الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثوري والإصلاحي والإنهيار القيمي 2 من 2

عبدالحميد برتو
باحث

(Abdul Hamid Barto)

2017 / 8 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


الموقف الثوري والإصلاحي
لا يحتاج المتابع الى بذل الكثير من الجهد والعناء والبحث والتقصي لإدراك حالة الإرتباك والتعثر والتراجع، التي تعيشها كل القوى الوطنية والطبقية والفئوية في منطقتنا، وحتى السلطات الحاكمة، بكل أوصافها ومحتوياتها وإمكانياتها، فالحالة تشي عن نفسها بنفسها. هذا الى جانب تراجع القيم العامة التي تجمع بين الناس في البلد الواحد، ومن أخطرها تضرر الروح الوطنية لحدود بالغة، وهي أهم سلاح فعال بيد الطبقة العاملة وكل الشعب، وقد حلّت محلها على نطاق واسع قيم ما قبل الوطنية، ومنها العشائرية بقيمها وتنظيماتها، ليس في الريف فقط، بل في مراكز المدن الكبيرة الحضرية بما فيها العواصم.

ينصب الإهتمام في هذه المادة على الطبقة العاملة وحزبها السياسي، خاصة إذا ما أكدت برامج الحزب العمالي على دوره الرئيس في تحقيق التحولات الحاسمة حالياً ومستقبلاً، وبناء المجتمع الجديد الخالي من الإستغلال والقهر.

يمكن القول على الصعيد الدولي أن العالم شهد خلال العقود الأخيرة تغيّرات عاصفة، من أبرزها وأهمها وأخطرها تفكك الإتحاد السوفيتي والمنظومة الإشتراكية العالمية، ولا يمكن إنكار خطورة إنهيار الإتحاد السوفيتي على التوازن الدولي، وأضراره على فكر الإشتراكية العلمية، خاصة في إطار إنتشار شعبيتها وبرقيها وتأثيرها بين الناس، وبصفة خاصة على حركات التحرر الوطني العالمية. ولكن هذا الأمر ليس موضوع المعالجة في هذه الأسطر، إلا أنه من الضروري التأكيد على أن ذلك الإنهيار إستغل للتقرع والتيئيس والحط من مكانة ودور الإشتراكية العلمية بالمعنى التاريخي، بل حتى تبشيعها، وإبعاد أية إشارة يمكن أن تَفتح آفاقاً أمام الكادحين والأحزاب المعبرة عن مصالحهم، وجرى تعميم حالة الإستخفاف بدور الطبقة العاملة، والإجهاز بعنف على مقولة: إن البروليتاريا في كل بلد تحرر نفسها بنفسها. هذا التأكيد على دور البروليتاريا لا يقلل من شأنه وأهميته ما آلت إليه الأوضاع الدولية، وفي كل بلد على حدة. تكمن أهميته في أنه يُشير الى أن كل الإدعاءات ليس بميسورها إغلاق الباب أمام إمكانية المعالجة الجذرية في كل بلد بصورة مستقلة، هذا الى جانب أن مستقبل البشرية لن يتوقف عند الحالة القائمة أو ما هو أبشع منها.

في المقابل يمكن القول أن بعض الأحزاب العمالية لم تبذل الجهود المناسبة لدراسة الأوضاع المستجدة في بلدانها، ولم تواجه إنتشار المواقف والآراء التي تحث على الإحباط، وتدفع أعداداً متزايدة إليه. وبدلاً من رفع اليقظة ومعرفة مستوى شعبيتها بتواضع ودقة، نشهد على الأرض صراعاً غير بناء يدور حول المفاهيم والتوقعات والتقديرات بصدد الوضع الراهن والمستقبل مع وجود عنعنات شخصانية، وإن الجزء الأكبر من تلك التوترات لا تمثل صراعاً فكرياً بناءً وضرورياً.

لا يتناول الكلام هنا حزباً واحداً بعينه، مع عدم تجاهل الفوارق في صلات كل منها مع الناس كماً ونوعاً. قسم منها فقد الحيوية في طرح القضايا، التي تشغل إهتمام الناس وحتى عضويته. وبعضها تناول بعض القضايا الإجتماعية بطريقة منفرة للكادحين متناسين أن العمال والكادحين هم مادة وقوة التغيير الحاسم الأساسية، وإبتعدوا عن لغة الشعب، وتدخلوا في قضايا ليست من إختصاصهم، ولا في وقتها المناسب. ولكن ليس من حق أحد في الوقت عينه أن ينفي وجود أحزاب تتمتع ببعض النفوذ والسمعة الطيبة والإحترام، وتضم مناضلين يحظون بثقة مدنهم أو قراهم أو مناطق عملهم، هذه الخواص يمكن تحريكها على صعيد الفعل الثوري لتشكل قوة فعل كبيرة.

تعاني بعض الأحزاب الكثير من ضغوط الأحاديث غير المثمرة، من داخلها ومن خارجها، من أصدقائها ومن خصومها على حد السواء. إنها حالة تعكس إختلاطاً في عمليات التمييز بين الموقف الثوري وبين الموقف الإصلاحي، حالة تتجاهل مسألة تَعلم أساليب تصعيد النضال العام، ودحر حالة الترقب السلبي. وقد عَمَّقَت هذه المظاهر اليأس والإرتباك في العلاقات بين الأطراف المعنية، وأضافت أعباءً جديدة على كاهل كل قوة تفكر بمواجهة الظروف الحالية القاهرة، وأضعفت الإستعداد للمنعطفات الحادة التي ستتولد من المخاضات الراهنة والقادمة. إن الترقب والإنتظار والذهول الذي أصاب الكثير من القوى السياسية، القديمة منها والجديدة، قد تجلى في بعض مظاهر الشلل، والتنازع، وحتى بعض حالات التواطؤ أو الدفاع الخجول عن العديد من المصالح الحيوية للشعب، والسكوت عن بعض الجرائم. كل ذلك قد جرّد الشعب من بعض أدواته ومصادر قوته، وخلق حالة من العجز في مواجهة التدخلات الخارجية الجائرة والإجتياح الداخلي العام للقوى والأساليب الوحشية.

ومن الحالات الشائنة تُذكر محاولات تغيب الحلول الثورية، وتلطيخ سمعتها، خاصة في ظل ظروف خَلقت فيها القوى المعادية للشعوب وأتباعها المحليين تكتيكات جديدة، مثل: تحويل السلطات المعادية الواحدة الى سلطات متعددة، وشلت قطاعات شعبية واسعة من خلال التخويف من الآخر من أبناء ذات الشعب تحت هواجس دينية أو مذهبية أو عرقية وحتى مناطقية وعشائرية وعائلية وغيرها.

يتطلب وضع كهذا شن حملات توعية واسعة موجهة للفئات الشعبية، تتصف بالثبات والصلابة والوضوح، وبطرق مبدعة تناسب الظروف الملموسة. بات جل ما يمكن أن تفعله معظم القوى السياسية هو التمنع الخجول غير المثمر، الذي لا يخشاه من هم في السلطة، أو الذين يمسكون بأنواع أخرى من السلطات. وحين يُفقد الميزان الثوري تكون الغفلة عن حقيقة أن ضربات الأعداء تأتي بإرادتهم المستقلة، ولا يعيقها "حسن سلوك" القوة السياسية المستهدفة. من المؤكد أن العدوانية عندهم تتحرك لأسباب أيديولوجية عالقة في ذاكرة السلطات البرجوازية الطفيلية نفسها. ولا بأس في الإشارة هنا الى بعض العوامل التي يعيق عمليات التعافي من الحالات المؤلمة الراهنة، منها: وعود يقدمها الحزب السياسي للناس لإسترضاء أطراف سياسية أخرى ويتجاهلها بعد حين، وعدم التعفف عن إمتيازات يقدمها العدو الطبقي للقشرة السياسية الهشة في الحركة الثورية، وكثيراً ما يحاول الإنتهازيون إيهام وإسكات بعض الأصوات من خلال التأكيد على أن ذاكرة الشعب قصيرة. ينبغي عدم فقدان الحذر والدقة المرهفة أثناء التعامل مع السلطات، وكذلك عند تناول القيم الإجتماعية السائدة، بما فيها الشؤون والقضايا الدينية، والسعي للتخلص من العناصر الضارة في كل تصرفات وسلوك الحزب السياسي.

إن الإنهاك والدمار والبؤس الذي تعرض ويتعرض له الشعب العراقي والسوري والليبي والفلسطيني وغيرهم سياسة ثابتة للقوى الإمبريالية في منطقتنا. وعلى الرغم من كل التناحرات التي قد تقع بين الدول المهيمنة على الحياة الدولية فهي موحدة ضدنا، وذلك بسبب موقف القوى المسيطرة عالمياً على قوة المال ومصادر القوة الأخرى. يكون تخريب منطقتنا فعالاً حين تغيب الإرادة، التي تؤمن بأن موجات الإجتياح الإمبريالي مهما كانت عالية، فهي عاجزة عن إغراق الجميع، حتى في داخل البلد الواحد. إن قوة كل أنواع العدوان تكمن في نقص الوحدة الداخلية الضرورية لدى الشعب المعتدى عليه، وغياب علاقات العمل المشترك المجدي بين أبنائه.

ما وصل إليه حالنا في معظم دول منطقتنا بحد ذاته يستلزم إستخلاص خبرة راسخة، تؤكد على أهمية الحريات في خلق الإنسان المتوازن على الصعد كافة، وينبغي فرض إقرار الحريات وممارستها، ليس على نطاق الحكم فقط، وإنما دخل الأحزاب الوطنية والطبقية نفسها أيضاً. والتأكيد على إن الديمقراطية البرجوازية لا تحقق الحريات، لأنها لعبة تمويهة في البلدان التي لم تحقق قدراً مناسب في التقدم الإقتصادي والثقافي، وينبغي أن نعزز الثقة بحقيقة أن الحريات لا تمنح إنما تنتزع. وفي هذا الميدان بالذات وقعت مناكدات ومنكفات، وحتى حالات من الإحتراب غير المفيد.

ومن السلبيات المعطلة والمعرقلة ما يبرز من تراشق بالإتهامات بين القوى التي تدعي أنها تقف في جبهة واحدة أو أقرب الى بعضها البعض. يستند ذلك التراشق على "الجملة الثورية" الفارغة تارة، وأخرى على النزعة الإصلاحية التصفوية تحت حجة التأكيد على "أهمية إعتماد المناهج الواقعية".

إن الإشكالية الرئيسية بين تلك الأطراف تتمثل في أن الصراع بينها لم يكتسب الجدية المطلوبة والضرورية، التي تستند على وعي متفتح، وتعرف طبيعة الوسائل المعتمدة للتغيير الثوري الملموسة، وتعمل على خلق واقع جديد يعالج إختلال ميزان القوى. إن المعركة الحالية تشبه للحدود بعيدة صراع الفلاسفة المسلمين مع أخوانهم المتكلمين، أي ليس على تحقيق حياة أفضل على الأرض، إنما حول العلة الفاعلة والمحركة الأولى، فالفلاسفة يطرحون أسئلة جادة يجتهدون بصدد إثباتها، والمتكلمون يطرحون قناعة قبل البحث ويجتهدون لإثباتها ـ إثبات مقدماتهم.

وفي بلادنا يكثر الوعاظ والمتوشحون بالدين الذين يكثرون من الإستشهادات: قال الله وقال رسوله، وينسوهما معاً عند المصلحة الذاتية، بما فيها المصلحة الصغيرة جداً. وفي حالنا يكثر البعض من: قال ماركس، قال لينين، قال بليخانوف ... الخ. ولكنهم لا يجهدون النفس في التعمق والإسترشاد والإقتراب الحقيقي من الأفكار الإشتراكية، والتعامل معها كنظام فكري متكامل يعطي إهتماماً لكل جوانب الحياة، وليس مجرد بضع مقولات وقوانين عامة دون حياة. ويظل الفرق شاسعاً بين مَنْ يدرس الظواهر للتعرف عليها وإستخلاص العبر والأحكام منها، مسترشداً بأهم المناهج التي توصل إليها العقل البشري، وبين مَنْ يُطلق أحكاماً ويسعى جاهداً لإثباتها، وربما حتى دون التفكير بها. وفي كل الأحوال تظل مهمة تغيير الحال والأساليب التي تُعتمد في ذلك التغيير هي الأكثر أهمية، لأنها تمس الحياة الفعلية وآفاقها اللاحقة مباشرة.

لا أقول إن الأجيال الأولى من الشيوعيين في البلاد العربية أداروا معركة التغيير الإجتماعي على أكمل وجه، وتعمقوا في فهم الإشتراكية العلمية، وأدركوا الفروقات بين النظرية والتطبيق، وفي العمل على فرض التغيير الإجتماعي بالأساليب المشروعة وفق نظرية الإشتراكية العلمية حول الثورة. ولكنهم خلقوا على الأقل من الزاوية الأخلاقية والممارسة النضالية توافقاً بين السلوك الذاتي والموقف العملي المطروح، وبين المساعي والإدعاءات النظرية، وتفهموا بفطرتهم الثورية الصافية طبيعة العلاقة الجدلية بين التطور والتقدم والثورة الإشتراكية، وهذه أمور لا أرى وجوداً مناسباً لها في معظم المواقف المطروحة حالياً، ولا حتى في ضفافها، هذا ناهيك عن حق الإبداع والإغناء، والثقة بالقدرة عليه، أو العمل على صب الجهود بإتجاهه.

على سبيل المثال، كانت قيادة فهد (يوسف سلمان يوسف) مؤسس وقائد الحزب الشيوعي العراقي، ترى بتحريك المطاليب البسيطة تمريناً ثورياً شديد الأهمية للطبقة العاملة وللشعب كله، وهي لا تستهين بالمطاليب الشعبية بل تتبناها بقوة، مثل: بناء مستوصف صحي في قرية ما، أو المطالبة بزيادة اجور العمال، خاصة في المشارع الكبرى والأجنبية منها بصفة خاصة، أو كتابة العرائض المطلبية التي تخص محلة سكنية ما وغير ذلك. تلك الممارسات أعطت للحزب نفوذاً وهيبة ومصداقية بين أوساط الشعب عامة، وبين العمال والفقراء خاصة، وبين المثقفين أيضاً، وجرت تلك الممارسات ضمن تصور عام عن حقيقة الصراع الإجتماعي والنظر صوب الإشتراكية. لم يتمرس حالياً بعض الثوريين على تلك الأساليب في مرحلة التداعي الحالية، وقسم يسخر منها. إن قيادة فهد ولحد ما قيادة سلام عادل بعده قد تجاوزت في التطبيق عثرات التوافق بين التقدم والثورة، فلا إرتماءً بالنزعة اليسارية الطفولية، ولا في الممارسة الإنتهازية اليمنية التصفوية، هذا دون أي تجاهل لبعض النواقص التي وقعت، وهي في الغالب من صناعة النشاط الثوري اليومي نفسه.

إن الفرز بين الموقف الإشتراكي العلمي وبين الموقف الإصلاحي، والتفريق بين الفهم الثوري والفهم الإنتهازي اليميني الإصلاحي في أبسط درجاته، يقوم على إعتبار الموقف الإصلاحي هو مجرد منتوج ثانوي مقطوع للنضال الإجتماعي، ويعتبر ما يتحقق من إصلاحات هو نهاية المطاف والهدف والطموح، أو هو كل ما يجب النضال من أجله، ويسعى لعزل التطور أو التقدم عن الصراع الإجتماعي ـ الطبقي.

بإختصار أن الموقف الإصلاحي لا يعالج أي حالة مرضية بصورة حاسمة، بل يكتفي بضخ المسكنات للحد من قوة الآلام، وللتمويه على الإستغلال الجائر. بينما الموقف الإشتراكي لا يرى تناقضاً بين الإصلاح والثورة، إذا نُظر الى الإصلاح كمكسب آني، وضمن الصراع الطبقي التاريخي، ويصب في طريق السعي لبناء الإشتراكية، وإن البرنامج الإشتراكي هو الحل الحاسم للأزمات المحلية وفي الإطار الكوني أيضاً، وتنظر الإشتراكية بواقعية الى التضامن الأممي، ضمن مهمة أن الطبقة العاملة في كل بلد، بإعتبارها هي التي تحرر نفسها بنفسها. يحاول رجعيو بلادنا الجدد ومعهم القدامي أيضاً، اليوم إستخدام كل الذخيرة التاريخية للحجج والأوهام لوضع مفهوم الإصلاح مقابل الثورة الإجتماعية وبديلاً عنها.

إن الطبقة العاملة عندنا لم تصل الى درحة تنظيم نفسها على أساس طبقية حقيقية وفعالة وواضحة، وتفهم دورها التاريخي في الثورة، وإن الأحزاب العمالية من جانبها لم تعالج كما ينبغي ضعف علاقاتها الملموسة مع الطبقة العاملة، وتحديداً مع الأقسام الأكثر تقدماً ووعياً منها، ولم يجري تنشط العمل النقابي، خاصة بعد توقف البناء الصناعي والزراعي في بعض الدول العربية، وتوجد تهديدات حقيقية لوجود الطبقة العاملة أصلاً ، وإن أعداداً من العمال والعماليين قولاً لم يتحرروا من النوازع والطموحات والتطلعات البرجوازية.

يسعى الثوري الحقيقي لزج الطبقة العاملة في معارك من أجل حقوقها الراهنة والبعيدة المدى، ويعمل على إنعاش مزاجها الثوري وقدرتها على تقديم التضحيات اللازمة. بينما يجد الأصلاحي كفايته في بعض التحركات المطلبية والإقتصادية المحدودة الأفق والدور والآمال. كما لا يميز الإصلاحي بين الدور في قيادة الممارسة الثورية وبين قيادة نقابة أو حفلة سياسية مجازة، ولا يدور في إهتمامه العمل على إحكام العلاقة بين النظرية والممارسة الثورية، ولا ضرورة إحترام دور المثقفين والمبدعين في النضال الطبقي، ولا يحذر في الوقت نفسه من المثقفين المعزولين عن الواقع والحياة في مواقع الإنتاج.

يستخف الإصلاحي بقدرة العمال على فهم النظرية الإشتراكية العلمية، واستيعابها بطريقة خلاقة، بينما يعترف الثوري بأن الوعي الطبقي لا ينشأ تلقائياً، ولا تحصيل حاصل في كل الظروف والأوقات، كما إن الفقر وحده لا يولد بالضرورة حالات نضال ضده عند مجموع الفقراء والكادحين، وإن العمال أنفسهم مختلفون في حالات المد الثوري عنهم في أوقات الإنحسار والجزر، وكذلك الحال بصدد سعة شعبية الحزب الثوري، فإنها مختلفة في ظروف النضال السلبي عنها في ظروف السلطة الإشتراكية، ولكن الثوري يثق دائماً بأن النظرية الثورية وإيصالها الى وعي وضمير المعنيين يخلق ظروفاً جديدة ومناسبة للثورة الإجتماعية. ومن جانب آخر الإصلاحي يمنح التكتيك الآني صفة وموقع الهدف الإستراتيجي، ويضخم الشعارات ويزدري الممارسات الثورية العملية.

في كل الأحوال، إن إستنفاذ القوى الوطنية واليسارية لبعضها البعض موقف لا يخدم الكادحين ولا الوطن كله ولا أياً من الأطراف المعنية، هذا التصور لا ينبغي أن يشل في الوقت عينه النقد البناء للأخطاء بكل دراجاتها، وأعتقد أن النقد غير الدعاية الجائرة، خاصة أن بعض البلدان في منطقتنا تمر بحالة من تصاعد السخط والغضب والإحتجاج الشعبي، الذي يحمل طابعاً إجتماعياً، ولكنه مازال غير واضح المعالم تماماً، ومن أبرز مسببات الوضع الغائم هذا غياب التنظيم الذي يصقل الإحتجاح ويرفع وتيرة.

على الثوري الحقيقي والواعي أن يتعامل مع شروط خلق الثورة الإجتماعية كما يتعامل النحاة مع صخرته أو المواد الأخرى المتوفرة لديه، أو كما يتعامل الرسام مع ريشته بمنتهى الحذر والدقة والذوق والإخلاص، أو كما حال الطبيب الجراح مع مشرطه. على الثوري أن يكون حريصاً على مبادئه وقيمه وثقته بنفسه ورفاقه، كما يثق كل مبدع بفنه، ويفتح في الوقت نفسه أذنيه للنقد والتقويم. أن أي خطأ لا يعالج بالوقت المناسب يشوه اللوحة كلها، ويترك إنطباعاً مشؤوماً عند المعنيين والعابرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القيمة الرأسمالية
فاخر فاخر ( 2017 / 8 / 8 - 22:18 )
بالإذن من السيد عبد الحميد برتو أرد على السيد ستار الدوري
جميع علماء الإقتصاد اتفقوا على أن قيمة البضاعة هي دائما وأبداً تساوي بالضبط قيمة العمل البشري المختزن في البضاعة وكلما زاد دور الأداة في خلق البضاعة كلما نقصت قيمة البضاعة بنفس المقدار

اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب