانفصال" و "الفتنة" و يتعرضون للقمع و الاعتقال و الاختطاف و التعذيب من طرف نظام محمد السادس، هي تجديد لمطالب انتفاضة1958/1959 التي شهدت قمعا وحشيا لساكنة الريف و إبادة شبه كلية لجيش التحرير و تعذيب الثوار من قبل نظام محمد الخامس و على يد ولي العهد الحسن. و لا تختلف كثيرا عن مطالب أحداث الريف خلال انتفاضة يناير 1984 حيث نعتهم نظام الحسن الثاني ب"الأوباش" و ارتكب في حقهم مجزرة وحشية و أذاقهم الويلات و العذاب الشديد. و هي نفسها مطالب حراك 2004/2005 على خلفية الزلزال المدمر الذي ضرب الحسيمة، و لا تخرج عن مطالب الربيع الديمقراطي بالريف في 2011.
 حراك الريف: الوعي القومي و الديمقراطية المباشرة في الميدان
يقصد بالوعي القومي من المنظور التقدمي ذلك الإحساس بالانتماء إلى جماعة إنسانية ذات خصوصية لغوية أو ثقافية أو إثنية، خاصة إذا تعلق الأمر بقومية مضطهدة (بفتح الهاء)، و الاستعداد الدائم للدفاع عن قضاياها و مشكلاتها في تجرد تام من كل أشكال التعصب و رفض الآخر. و يشكل بذلك الوعي القومي عاملا رئيسيا في تحرر الشعوب من نير الاستعمار و الاستغلال و الاستبداد و تشييد مجتمعات ديمقراطية تسود فيها الحرية و الكرامة و العدالة الاجتماعية.
و في العلاقة مع حراك الريف، فالريفيون راكموا وعيا قوميا متقدما على مر التاريخ بفعل الإرث المشترك (الهوية – الأرض – التاريخ) و بفضل ملاحم الثورات و الانتفاضات المجيدة سيرا على درب المقاوم محمد بن عبد الكريم الخطابي. و يزيد من صلابة الوعي القومي لذى الريفيين احساسهم الجماعي ب"الحكرة" جراء عقود من التهميش و التفقير و الدعاية المغرضة ضدهم من طرف نظام الفساد و الاستبداد بالمغرب، مما خلف عندهم استعدادا كبيرا للكفاح من أجل الكرامة و الحقوق و الحريات على طريق بناء المغرب الديمقراطي المنشود.
و تتضح ملامح الوعي القومي في حراك الريف، منذ 28 أكتوبر 2016 تاريخ استشهاد "بائع السمك" محسن فكري، في حمل الأعلام الأمازيغية و علم جمهورية الريف و في رفع الشعارات و إلقاء المداخلات و إبداع الأغاني التحريضية باللغة الأمازيغية. و لعل اعتقال و ترهيب فناني الحراك الشعبي و على رأسهم "سيليا الزياني" لدليل على إدراك المخزن للخطورة التي يشكلونها بفعل الحماسة و مشاعر التضامن التي يوقضونها لذى الجماهير الشعبية.
إن ما يميز حراك الريف كذلك هو تجسيد الديمقراطية المباشرة في الميدان و هي أرقى ما وصلت إليه الإنسانية في تجاربها السياسية و الاجتماعية. فالديمقراطية المباشرة -عكس الديمقراطية التمثيلية- لا تترك مجالا كي يتحدث المفسدون و المستبدون باسم الشعب، و لكن بالمقابل تعبر عن إرادة الشعب لأن المواطنون يتخذون قراراتهم بأنفسهم و بشكل مباشر.
و قد جسد الريفيون ذلك في حراكهم الشعبي عبر عقدهم لجموعات عامة و اجتماعات شعبية و لقاءات تواصلية مكنتهم من وضع وثيقة مطلبية شاملة و تسطير برامج نضالية و تعبوية توجت بأشكال احتجاجية شعبية حاشدة و متنوعة. كما تساهم الديمقراطية المباشرة بالريف في تحفيز المشاركة و التسيير و القيادة الجماعية للحراك و تحول دون السقوط في فخ توقف الحراك بمجرد اعتقال القيادة أو المساومة معها.

 النضال الأمازيغي بالمغرب في ميزان حراك الريف:
لطالما اعتبرنا في تحليلاتنا السابقة أن قيادة الحركة الأمازيغية بالمغرب تتبع استراتيجية نضالية مؤسساتية و مرافعاتية و تواصل نهج تكتيك المهادنة و طرقها الملتوية و تستبعد من حساباتها الخيار النضالي الاحتجاجي الميداني، و يرجع ذلك لنخبوية الحركة وضيق أفق قيادتها الليبرالية و الانتهازية والتي لا مصلحة لها في التغيير الشامل و العميق بالمغرب. إن التاريخ يسجل للنخبة الأمازيغية ترسيخها للوعي القومي لدى الأجيال الصاعدة منذ 1968، لكنه يسجل عليها تخاذلها و سقوط أغلبها في أحضان المخزن (مرحلتي 2001 و 2011) و تردد البقية في الدفع بالنضال الأمازيغي الديمقراطي إلى الأمام، مما جعل قيادة الحركة الأمازيغية معزولة عن الجماهير وعلى هامش الحراك الاجتماعي بالمغرب، في ظل غياب بدائل و برامج نضال حقيقية بالرغم من كل التراجعات التي عرفها ملف الأمازيغية بالمغرب. هذا إذا استثنينا المساهمة القوية للشباب الأمازيغي في حركة 20 فبراير و تنسيقيات "تاوادا" و الاحتجاجات الشعبية بمجموعة من مناطق المغرب.
إن الطروحات الانهزامية و المراهنة على التوافق مع المخزن لحل ملف الأمازيغية الذي قزمته إلى حقوق لغوية و ثقافية فقط، كلها تكسرت على صخرة الحراك الشعبي بالريف. لقد أكد حراك الريف، كما سبق أن أثبتت تجربة الربيع الأمازيغي بالجزائر و تجربة حركة 20 فبراير بالمغرب، أن طريق النضال الجماهيري الميداني هو الوحيد الكفيل بتحقيق المطالب العادلة و المشروعة. و أن القضية الأمازيغية أبعد من أن يتم اختزالها في ما هو لغوي و ثقافي فيتم الالتفاف عليها بدسترة مشوهة و مقيدة بقانون تنظيمي يؤجل إدماجها و يعجل إقبارها.
إن الأمازيغية هي وقف الترامي على أراضي الفلاحين الفقراء، إنها وقف خوصصة و تفويت منابع المياه و استنزاف الفرشة المائية، إنها الحق في الثروات الطبيعية و البحرية وضد التأثيرات البيئية للمناجم و المقالع على أراضي الفلاحين الفقراء، إنها المطالبة بالإصلاح الزراعي و السيادة الغذائية، إنها الدفاع عن تعليم عمومي مجاني و جيد، إنها المطالبة بإصلاح ديني و وقف استغلال الدين في السياسة، إنها مواجهة سياسات التقشف و الخوصصة المملاة من قبل صندوق النقد الدولي، إنها التعريف بتاريخ المقاومة بشمال إفريقيا و السعي إلى وحدة مصير شعوبها...إلخ.
لقد علمنا حراك الريف، الحامل للعلم الأمازيغي في البر و البحر و فوق السطوح و في قلوب المعتقلين/ات و المختطفين/ات و المعذبين/ات، أن القضية الأمازيغية هي في صلب مهام التحرر الديمقراطي و الاجتماعي بالمغرب، فلا أمازيغية بدون ديمقراطية و لا ديمقراطية بدون أمازيغية، و لا حل للقضية الأمازيغية خارج دائرة الصراع من أجل الديمقراطية الحقيقية في البلاد سياسيا و اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا و بيئيا.
 أي مشروع مجتمعي؟
واهم من يعتقد أن معركة التحرر الديمقراطي و الاجتماعي بالمغرب سيكون مآلها النصر دون استحضار القضية الأمازيغية، هذه الأخيرة التي تطرح في أفقها الاستراتيجي سياقات متعددة للتغيير المنشود في بلادنا و التي ربما لم تحظ بالاهتمام الأكبر سواء بالتفاعل أو النقد من طرف أغلب الساعين إلى مغرب آخر ممكن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل