الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واشنطن وسياسات الاحتواء

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2017 / 8 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


تضيف الولايات المتحدة أحجية جديدة، الى سجلها الطويل في التردد والغموض والتقلب إزاء الحالة السورية، حين تجد لنفسها مشاجب جديدة تعلق عليها تأجيل اتخاذ مواقف حاسمة حيال ما يحدث في سوريا منذ ستة اعوام. في وقت ينبغي لدولة مثلها وفي مكانتها، أن تكون سبّاقة، للقيام بدور أساسي في حفظ السلام وحماية المدنيين، يُفترض أنها منوطة به، بحكم عضويتها الدائمة في مجلس الأمن، وبحكم قانون القوة الذي تستند إليه في فرض ما يحقق مصالحها وسياساتها الاستراتيجية.
هل تحتاج واشنطن أن يذّكرها أحدٌ بالتزاماتها؟ في كل الأحوال، فإن ضبابية الإدارة الأميركية الجديدة في هذا الشأن، حتى اليوم، هي أشدّ مرارة على السوريين، من مواقف سابقتها الديمقراطية.
مناسبة هذا الكلام، هي التصريحات التي ندّت عن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قبل أيام بشأن " حلّ الملف السوري " مشترطاً الانسحاب الإيراني من سوريا، دون أن يغفل تأكيده على الشراكة مع روسيا.
الواقع، تبدو واشنطن ملتزمة بالتفاهمات التي عقدتها إدارة أوباما مع روسيا، تتولى بموجبه الأخيرة إنجاز حل في سوريا، دون الإخلال بمصالح الولايات المتحدة، على الرغم من أن توجهات ترامب ترمي الى إحداث تغيير جذري في الاستراتيجيات التي انتهجتها الادارة السابقة، ومنها المسالة السورية، مع توسعٍ ملحوظ في مروحة الأهداف الأميركية، على حساب الدور الروسي، تبدو نتائجه على الأرض واضحة المعالم، لجهة تقاسم النفوذ في المناطق السورية، والصراعات الخفية، التي تظهر بين الحين والآخر، بسبب خلافاتهما العميقة حول ذلك. فيما تستمر التجاذبات السياسية، بمنح مزيد من الوقت والآليات لروسيا والنظام وشركائهما، في المضي قدماً في سياسات إعادة إخضاع المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام خلال السنوات الماضية، بالحصار والتجويع، وفرض الهدنة وتهجير أهالي المناطق مع المسلحين، ما يمهد الى تحقيق مناطق آمنة، بالنسبة لهما، وفقاً لما ترسمه موسكو من توجهات للحل في سوريا، جوهره إشراك المعارضة في حكومة وحدة وطنية جديدة، بإدارة النظام الأسدي.
ولكن حديث تيلرسون عن إيران، يبدو خارج السياق تماماً، فليس التواجد الإيراني هو المعضلة الأساسية، وإن كان ذي قدرة على تعطيل أي حلّ، لكن القرار السياسي، في حال التوافق عليه سيجبر طهران على الانكماش. وتمتلك الولايات المتحدة من الآليات والسياسات ما يمكنها من ذلك، لو شاءت. طهران هي شريك للولايات المتحدة اليوم، سواء بموجب اتفاق النووي، أو في توافق البيت الأبيض مع الكريملين، بشأن سوريا. لم ترفض واشنطن جهود موسكو، ولم تعرقلها، كما انها لم تضع ثقلها السياسي: إرادتها، لدعم أيٍّ من مسارات التفاوض ومنصات العمل السياسي لإيجاد حل.
إيران هي طرف في كل المسارات القائمة، بالقدر الذي تتواجد فيه كقوة احتلال رئيسة، خاصة في العاصمة دمشق، وما حولها، ثم في حلب، عبر تواجدها المباشر، أو عبر الحرس الثوري وحزب الله، والميليشيات الإرهابية الطائفية الأخرى التي تمعن في قتل السوريين.
ومع ذلك، فاتخاذ موقف حاسم بشأن إيران، هو أمر لا يصعب على واشنطن أو حتى موسكو، التي يُشاع أن ثمة خلاف بينهما حول مناطق خفض التوتر، وغيره. فهذه مجرد إشكاليات بين قوى تحالفت على دعم نظام الأسدية، وضمان استمراره، بكل الوسائل التدميرية الممكنه. هذه نقطة الاتفاق الجوهري، والولايات المتحدة، غير معنية بالتدخل في هذه المسائل، إلا حين تتهدد مصالحها وتتعرض للخطر. وفي اعتقادنا ليس ثمة من يجرؤ على ارتكاب حماقة كهذه، لأن تفاهماتها أعمق وأشدّ ثباتاً.
الخلافات الجوهرية بين هذه الأطراف الثلاثة: واشنطن وطهران وموسكو – بعد إقصاء تركيا - هو تنازع على مناطق النفوذ في سوريا. في الوقت الذي تقترب وجهتا النظر الأميركية لضرورة تقليص، أو لجم الدور الإيراني الى الحدّ الأقصى، وحرمان طهران من انجاز منطقة نفوذ آمنة لها عبر وحدة جغرافية متصلة عبر العراق وسوريا، الى لبنان. وهذا أهم اسباب توسيع منطقة عمليات التحالف الدولي في البادية السورية، بما فيها الحدود الدولية العراقية - السورية – الأردنية.
من اللافت أن يتحدث تيلرسون، بمثل هذه العمومية، وقد يكون منصفاً قولنا بأنه تسطيحٌ متعمد لا يتماشى وخطورة الحالة السورية، ودور إيران المحوري في نشأة ونشر الإرهاب، وفي دفع المنطقة برمتها لتصبح على صفيح أكثر سخونة مما هي عليه. وفي واقع الحال، طهران، لاتؤسس وجودها في سوريا،على تدخلها العسكري المباشر، هي والميليشيات التي تتلقى دعمها العسكري، وتعمل بإمرتها، فحسب. إن عمر التواجد والتغلغل الإيراني يعود لثلاثة عقود، مكنت فيه طهران لدورها في المؤسسات الأمنية، ومراكز صنع القرار، وفي الجوانب الاقتصادية والمالية. وهي اليوم تطور وتعزز هذا التواجد الاقتصادي عبر مشاريع جديدة وكبيرة في مناطق مختلفة من سوريا، والهدف من ذلك ربط المصالح وجعلها غير قابلة للانفكاك بسهولة، دون أن يتضرر المجتمع السوري.
لا تنظر الولايات المتحدة الى هذه الجوانب، وهي تتحدث طوال الوقت عن سياساتها الجديدة لعزل إيران، ومعاقبة إيران، ومنع تمددها وتغلغلها في المنطقة، وعن السعي لمراجعة الاتفاق النووي معها. لكن في الحقيقة ماتقوم به واشنطون هو عملية احتواء للدور الإيراني في المنطقة العربية برمتها. وهو احتواء يحقق لها مصالح كثيرة، على حساب شعوب المنطقة، وسعيهم من أجل الحرية والديمقراطية.
لا تزال إيران تنشب اظلافها في الجسد السوري، وتتحكم بإدارة الدولة والمجتمع في العراق، حيث تنتشر ألوية القتل والتدمير،وفي اليمن تواصل دعمها النوعي للحوثيين اللذين تمكنوا من اختراق الحدود السعودية واحتلال قرى، بعد مؤتمر الرياض الذي حضره ترامب، وكُرّس لمواجهة سياسات إيران.
إيجاد حلّ في سوريا، يتطلب إرادة أميركية اليوم، بكل وضوح وصراحة، وجميع القوى الإقليمية والدولية، ستبقى أدوارها جانبية وثانوية. وما يحتاج إليه السوريين هو وقف الحرب الشاملة التي تشنها جميع القوى عليه، وتمعن في استهداف المدنيين تحت شعار أولوية محاربة الإرهاب، فيما يبقى مصدر الإرهاب: النظام السوري-الإيراني، بعيداً عن حديث تيلرسون، وعن سياسات قادة البيت الأبيض.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. الجيش الإسرائيلي يدعو السكان لإخلاء شرق رفح فورا


.. إسرائيل وحماس تتمسكان بموقفيهما ولا تقدم في محادثات التهدئة




.. مقتل 16 فلسطينيا من عائلتين بغارات إسرائيلية على رفح


.. غزة: تطور لافت في الموقف الأمريكي وتلويح إسرائيلي بدخول وشيك




.. الرئيس الصيني يقوم بزيارة دولة إلى فرنسا.. ما برنامج الزيارة