الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-روج -آفا-لاعب جديد لبداية القرن

خوشناف حمو

2017 / 8 / 6
السياسة والعلاقات الدولية


حين تتسم مسألة ما بالتعقيد يستوجب عرضها الانسحاب شاقوليا نحو الأعلى لتأمين قطاع أكثر اتساعا، وإطلالة أشمل وأوسع، مخافة التيه بين الحلقات المتداخلة، والوقوع في حبائل التفاصيل.
المسألة أن الوضع لا يمكن اختزاله بطريقة "مع" أو"ضد" المكثفة، لأن هكذا طريقة تجتث المساحات الرمادية بتدريجاتها الواقعية اللانهائية وتختذلها في لونين لا ثالث لهما إما "أبيض" أو "أسود" وهي حالة مثالية يجد العقل صعوبة في تقبلها.
قبل ساعتين من إعلانه استقالته من منصبه كرئيس للاتحاد السوفياتي السابق يوم 25 ديسمبر/كانون الأول 1991اتصل غورباتشوف بالرئيس الأميركي جورج بوش الأب، الذي كان يحتفل بعيد الميلاد المجيد مع أحفاده في كامب ديفيد.
ومع انتهاء هذه المكالمة ، كانت مراسم إنهاء حرب كونية فريدة من نوعها قد تمت، إنها الحرب الثالثة التي لشدة برودتها لم يتنبه الكثيرون لحدث انتهائها ووضعها لأوزارها.
كان لا بد والحال، شأنها شأن أية حرب أخرى ، أن تليها ترتيبات تحقق مصالح المنتصرين وتنتج وضعا جيوبوليتيكيا متناسبا مع موازين القوى الجديدة .
لم تكن العملية سهلة، بل استغرقت أكثر من عقدين من الزمن لإكمال ترتيبات البدء بمرحلة ما بعد الحرب الباردة.
الإرهاب الإسلامي :
"مشكلة أمريكا الكبرى أنها أصبحت بلا عدو"
تلك العبارة نطق بها الرئيس بوش الأب، ليعبر بها عن الأزمة التي خلفها غياب الاتحاد السوفييتي عن مسرح الأحداث.
وهو ما عبر عنه "غابرييل كولكو" صاحب كتاب "العالم في أزمة نهاية القرن الأمريكي" الصادر في أيلول من عام 2015، بالقول :
" بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، باتت الولايات المتحدة عاجزة عن تحديد عدو بملامح واضحة ، وأصبح عليها الآن ( وقد توارى خصمها في الحرب الباردة ) أن تعمل على استبدال الخوف من الشيوعية بهاجس جديد يستعمل كقوة للتجييش(mobilizing anxiety) وتأجيج المشاعر "
لقد كان انهيار الاتحاد السوفييتي صارخا ومثيرا للدهشة، ولم يربك حلفاءه وأصدقاءه فحسب بل فرض على المنتصرين أيضا عبء التحكم بالمسارات التي تتجه نحوها الأمور، ولم تكن عبارة الرئيس الأمريكي سوى انعكاسا للقلق والإرهاصات التي تعاني منها القيادة الأمريكية في عملية احتواء أية عواقب غير محسوبة لهذا السقوط المدوي، كان الأمر أشبه بعملية تخلص من هيكل بناء ضخم متداع، وسط حي مكتظ بالسكان. مع حصر الأضرار بالحد الأدنى.
كان يتوجب على الجيش الأمريكي أن يعود إلى بلاده من مختلف جبهات الحرب الباردة، لأن الحرب قد وضعت أوزارها، لولا أن حدثا مفاجئا صاعقا قلب الأمور رأسا على عقب، ولم يعرقل نمو فكرة استراحة المحارب فحسب ، بل استدعى نشر مزيد من القوات وإرسال مزيد من الأسلحة إلى مسافات أبعد ومناطق أوسع، تلك كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر-أيلول التي صعقت العالم وأثارت الغبار في قلب أكبر المدن الأمريكية لتبدأ بعدها مرحلة نشطة جديدة، هي مرحلة توضعات ما بعد الحرب الباردة. والتأسيس لحرب جديدة، هي "الحرب ضد الإرهاب".
حرب جديدة حلفاء جدد...
تبنَى تنظيم "القاعدة" الإرهابي، هجمات الحادي عشر من أيلول، وشرعت الولايات المتحدة بداية في الحرب الوليدة، بمطاردة "أسامة بن لادن" وغيره من رموز وزعماء تنظيم القاعدة الإرهابي في أفغانستان وباكستان.
استدعى الأمر تحالفا دوليا لمجابهة هذا التنظيم الخطير، فراحت الولايات المتحدة تبحث عن حلفاء جدد في حربها المقدسة الجديدة. الأمر الذي، لم يتح الوقت لحلفاء الأمس ليتقاسموا تركة الاتحاد السوفييتي كما كان مفترضا. فقد ظهرت هذه الآفة الزئبقية المتحولة ( الإرهاب) فجأة وراحت تهدد الجميع في عقر دارهم وظهرت أذرع إرهابية أخرى بمسميات مختلفة تهدد القيم الديموقراطية برمتها، مما أجبر الشركاء على تأجيل عملية المحاصصة هذه ريثما يتم القضاء على العدو الجديد. فلا سايكس- بيكو بنسخة مستحدثة أعلن عن بنودها، ولا يالطا جديدة قسمت برلين من جديد.
الأمر الذي أمد الولايات المتحدة بمهلة غير محدودة لتأجيل الوفاء باستحقاقاتها تجاه حلفائها. وأمن لها مزيدا من الوقت لتدفع العالم برمته تجاه وضع يتحتم معه القبول بوضعية القطب الواحد.
روسيا من جديد ...
إن الشراكة مع الدب الروسي تحقق للولايات المتحدة شروطا أفضل بكثير من فكرة الشراكة مع حلفائها السابقين. فروسيا وريثة الاتحاد السوفييتي المقهور، أضعف كثيرا مما تبدو عليه، وبالتالي فإن أية شراكة معها من قبل أمريكا سيعطي هذه الأخيرة أفضلية بما لا يقاس .
ولكن لم يكن من السهل على الولايات المتحدة، أن تمرر عملية استبدال حلفائها وإدخال روسيا على الخط (كحليف) دون أن تثير حفيظة شركائها السابقين في الحرب الباردة، لولا سيناريو فضيحة التدخل الروسي المثير في التأثير على سير الانتخابات الأمريكية والمساعدة على مجيء ترامب إلى سدة الرئاسة.
وأراني لا أجانب المنطق عندما أدعي بأن فضيحة الانتخابات تلك، ليست سوى عملية ذر للرماد في العيون، ومحاولة جيدة لإقناع الحلفاء الأوربيين بأن ما يجري من تحالفات مع روسيا ليست سوى من بنات أفكار الرئيس ترامب وعربون صداقة شخصية بينه وبين روسيا التي ساعدته على تبوء سدة الرئاسة.
ليست روسيا حليفا من الدرجة الأولى بالنسبة لأمريكا كما تظهر الأحداث ، وأي اعتقاد مثل هذا يجانب المنطق ويجافيه .
أمريكا سيدة العالم وقطب أوحد، هذا ما أفرزته نتائج الحرب الباردة. أما روسيا فليست سوى مسخ منهك، ورث أنقاض الاتحاد السوفييتي المهزوم، وهي بتحركاتها المضطربة على الساحة السياسية، ما زالت تدفع الضرائب المترتبة عليها على خلفية نتائج الحرب الباردة.
تلك هي الرؤية الأكثر مقاربة على الساحة الدولية، وعلى هذه الرؤيا ربما يتوجب البناء والتحليل.
إن روسيا في سوريا ليس لأن روسيا تريد ذلك، بل لأن أمريكا تريدها هناك.
الربيع في دمشق ...
لم يكن من الممكن إجراء عملية تفكيك وتركيب جديدة، في منطقة الشرق الأوسط بوصفها منطقة احتكاك قوية بين المعسكرين طيلة نصف قرن من الزمان دون خلق الظروف المناسبة لعملية التفكيك أولا، وعليه كان الربيع العربي مبادرة خلاقة للبدء بعملية التفكيك تلك وهو ما اصطلح على تسميته بالفوضى الخلاقة ....
كان الأمر أشبه بفتح أبواب سجن كبير مقاسه حدود تلك البلدان البائسة، وفتح المزاليج كلها دفعة واحدة لينطلق السجناء جميعا (المفكر والسياسي والبريء والسارق والمجرم واللص والمغتصب، ...) انطلقوا جميعا صوب الفضاء المفتوح، لا يلوون على شيء ولا يعرفون الوجهة التي يركضون باتجاهها ، إنه وهج الحرية الذي أغشى أبصارهم وأعمى بصيرتهم.
الكرد والربيع...
بعودة سريعة للنصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي وبعيد حوالي ست أو سبع سنوات من بداية حكمه تمكن الرئيس الراحل حافظ الأسد، من إكمال هيمنته على مؤسسات الجيش والتعليم والتخلص من خصومه الواحد تلو الأخر، وبعد أن تجاوز المرحلة الحرجة من الاستفراد بالحكم، أصبح يتناول شيئا فشيئا الملفات الأٌقل إلحاحا.
ولكن حركة الإخوان المسلمين والتمرد المسلح في بداية ثمانينات القرن الماضي في حماة وحلب هزَ صورة الرجل القوي, فقد شعر أنه تسبب بيقظة نار النزاع السني - العلوي من تحت الرماد الذي كان خامدا منذ أربعة عشر قرنا، وتيقن بأن حكمه قد اكتسب صبغة أوليغارشية ستلازمه طيلة الفترة القادمة. مما دفعه للبحث بإلحاح عن حلفاء أكثر مصداقية هنا وهناك، للتأثير على معطيات المعادلة التي لم تكن لمصلحته.
لم يكن قادة الحركة الكردية، جاهزين لتحمل أية مسؤولية في اتخاذ مواقف تتطلب شجاعة لم يمتلكوها يوما. وكانوا بعيدين عن هكذا حسابات، فقد كانت خطاهم التائهة توجهها التأثيرات الكردستانية ولم يكن بمقدورهم التخلص من هيمنة نقاط التركيز هذه، لم يكن بمقدورهم انتهاج سياسة براغماتية مستقلة، فالتبعية الكردستانية كانت نقطة ضعف شديدة تمنعهم من التفكير البراغماتي الصحيح. فقد كانت القضية بالنسبة لهم، مختزلة على غير وعي في مطلبين اثنين، الجنسية للمجردين منها، والحقوق الثقافية كتجسيد متواضع للشعارات الكبيرة (حق تقرير المصير)، ظلت الأحزاب الكردية تلهث بين هذين الشعارين، مع إشارات خجولة أحيانا إلى مشاريع التعريب والحزام العربي سيء الذكر. وخلال ربع القرن الأخير كان الخط البياني للحركة الكردية ماض قدما في تقوس لافت نحو الأسفل ، مما سهل لسلطات البعث وأجهزتها القمعية المتغولة (بعد قضائها على حركة الإخوان المذكورة ) اختراقها والعبث بالبنى التنظيمية لأحزابها وتشتيت شملها.
كان أداء الحركة ساذجا وسطحيا، فيما يخص التعاطي مع الأجواء التي خلفها ظهور حركة الإخوان المسلمين ، ولم تستطع إيجاد لغة مشتركة بينها وبين النظام الذي أسعفه قدوم وافد جديد إلى دمشق ألا وهو زعيم حزب العمال الكردستاني "عبد الله أوجلان" الذي اضطر لمغادرة تركيا بعد انقلاب "كنعان إيفيرين" الدامي في أيلول 1980فاحتضنه النظام السوري وقامت بين الطرفين علاقة وطيدة استفاد منها النظام السوري في دعم مكانته ودوره على صعيد الشرق الأوسط كله، وبدءا من هذا التاريخ بدأ التدخل السوري المحسوس في الملف الكردي في تركيا. وبدأ الترويج لهذا الحزب في المناطق الكردية في الشمال السوري والمناطق الكردية في المدن الكبرى، واندفع الكثير من الشبان والفتيات الكرد السوريين للالتحاق بهذا الحزب، وفي ظل تراجع تأثير الأحزاب الكردية على الجماهير، بدت هذه الأحزاب الهزيلة بشعاراتها التقليدية غير قادرة على المنافسة مع ما يطرحه الـ( p k k ) من أهداف.
فأي شعار لم يكن ليرقى لمستوى المطالبة بكردستان الكبرى الذي كان الـ(p k k ) يلوح به.
لم يتطور أداء الحركة خلال الأحداث المفصلية التي كانت تتفجر هنا وهناك، كما لم تحاول أن تلتحم بالجماهير التي تجاوزتها بوعيها وفعاليتها.
فلم يكن دور الحركة الكردية أثناء انتفاضة القامشلي مقنعا، ولم يتعد دور الوسيط المحايد بين النظام والجماهير المنتفضة.
وحين تكشفت فضيحة اغتيال الشيخ الشهيد معشوق الخزنوي. لم تقارب حتى دور الوسيط ذاك، فقد كانت الحركة الكردية، منهكة ومنقسمة على نفسها، وكان الشارع الكردي يتندر بأن مساعدا في الأمن العسكري يتحكم بأكثر من تسعين قياديا وسكرتير حزب في مدينة القامشلي وحدها.
أما النظام الذي استثمر وجود الزعيم عبد الله أوجلان في ظهرانيه خير استثمار. وحدَ من نشاط الأحزاب الكردية من خلاله، سرعان ما استجاب للضغوطات مكرها ورضخ للتهديدات التركية، فطرد الزعيم الكردي بطريقة جبانة وخسيسة وتسبب بوقوعه أسيرا في أيدي السلطات التركية.
كان من الممكن للموقف من الثورة السورية, أن يكون نقطة انعطاف لمسار الحركة ولمستقبلها. فقد كان من الممكن للأحداث أن تنحو مناحي أخرى لو أن دعوة الأحزاب الكردية للملمة نفسها والتعالي على جراحاتها ومحاولة استعادة زمام المبادرة نجحت.
ولكن الجلسة الأولى للمجلس الوطني الكردي التي انعقدت في السادس والعشرين من تشرين الأول عام 2011. أظهرت إلى أي درك وصلت الحركة بأحزابها الهشة. فقد كان واضحا منذ البداية أن المجلس بحاجة إلى رافعة قوية ( موقف قوي مسؤول) يعيده إلى واجهة الأحداث، الأمر الذي لم يستطع قادة الأحزاب الكردية العجائز، بسويتهم المتدنية من تحقيقه، وأذكر بألم لحظة إطلال السيدين خير الدين مراد ومصطفى جمعة في أولى جلسات المجلس بعد الافتتاح، ليزفا لنا خبر انقسام حزبيهما على نفسه من جديد إلى حزبين، ذاك الحدث الذي أنبأنا أن المولود الذي نحن بصدد الإعلان عنه إنما ولد مشوها.
وسرعان ما تأكد ذلك في الزيارة التي قام بها وفد الأمانة العامة للمجلس الوليد إلى "هولير" والفضائح المالية المخجلة التي تلت ذلك .
ومن ثم تتالت المواقف الانهزامية ، مقابل جموح حزب الاتحاد الديمقراطي الـ( p Y D ) الذي استولى على زمام الأمور بحزم ودون تردد، وانخرط في سلسلة تحالفات نشطة مع النظام السوري والقوى الدولية الفاعلة على الأرض، بينما لوحت قيادات المجلس مودعة جماهيرها و مهرولة بين اسطنبول وهولير تاركة إياها تواجه مصيرها في الداخل بغياب أية استراتيجية للعمل إلا إذا اعتبرنا الاستسلام لمذلة التواجد في الائتلاف السوري برفقة حسان الزعبي وغيره من العنصريين وتحت الرعاية التركية استراتيجية .
اتخذ الشارع الكردي موقفا سلبيا تجاه هيمنة حركة الإخوان المسلمين على قرار المعارضة ونظر بعين الريبة إلى عملية التواصل معها، مع اكتساب تلك الأخيرة سمعة سيئة على ضوء تشجيعها للحركات الجهادية الإرهابية وتنكرها للحقوق القومية للشعب الكردي في سوريا. على عكس سلطة الإدارة الذاتية التي أصبحت تتزعم أكبر قوة محلية مجابهة للإرهاب الداعشي. فبنت قوة عسكرية جيدة ومدربة وراحت تخوض اللعبة السياسية، لا بالطريقة الكردية المعهودة المرتكزة على الإيديولوجيا الساذجة ، بل بطريقة مكيافيلية مؤثرة. واستطاعت أن تبسط سيطرتها على ما يقارب من ربع مساحة البلاد. بل واكتسبت لنفسها موقعا مهما في طليعة القوى المحاربة للإرهاب، وهي مكاسب لا يمكن تجاهلها. في الوقت الذي راحت أحزاب الحركة تنهش بعضها بعضا، وطردت من مراكزها ومناطق قوتها شر طردة.
أعتقد أن المعادلة التقليدية بين القوى الكردية في سوريا والوافد المتجذر ( وأعني به حزب الاتحاد الديموقراطي ) لم تعد منطقية ولا يمكن البناء عليها بشكلها الحالي، فالمجلس الوطني الكردي وبفضل مجموعة من قيادييه الانتهازيين وجملة من المواقف المبنية على ردود الأفعال أوصل مستقبل الحركة كله إلى طريق مسدود، ولم يعد مؤهلا للمنافسة.
بالمقابل فقد تمكنت المنظومة المتكاملة لمؤسسات حزب الاتحاد الديمقراطي من الإحاطة بالجزء المؤثر من المشهد السياسي والعملي الكردي في سورية، وأضحت معالم روج- آفا وتعني بالكردية (الغرب )، والتي يقصد بها غرب كردستان، تتشكل رويدا رويدا، بمعزل عن مساهمة القوى السياسية الكردية التقليدية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من


.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال




.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار


.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل




.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز