الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في حقائبه السينمائية المسافرة .. رسائل للوطن والأصدقاء

احمد ثامر جهاد

2006 / 2 / 8
الادب والفن


عشية الاحتفال بأعياد راس السنة ، استعاد صديقنا المغترب - مرغما - مسلسل حياته المضطربة فصلا تلو الآخر ، صورة تمحو أخرى ، ذكريات أليمة متراصة عن الوطن والبيت والاخوة والأصدقاء والحبيبات ، حتى أن ابتهاجه بالحياة الصاخبة من حوله لم يمنع جريان دموعه الساخنة من أن ترسم في وجهه الصغير خرائط عراقية لحزن الأيام السود . . ما أشبه الأيام السود بتعبير ارض السواد ، كان الأخ الأصغر عازف العود ( عادل ) يردد دائما .
في بهجة انغماس الناس بكرنفال الكريسماس ظنَّ الفنان المغترب أن الأرواح الأوربية الراقصة على أنغام الموسيقى الصادحة ، تلك التي حلم بمعاشرتها والتعلم منها يوما ، ستجعله مختطفا صوبها من وجع سكناته العراقية الكامنة في أعماقه .. وتناسى هناك أصداء نصيحة أمه وهي تردد : وجع الذاكرة يا بني سيطوقك أينما حللت وارتحلت . أمك على حق : أحدهم يقول . ستشبع رغباتك كلها وتبقى تفكر بنكهة رغيفها الساخن المداف بعرقها ورائحتها وحنوها الرباني .
يوجعه أن السؤال ما زال محلقا في وحشته ، يلامس بقوة عوده الطري بعد : هل ثمة مكان سينسيه وطن التهديدات والاغتيالات والمطاردات ، أهوال وطنه ذاك ، وطفولته المؤبدة فيه ؟ ربما اعتصرت جوفه نسائم ارتياح قدري وهو يفكر بوجوه اخوته المفجوعين بلعنة الارتحال من مكان إلى آخر مثله تماما . لقد نجوت بنفسك وينتظر أحباؤك كلهم شريط صورك الملونة عنهم ، سلامك إليهم . أليسوا أهلوك ؟
في رسالة طويلة مشوشة وردتني منه ، بدا أن المخرج الشاب ضياء خالد - كسواه - لم يغادر طوق محنته في العراق إلا بقرار فرار قسري من بغداد إلى منافي الغرب اضطره لركوب سماء رحلة طويلة شاقة ، تاركا خزانة حياته المتواضعة مؤبدة في عيون أمه واخوته الذين فرقهم رعب الموت اليومي الراهن إلى أماكن مختلفة داخل الوطن وخارجه . هكذا تشظى الشمل الحميم دونما رحمة ، وتناثرت العائلة إلى أفراد مأزومين لا يني أحدهم ينشغل بمصير الآخر . بالتأكيد ليسوا وحدهم أبطال محنة الترحال العراقي القسري من سقف إلى آخر ، بل ذاك هو ديدن الحياة العراقية اليوم لمن يعرفها في مدنها المختلطة - المختطفة بفعل محرمات المذاهب والقوميات والأفكار .
كان القدر المجنون لهؤلاء الاخوة انهم يجهلون معنى الخيانة العظمى ويحبون الفن والوطن والحياة ليس إلا : فمنهم السينمائي والعازف والرسام والمسرحي . وما ابعد حياتنا العنيفة عن هضم كلمة الفنان وحلمه في رؤية حياة إنسانية كريمة . نعم تلك كانت المفارقة التي يتقاسم أنينها المجاني غير عراقي اليوم ، فصاحبنا المخرج عانى الأمرين مع زمنيين يفترض انهما مختلفان ، مع النظام السابق اضطرته همومه وتطلعاته البيضاء إلى الهجرة إلى عمان لعامين ونيف ، وعقب عاصفة التغيير عاد إلى بلاده لمواصلة حلمه في إنجاز فيلم عراقي مع مجموعة من الأصدقاء شكلوا فيما بعد جماعة دارك فيلم السينمائية . مات الشعر ولم تنتهي الحروب ، وُصفت حياتنا .
في رسالته يقول : لم نكن نعلم ان لنظام الموت الصدامي ثمة أذناب ستستمر بهذه البشاعة كل هذا الوقت متلبسة أشكالا ووجوها مختلفة . هذه هي الواقعة المريرة مجددا التي اضطرت الاخوة للشتات الموجع ثانية في عواصم عربية وأجنبية وفي جوفهم المتعب اكثر من غصة عراقية ، ترقب الحال والأحوال وتسأل عن من بقي من الأحباب حيا ومن مات .
الحكاية التي يتهامس بها الجميع ويستعيذون في سرهم من شر الشيطان الرجيم ، هي نفسها تشير إلى الخوف كل الخوف من وشوك كارثة تحل بالوطن الجديد وتجثم على رؤوس المساكين مرة أخرى ، حينما يسلم البلد بالكامل قياده لأصوات الظلاميين والمتطرفين ، يمرح القتلة من جديد ويتقهقر الحلم العراقي إلى الصدور ثانية ، فيفر من يفر ويعتزل من يعتزل ويغيب من يغيب ، ويضيع من أيدي الجميع الخيط الجميل الموصل إلى ضفاف البيت الهانئ .

لكن يا صديقي ، سأعيرك عيني .. لترى ما أرى :
في طريق عودتك ..
تذكّر ...
ان هناك من ينتظرك بابتسامة آمنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا


.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا




.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر