الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سارتر يعلن دولة إسرائيل

عبد الملك بن طاهر بن محمد ضيفي

2017 / 8 / 1
القضية الفلسطينية


لقد كان سارتر إنسانيا منصفا في تعامله مع المظلومين وكان يُناصرهم ويقف في صفهم ولو كان الظالم فرنسيا يُشاركه الوطن والمصير ما جعله يُندد بظلم فرنسا للجزائر وينصر ثورة الجزائريين ويدعمها ويروج لها وينافح عنها بقلمه ولسانه وكان شديد العداء للنزعة التسلطية في السياسة الأمريكية مناصرا للحركة التحررية الفيتنامية لكن

" تأملاته في المسألة اليهودية "

وهو عنوان كتابه جعل موقفه من الظلم والاحتلال ملتبسا شديد الغرابة وكأن الكتاب مدسوس عليه فلا الأسلوب أسلوبه ولا المنهج منهجه إذ كيف ينصر الظلم من عاش دهرا يُحاربه وإذا كان هذا الكتاب صحيح النسبة إليه وهو كذلك فهو جانب مظلم في شخصيته وتعصب مقيت أظهرته فلتات لسانه وجناية بنانه فقد رسم الصهيوني الذي لم يؤمن يوما بالمواطنة والوطن بل وطنه دينه وموطنه ساميته وبالأحرى ساديته ومجتمعه حارته هذا الهمجي جعل منه سارتر شخصا ودودا يحب التعايش ويخلص للوطن وأهله لكن أوروبا والعالم بل كل أعداء السامية كانوا يقسون عليه ولا يستوعبونه ويحرمونه من حقوقه في العمل وحرية المعتقد ولا يحترمون شرف نسبه وشريف طبعه هذا هو صهيوني سارتر الذي لم تره الإنسانية في تاريخها يوما
-لكن مراد سارتر من كتابه يظهر جليا عند تأمل المصطلحين الذين استعملهما في وصف اليهودي لينطلق منهما في تبرير مخازي الصهيونية

-فاليهودي الأصيل

-واليهودي التارخي

الذين لم تقبلهما أوروبا وفرنسا تحديدا لذلك هاجرا إلى

إسرائيل

لتكثير الأمة اليهودية في تل أبيب بزعم سارتر الذي أعلن بكل صفاقة عن

دولة إسرائيل

واختار لها الأرض والاسم قبل قيامها بخمس سنين وحدد لها هويتها وأهلها

-فاليهودي التارخي هو اليهودي التوراتي وإن لم يكن ساميا نقي العرق " أي من أم غير يهودية " فهو لتكثير السواد وتدعيم الاستبداد لا غير
أما
-اليهودي الأصيل فهو الممثل الحققي لشعب الله المختار المتعالي على الأغيار نسبا المباين للكفار معتقدا
ولا تجمعهما [ اليهودي الأصيل واليهودي التارخي ] إلا البشارة التوراتية بأرض الميعاد التي تتحقق فيها أحلام الاباء والأجداد
وبهذا يصبح احتلال اليهودي لفلسطين عملا نبيلا عند سارتر الذي جعل إسرائيل أرضا يفر إليها الصهيوني من الظلم ولم يشر إلى أهل فلسطين ولو من طرف خفي فهي عنده

هجرة شعب بلا أرض إلى أرض بلا شعب

وبعد قيام هذا الكيان وإعلان الدولة التي بشر بها سارتر حاول هذا الأخير نقد بعض جوانب هذه الدولة وهو في الحقيقة كان يخاطب اليهودي التاريخي ويحضه على التأقلم مع هذا الوضع المهين فهو عبد في أرض الميعاد لليهودي الأصيل الممثل الوحيد للأسياد وكان سارتر يعلم أن الصهيونية أكثر العقائد تكريسا لمنظومة العبيد والأسياد لذلك أمر اليهودي التاريخي بالسمع والطاعة لليهودي الأصيل وحسن الإنقياد ليصبح سارتر للصهيونية كالقواد
وأول ما نشير إليه في تفنيد فرية سارتر وفساد ما قرره في استحقاق اليهود لهذا الوطن الموعود وأنهم شعب الله المختار ما قاله البروفيسور في جامعة تل ابيب "شلومو ساند" في كتابه "كيف اخترع الشعب اليهودي" الذي بين فيه أنه لا يوجد شعب يهودي وأن ما فعله اليهود في فلسطين احتلال وظلم للسكان الأصليين وقال انه يعتقد أن الفلسطيني أقرب منه نسبا إلى داود عليه السلام
وسنحاكم سارتر كذلك إلى سيرته وفلسفته لنثبت أن دعمه للصهيونية لا علاقة له بسيرته الذاتية ولا بفلسفته الوجودية وهذا عنوانها

" لقد فتح سورين كير كغارد بابا كسره سارتر لما زعم أن

الحرية تسوس ولا تساس وتحكم ولا يحكمها الناس

وعند هذا المنحنى الذي تتشامخ فيه الأنا يبلغ التطرف منتهاه

ليستأصل الموجود لذاته الموجود بذاته "

لذلك بشر سارتر بالإنسان الإله وافتخر بعقل بلغ في الإبداع منتهاه فجعلت فلسفته من الإنسان مخلوقا مطلق اليد واللسان مقدس لذاته ما جعل سارتر ينصر الجزائر ضد أهله انتصارا لقيمه وعبر عن ذلك في حوار نشرته جريدة " الجمهورية الجزائرية " سنة 1952 ثم جعل من مجلة " الأزمنة الحديثة " منبرا ينتصر للقضية ويُطالب بجلاء الاحتلال الفرنسي من الجزائر فأصدرت سنة 1955 مقالا عنوانه [الجزائر ليست فرنسا] وبعد سنة شن سارتر هجوما كاسحا على الاحتلال وكشف آليات عمله الإقتصادية والسياسية في مقاله [ الكولونيالية عبارة عن نظام ] لتتشكل بعده جبهة ثقافية فرنسية تنصر الجزائر وتناهض الاحتلال وكان لكتاب [ الجزائر الخارجة عن القانون ] للزوجين فرنسيس وكوليت جيزون دورا مهما في كشف إجرام فرنسا وفظائعها ما جعل سارتر يكتب [ نحن جميعا قتلة ] لتصبح كتبه [ عاصفة من السكر ] و [ عارنا في الجزائر ] مسعر حرب على فرنسا لكن فلسطين فضحته لتحرقه الجزائر بعد وقوفه مع الصهيونية ودعمه المطلق لها في حربي 1967 و1973 وزيارته لفلسطين المحتلة وإعلانه من هناك أن إسرائيل لها الحق في الوجود ويجب أن تبقى قائمة وأتبع ذلك بقبول الدوكتوراه الفخرية من جامعة أورشليم وهو الذي رفض جائزة نوبل كل ذلك وغيره لفت الانتباه إلى جريمته في إعلان دولة إسرائيل

والسؤال المهم الذي لم يمكني تتبعي القاصر لمواقف سارتر من فهمه أو تبريره هو

-ما الذي جعل سارتر يبشر بالدولة الصهيونية وهو الفيلسوف المغرق في التمرد والثورة المنحاز للحرية والثورات عالميا في أمريكا اللاتينية والملحمة الفيتنامية وأيقونة الثورة الجزائرية ولا أظنه بتأثير بيني ليفي سليل الماوية أو بسبب رفيقته اليهودية؟
حتى ما ذكرته ليو ليفي في كتابها مدى الحياة الذي صدر سنة 2013 أي بعد عشر سنوات من موت بيني ليفي وحديثها عن تأثير زوجها الفكري على سارتر غير مقنع لأن سارتر الذي بشر بدولة إسرائيل قبل قيامها وذكرها في تأملاته بالاسم أي أنه هو الذي اختار اسمها وحدد معالمها لم يتعرف على اليهودي المصري المهاجر إلا بعد أكثر من عقدين من قيام دولة إسرائيل والعجيب أن نخبنا التي كانت تشيد بكتب سارتر ومقالاته وتتبع ما يكتب عنه وتتعصب له وتتهافت كالذباب على ما ترجم له خاصة في الغثيان والذباب لم يعنهم كثيرا موقفه من القضية الفلسطينية ومساندته المطلقة للصهيونية ولم يزعجهم إلا بعض التشاؤم الذي شاب أعماله أما تمجيده للصهيونية فكانوا صما عميا لا يسمعونه ولا يرونه ولا ينددون حتى مجرد التنديد بما يسمعونه من التمجيد ومنه ما قاله في العيد الأول لهذا المسخ الوليد
[ ينبغي ان نكون سعداء لقيام دولة إسرائيلية تجسد آمال ونضالات يهود العالم بأسره. إن انشاء الدولة اليهودية يعتبر من أهم الأحداث التي عرفها عصرنا. أي تلك الأحداث الفريدة التي تمكننا من الإبقاء على الأمل ]
ونستثني أقلاما معدودة سنشير إلى أصحابها وسنذكرهم قريبا إن شاء الله فمما يقلق العاقل ويسبب الحيرة ويثير التساؤل عن الهوية الثقافية ومكوناتها ومكنوناتها وكينونتها ومناعتها وممانعتها تجاهل النخب العربية لموقف سارتر الداعم للدولة العبرية المستخف بالحقوق الفلسطينية فالرجل وجيه عند نخبنا لا يسمع إلا الثناء والتمجيد ولا ينقده إلا قلة أشهرهم إدوارد سعيد فما سبب هذا الاحتفاء معاشر العقلاء بفيلسوف أعلن العداء وحالف الأعداء في حين أنكم لا ترفعون رأسا بالذين ناهضوا الصهيونية وأدانوها ولقنوها درسا وأشبعوها تسفيها ونقدا كروجيه جارودي وجان جينيه وبرتراند رسل فما سبب كل هذا ولماذا؟
وقد نتفهم شغفكم برواياته ومسرحياته لكن يحيرنا تهافتكم على تدوين يومياته وتتبع مذكراته واهتمامكم بهواياته وتبجيلكم لرفاقه ورفيقاته في حياته وبعد وفاته ففي زمن الاستحمار ترفف رايات اليسار على قلاع الترف واليسار وتهتف شعرات الأحرار بحياة الاستعمار وتستعبد الصهيونية طلائع الثوار لترفل الهمجية في حلل الأبرار ويهيم الأعراب بحب غاصب في الجوار فلا حياة لإسرائيل إلا برعاع من الأغيار تُعَنِّيهم المحرقة النازية ولا تَعْنِيهم المذابح الصهيونية يلغ اليهود في دم المسيح فيواسيهم سارتر بدموع التماسيح تخجله مظالم هتلر فيستعير صليبه الأعوج وطبعه الأهوج ليصبح الفيلسوف الوجودي نازي الفلسفة والمنهج يبشر بالغزو ولا يخجل ويتصدر للحكم فلا يعدل شرد شعبين فهذا يهودي إلى أرض الميعاد يَرحل وذاك فلسطيني من أرضه يُرحل
-تطويع الثورة الفرنسية وتحويل مسار الوجودية خدمة للصهيونية

كيف نجحت الصهيونية في تطويع فرنسا ثورة الحرية وتركيع سارتر مجدد الفلسفة الوجودية لتتمكن من إعلان الدولة الإسرائيلية من خلال أوسع وأنصع عناوين الحرية؟
هذا السؤال يضعنا أمام جوابين قد يكون لهما ثالث
-الأول أن الثورات لا تخدم إلا الطغاة
-الثاني أن ثورة الحرية صناعة شيطانية
وفي كلا الحالين تكون الشعوب هي الخاسر الأول إذا ثارت والعدو البعيد هو المستفيد الوحيد وكل من يعتقد أن هذه نظرة سوداوية وشيطنة لثورة الحرية مطالب بعد ضحايا ثورات الحرية وملزم بذكر شعاراتها الانسانية وليته يذكرنا بشعاري الثورة الفرنسية حتى لا نعجب من سارتر الذي كان يدعو إلى الالتزام الأخلاقي في عالمه الحر يخطط ثم يعمل على اسعباد البشر متنصلا من أخلاقه متنكرا لقيمه منتصرا للشر وفي الوقت الذي كان فيه بصدد التبشير بإسرائيل الدولة والكيان في مرحلة ما قبل الإعلان كان يستدرج الفضيلة إلى حتفها ويستبيحها بالغثيان يهتك الأستار يفشي الأسرار يهيج الثوار برق الحرية ونزق الإباحية والفوضى الأخلاقية لينجح في صرف الأقلام والأبصار عن وليدته العبرية ووئيدته العربية ويكاد يعجز العاقل عن التوفيق بين نظريتي سارتر في فلسطين أولا ثم في الجزائر إلا إذا كان ما خطه هذا الوجودي الثائر حلقة مكسورة في سلسلة التآمر لكن تآمر ممن وعلى من ولصالح من ولن نركن إلى نظرية المؤامرة في إجابتنا على هذا التساؤل الحائر لعلمنا أن الوجودية قد نبتت في بيئة من اليأس والبؤس والعدمية جامعة بين الاستخفاف بالقيم والأعراف وبين احترام الخلاف وتقديس الحق في الاختلاف فكانت لعبثيتها تضرب كل أصيل ولا تطرح أي بديل فلسفة متحررة من كل القيود متمردة على كل الوجود متخطية كل الحدود لا تقبل المأسسة والتطويع ولا تحترم القطيع الفوضوية إمامها العدمية خطامها العبثية زمامها الحرية قوامها الذاتية معبودها الانية متبوعها الأنانية مصدرها وينبوعها والصهيونية دولتها ومشروعها مع ما أدخله نزيل السان جرمان من العدمية والتشاؤم والسوداوية على القيم الثورية لتنتقل فلسفة الثورة وآدابها من جنة للتفاؤل المطلق إلى جحيم للعدم المطبق هذا ما جعل من الذين ينسبون إلى الثوار الأحرار حملة مشاعل النور المبشرون بثقافة الأنوار ينقلبون همجا يحرقون الأحياء بالنار يقتلون الآمنين ينكلون بالمدنيين ينتقمون من المسالمين ويلغون في دماء المسلمين وغير المسلمين باسم الثورة مرة ومرات باسم الدين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في