الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفكيك مدحت صفوت في السلطة والمصلحة( قراءة في كتاب)

ممدوح مكرم

2017 / 8 / 10
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


[1]
في عام 2001م وفي نادي أدب قصر ثقافة أسيوط، جمعني اللقاء الأول بمدحت صفوت، هذا الشخص الذي يبهرك بقدرته على الحديث والإقناع، ورغم صغر سنه آنذاك إلا أنه كان يمتلك ثقافة واسعة، ونهمًأ للقراءة غير مسبوق، ومن هذه الفترة تعمقت علاقتي بمدحت صفوت على المستوى الشخصي، وأُطلق علينا في نادي أدب قصر ثقافة أسيوط لقب" التوأم" و " الاتنين اللي بيكلموا بعض" بدأنا نتبادل الكتب والآراء والأفكار؛ حيث كانت تؤرقنا أسئلة وجودية صعبة، قرأنا ساعتها في كل شيء، ولم نتوقف عن قراءة شيء، وكان يوم الجمعة بمثابة لقاءٍ أسبوعي( صالون ثقافي) نتبادل فيه ما قرأناه عبر الأسبوع، وكان يشاركنا أصدقاءٌ آخرون ممن انضموا إلى ( شلتنا) .
كانت أفكار ما بعد الحداثة وتيارها أخذت بتلابيبنا، وبدأنا نتحدث عنه بحماس في نادي أدب قصر ثقافة أسيوط، ونادي أدب كلية الطب، ونتحدث عنه في جلساتنا الثقافية، كنا نُنظَّر بسذاجة ونُبَشَّر به في الأدب والفن، ونخوض غمار المعارك النقدية في أندية الأدب، ونتذوق الأدب من خلال جمالياتنا نحنُ ومن خلال تمردنا وثوريتنا العنيفين عصرئذٍ!
كنا نجمع خليطا معرفيًا غريبًا من الماركسية والوجودية والتراث والحداثة والسياسة والأدب ...إلخ، حتى بعد أنْ ترك مدحت أسيوط واستقر بالقاهرة، لم تنقطع العلاقة، فعندما آتي إلى القاهرة لابد من رؤية مدحت، بل والإقامة معه، وكذلك عندما يأتي هو إلى أسيوط في أيام الأعياد أو المناسبات العائلية.
مدحت عمل بالصحافة منذ وقت مبكر عبر سلسلة من المقالات المهمة في جريدة القاهرة( التي تصدر عن وزراة الثقافة المصرية) وكنا حريصين على قراءتها بسبب ما كانت تخوضه من معارك متعلقة بالتنوير في بداية الألفية خاصة مقالات الدكتور محمد شحرور( المفكر السوري) ومحمد شبل، وغيرهم. من هنا بدأت رحلة مدحت كاكاتب متميز خاصة في مجال النقد( بعد أنْ هجر الشعر مليًا) بل وكان متواجدًا على الساحة النقدية في القاهرة منذ وقت مبكر عبر حضوره الندوات في الأمسيات الثقافية ومداخلاته ومشاغباته المعتادة التي لا تختلف كثيرًا عن أسيوط ولكنها كانت أكثر نضجًا، وذلك بعد تراكم خبرة ومعرفة ثرية وغنية، تم تتويجها في الدراسات العليا، وأطروحة الماجستير التي انبثق منها : السلطة والمصلحة: استراتجيات التفكيك والخطاب العربي، بالإضافة لسلسلة من المقالات المهمة في الأخبار اللبنانية والخليج الإماراتية، واليوم السابع القاهرية.
[2]
السلطة والمصلحة هو: حصيلة تراكمات معرفية لـ" مدحت" عبر أعوام من الدأب، بدأت من أسيوط كما أشرت في المقطع الأول، بدأت عندما عرفنا قيمة الفلسفة، وعرفنا قيمة فوكو والبنيوية، وعرفنا ماذا تعنى الحداثة بالنسبة لنا كعرب؟ وما هي ما بعد الحداثة؟ و" جاك دريدا" ...إلخ أعرف أنَّ كل تلك المسائل كان بذهن مدحت وهو يختار موضوع أطروحاته/ كتابه فيما بعد ومن هنا يأتي التميز وهو: وعي الباحث ماذا يريد أنْ يفعل؟ وكيف يخطط موضوعه؟ ومن أين يبدأ؟ وبأي منهجيةٍ سيتم التعامل مع بحثه؟ وهو ما نجح فيه باحثنا بشكلٍ كبير مما أعطى لهذا الموضوع تميزه وألقه.
عالج " مدحت" عبر 208 صفحة بالفهرس، موضوعه من خلال: مدخل نظري وبابين، وبشكل مكثف ومعمق أيضًا، ومستنطقًا لبعض مقولات ونصوص التفكيكيين؛ رغم أرق المصطلحات الذي نعاني منه، وفتنة الترجمة!
وقد يستغرب القارىء العزيز العنوان، ويتساءل ما علاقة السلطة والمصلحة بالتفكيك واستراتجياته بالنقد الأدبي؟! أقول للقارىء للعزيز لا تتعجل هناك علاقة وثيقة بين المعرفة كنسق وسلطة في ذات الوقت؛ تخفى ورائها مصلحة عبر قراءة مغرضة لنص ما أو تفسيرٍ مغرض لظاهرةٍ ما( ما يمكن أنْ نسميه بالنزعة الأيديولوجية التي تحدث عنها تفصيلا انطونيو جرامشي) والأدب والفن والدين والفكر والفلسفة أكثر الظاهرات الإنسانية يمكن أنْ تخضع للأيديولوجية ومعاييرها، ومن هنا تتمذهب الأطر وتظهر المدارس بناء على شروخ أفقية ورأسية في بناءات المجتمع التحتية!
ويلخص مدحت صفوت فكرة عنوانه صـ 178 حيث يقول" ولكي نستجلي حدود وآفاق الفضاءات السسيو-ثقافية للخطابات التفكيكيكة، سنبحث عن آليات مفهومين داخل الخطاب التفكيكي وهما: المصلحة والسلطة؛ مصلحة الباحث التفكيكي وخطابه معًا، والسلطة التي تقاوم أو تساند تلك المصالح، مؤكدين أنَّ المصلحة قد تكون هدفًا ماديًا أو معنويًا، خطابيًا أو واقعيًا، ومشيرين إلى إمكانية تحديد طبيعة الأهداف/ المرامي وتصنيفها من الناحية القانونية والأخلاقية إلى مصالح مشروعة، وأخرى غير مشروعة، إلا أنه يتعذر بشكل كبير مثل هذا التحديد/ التصنيف في مجال الدراسات النقدية اللغوية" ويشير الباحث في هامش (2) في ذات الصفحة إلى: أنه يكشف عن الإطار والقماط الأيديولوجي للخطابات قيد الدراسة والبحث.هذا هو ما يريد أنْ يقوله عنوان الكتاب الذي صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2016م.
في إهداء الكتاب ما يلفت النظر( على الأقل نظري شخصيًا) " إليهما وراد محفوظ، والحسيني أبو ضيف" وأنا أعرفهما حق المعرفة، الأول هو عم الباحث، والثاني صديقنا المشترك والذي عرفناه في قصر ثقافة أسيوط، وانضم إلى حلقتنا التي كانت تضيق وتتسع حسب الأحوال والظروف.
في المدخل عالج الباحث عدة قضايا عن مفهوم الحداثة وما بعدها ، مفهوم التفكيك ومعارضته من قبل بعض الأصوات الغربية، وكان المدخل حسب وصف الباحث" خيانة مؤقتة وخطأ ضروري" كي ندخل إلى التفكيك فعلينا أنْ نخون التفكيك ذاته!
في الباب الأول: عَرَضَ لـ التلقي النظري لإجراءات التفكيك ومقولاته، وعبر ثلاثة مباحث تحدث عن:-
المبحث الأول:استراتيجية التفكيك.. صياغة عربية( القراءة المدخل، محاور ملفات بالدوريات، التفكيك والمقولات، التقديم عبر عبر جاك دريدا).

المبحث الثاني: معارضة التفكيك: أصوات عربية( توثين دريدا..البدء والمنتهى، مناصرة البرجوازية والتسويق الجيد، المساءلة السياسية).
المبحث الثالث: التفكيك والترجمة: عرض في هذا المبحث للإشكاليات المتعلقة بالترجمة لمصطلحات ومقولات التفكيك، ولفظة التفكيك ذاتها وما يرتبط بها، وهو من أمتع مباحث الكتاب.
الباب الثاني: وهو التطبيق للإطار النظري الذي تم خطه سواء في المدخل أو الباب الأول، وعنوانه: التلقي التطبيقي لمقولات التفكيك وإجراءاته. وعالج في ثلاثة مباحث عدة نقاط مهمة هي:
المبحث الأول: التفكيك خطاب، ممارسة، تأويل، مقاربة و قراءة.
المبحث الثاني: إشكالية التقديم النظري.
المبحث الثالث:الشبكة المفاهيمية والفضاء السيسو-ثقافي للخطاب التفكيكي.
وأخيرًا ثبت بقائمة المصادر والمراجع العربية والأجنبية، والدوريات والصحف والمواقع الالكترونية.
[3]
لا يمكن أنْ بالقطع أنْ أخفي تحيزي للكتاب ولا للباحث، فالكتاب على كثاقته وصغر حجمه إلا أنه استطاع تقديم التفكيك بشكل ممتاز، عن تلك الكتب الضخمة، بل الميزة الأهم هو تفكيك خطاب التفكيك ذاته وفضح أيديولوجيته الزائفة رغم أنَّ التفكيكيين يزعمون أنهم عابرون للأيديولوجية، وأنَّ دريدا أصلا هدم فكرة المركز وبشر بانهيار ما يسمى بالسرديات الكبرى، إلا أنٍّ مدجت صفوت استطاع فضح ذلك خاصة التفكيكيين العرب، وفي ذات الوقت فضح الخطاب الأيديولوجي الزاعق المعارض للتفكيك خاصة( الدكتور عبد الوهاب المسيري، والدكتور عبد العزيز حمودة) بل لا نبالغ إذ نقول أنهما انطلقا من رؤى أقرب للرجعية والمحافظة رغم محاولة إدعائهما المنهجية والتقدمية والبحث عن إطار نظري علمي يأخذ في الحسبان ما يزعمونه من خصوصية تميزنا عن ( الآخر الغربي).
لكن ما غاب عن مدحت صفوت هو أزمة الفكر الغربي والفلسفة الغربية عمومًا، وهي أزمة ارتبطت بأزمة الستيينات والسبيعيات وتحديدًا منذ العام 1968م( انتفاضات الطلاب) وأزمات اليسار التقليدي في طبعته السوفيتية(الستيالينية) وطبعته الديمقراطية( الكاوتسكية والفابية) وهو ما عكس نفسه على الحركة العمالية والنقابية، ومن ثم انتقل الصراع والجدل إلى الحركة الثقافية والفكرية، مع تعفن الرأسمالية( بتعبير لينين) أصبح الفكر والفلسفة تحديدًا المجالات الأكثر تعبيرا عن الأزمة، من هنا كانت حالة القلق الكبير الذي ساد تلك الحقبة والتي فسرها البعض باستخدام الـ ما بعد.... وعلى مستوى العلم كان ظهور الكوانتم ومبدأ عدم اليقين في ميكانيكا الكم في الفيزياء أمر بالغ التأثير وهو ما عكس نفسه بشكل غير مباشر على الأفكار، هذا المناخ العام الذي سادت فيه أفكار دريدا متزامنًا مع تراجع اليسار، وحرب فيتنام وأزمات التضخم الركودي في السبعينات...إلخ
وعندما بدأ هذا المناخ ينقشع بالتدريج بدأ التفكيك يتوارى!
تنويه
مدحت صفوت تم فصله تعسفيًا من عمله في جريدة اليوم السابع، مع اثتين من زملائه بسبب مواقفهم من بيع جزيرتي تيران وصنافير.


على كلٍ هو كتاب يستحق القراءة، ويستحق التأمل.
ممدوح مكرم
أبنوب في 23 يوليو/ تموز 2017م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان: متى تنتهي الحرب المنسية؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. الولايات المتحدة: ما الذي يجري في الجامعات الأمريكية؟ • فران




.. بلينكن في الصين: قائمة التوترات من تايوان إلى -تيك توك-


.. انسحاب إيراني من سوريا.. لعبة خيانة أم تمويه؟ | #التاسعة




.. هل تنجح أميركا بلجم التقارب الصيني الروسي؟ | #التاسعة