الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكاليات المجتمع المدني والمجتمع السياسي والديمقراطية

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2006 / 2 / 9
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


بسبب حداثة التجربة بعد انهيار النظام الدكتاتوري الذي هيمن لعدة عقود، ما تزال المكتبة العراقية تعاني من قلة الدراسات والمؤلفات التي تبحث في موضوع المجتمع المدني، وهو موضوع حيوي وهام جداً، يرتبط وثيق الإرتباط بالنظام الديمقراطي. وتبرز الحاجة الماسة لمثل هذه المؤلفات في عراق اليوم، الذي نطمح أن يكون عراقاً حراً ومستقلاً وديمقراطياً،اَمناً ومستقراً، أكثر من أي وقت اَخر.

" بعض إشكاليات المجتمع المدني والمجتمع السياسي والديمقراطية" لمؤلفه الباحث الأكاديمي العراقي د. صالح ياسر،من منشورات:" طريق الشعب"، سلسلة " قضايا فكرية"، بغداد، 2005، مساهمة جادة وقيمة في مجال المعرفة ونشر الوعي بموضوع المجتمع المدني والإشكاليات المرتبطة به، التي ظلت لحد الآن غامضة، وتتطلب معالجة متأنية وحصيفة. وهو رغم قلة صفحاته (90 صفحة) بحث علمي رصين، يسعى لتوضيح ثلاث اشكاليات: المجتمع المدني، والمجتمع السياسي، والديمقراطية، التي ترتبط وثيق الإرتباط فيما بينها. ولتوضيح هذا الترابط يقوم الكاتب بتحديد مضمون كل إشكالية، وصولاً للكشف عن طبيعة العلاقة الناشئة بين المجتمع المدني والدولة والتغيير الدائم فيها،وهي علاقة تتغير وتكتسي بأشكال ومضامين متنوعة بفعل عوامل متعددة، يوضحها المؤلف.
يشتمل المؤلف على مقدمة و 7 مباحث وخاتمة.
كرس المبحث الأول لمفهوم المجتمع المدني وتعريفه، ساعياً لتأصيله في الإطار المفاهيمي عبر إعادة صياغته وتحديد مدلولاته النظرية، ورصد مكوناته المعرفية، مبيناً بأنه ليس هناك مفهوم ثابت وجامد وناجز وقابل للإستخدام في كل زمان ومكان، وإنما هو مرتبط بتأريخ نشأته، وبالإشكاليات النظرية، وبنوعية المناظرة الفكرية، وبالصراع الإجتماعي. وضمن هذا النهج يتناول دور المجتمع المدني، ووظائفه،ومكوناته.

ويستعرض المبحث الثاني، وعنوانه" حول المجتمع المدني- تأريخية المفهوم والإشكاليات العامة"، ولادة مفهوم المجتمع المدني والتطورات والتمايزات التي طرأت عليه تأريخياً، محاولاً تحقيب سيرورة التطور التي شهدها هذا المفهوم وإستخداماته منذ نشأته حتى اليوم، ماراً بعدة مراحل:المرحلة الأولى (القرنين السابع عشر والثامن عشر) حيث يظهر مفهوم المجتمع المدني كنقيض لمفهوم الطبيعة والمجتمع الطبيعي، وإرتباطه فيما بعد بمفهوم القانون والعقد الإجتماعي، والسياسة المدنية الحديثة.أما المرحلة الثانية، فتشمل القرن التاسع عشر، وإنتقال السياسة من ميدان الديني والعرفي الى ميدان الإجتماعي،أي جعلتها حقيقية وإنسانية تعاقدية، وطرحت مسائل جديدة على المجتمع،مثل إعادة بناء العلاقات الإجتماعية ،أي إعادة بناء المجتمع المدني.ويسلط الباحث الضوء على رؤية هيغل للمجتمع المدني، الذي يعتبر الأسرة، والمجتمع المدني، ميداني فهم للدولة، وميداني نهائيتها.ويتوصل الى خلاصة مفادها ان الأساس التأريخي لمفهوم المجتمع المدني، ضمن إرتباطه بالواقع البرجوازي، وضمن الشروط التأريخية التي تشكل فيها، يقوم على اساس مضمون الحياة المدنية الحديثة والمعاصرة، الذي جوهره التحرر السياسي، وعلى التمييز بين الإنسان المطلق والإنسان الديني،أو بالأحرى على إنفصال وإستقلال الإنسان الديني، عن مواطن الدولة المدنية.وإن التحرر السياسي قلما يقضي على التدين الفعلي للإنسان، مثلما لا تعني العلمانية الإلحاد.ويقوم المجتمع المدني على أساس إحترام حقوق الإنسان، وهي جزئياً الحقوق السياسية، ومضمونها يكمن في المشاركة السياسية في الدولة .والمجتمع المدني هو مصدر السلطات، الذي لا يتحقق كمبدأ،إلا في ظل سيادة الديمقراطية.وهو مجتمع الإختلاف، والتعدد، والتعارض، والتناقض داخل بنيانه، وهياكله الإجتماعية والسياسية.ويشرح البرنامج الثوري لماركس الذي يطرح التخطي الجدلي للتناقض المزدوج بين المجتمع المدني والدولة السياسية البرجوازية.
وتشمل المرحلة الثالثة النصف الأول من القرن العشرين، وذلك في إطار إحتدام الصراع الثوري، وفي سياق إعادة بناء الأستراتيجية الثورية في مجتمعات أوربا الصناعية.ويعتبر الباحث ان المفكر الإيطالي الشيوعي أنطونيو غرامشي يعتبر أكبر مسؤول عن تطوير هذا الإستخدام الجديد ، الذي ترك أكبر الأثر على المفهوم كما يستخدم اليوم بعد إستبعاد عناصر فلسفية وعقائدية كثيرة منه. ويوضح طروحات غرامشي بشأن المجتمع المدني في إطار نظرية السيطرة والهيمنة، حيث إعتبر المجتمع المدني على الصعيد المفاهيمي أحد مكونات البنية الفوقية.ويشرح بالتفصيل مفهوم الهيمنة وجوهره.
أما المرحلة الرابعة فتشمل العقدين الأخيرين من القرن العشرين والآن، التي شهدت إعادة إكتشاف المفهوم من تراث غرامشي، لكن بعد تنقيته من بعض القضايا التي كانت موضع سجالات ساخنة خلال المراحل السابقة.فالمقصود بالمجتمع المدني كما يستخدم اليوم تلك الشبكة الواسعة من المنظمات التي طورتها المجتمعات الحديثة في تأريخها الطويل والتي ترفد عمل الدولة.ويذكرنا الباحث بان الإستخدام المعاصر لمفهوم المجتمع المدني قد مر هو نفسه بثلاث فترات رئيسية: الأولى- هي فترة الإنفتاح على المجتمع المدني من قبل الأحزاب والقوى والنظم السياسية بهدف ضخ دم جديد في السياسة وإضفاء طابع شعبي عليها بدأت تفقده.الثانية- هي فترة التعامل مع المجتمع المدني بوصفه منظمات مستقلة موازية للدولة ومشاركة في تحقيق الكثير من المهام التي تهم هذه الأخيرة بالتراجع عنها.وهذا المفهوم يتوافق مع إنتشار مفهوم العولمة.الثالثة- فترة طفرة المجتمع المدني الى قطب قائم بذاته ومركز لقيادة وسلطة إجتماعية، على مستوى التنظيم العالمي بشكل خاص، في مواجهة القطب الذي تمثله الدولة- الدول المتاَلفة في إطار سياسات العولمة والنازعة الى الخضوع بشكل أكبر فأكبر في منطق عملها للحسابات التجارية والإقتصادية.
وعلى ضوء مجموعة من الأطروحات التي تناولها الباحث يعرف المجتمع المدني بأنه عبارة عن مجموعة من المؤسسات، التي تقع خارج شبكة سلطة الدولة، تتيح للقوى الإجتماعية العاملة في مجالات الإقتصاد والحياة الثقافية والآيديولوجيا والسياسة ان تنظم نفسها بشكل حر بحيث تستطيع ان تلعب دورها في التطور الإجتماعي.وهو مفهوم يتجاوز مجرد التغيير السياسي.

المبحث الثالث كرس لمفهوم "المجتمع المدني العالمي"، الذي بدأ في الظهور في السنوات الأخيرة، في سياق طائفة من الأوضاع والتحولات العالمية على الصعيدين السياسي والفكري، ضمن مرحلة جديدة شهدت بروز معلمين أساسيين، هما:إنهيار نظام القطبية الثنائية، وبروز ظاهرة العولمة وما طرحته وتطرحه من تحديات وإستحقاقات تطول المجتمع.ويتناول العوامل الكامنة وراء نشوء هذا المجتمع، ويستعرض الطروحات التي شرحت وفسرت نشوءه،وهي تختلف بإختلاف المرجعيات النظرية والتأريخية. ويركز على مقاربة المفهوم، حيث تقوم المقاربة الأولى على أساس النظر الى "المجتمع المدني العالمي" بإعتباره جزء من تجليات مشروع العولمة، وبإعتباره مستوى مواكباً للمستوى الإقتصادي لهذه الظاهرة.وتقوم المقاربة الثانية، وهي مناقضة للأولى، على النظر لهذا المجتمع بإعتباره جزء من عملية أوسع، هي النضال المشترك من أجل العدالة الدولية والسلام العالمي..ويفرز ابرز علائم المجتمع المدني العالمي ، والعناصر الأساسية التي جعلت ولادته ممكنة.

أما المبحث الرابع، وعنوانه:" الدولة- المجتمع السياسي/ بعض الإشكاليات المرتبطة بمضمون الدولة" فيحاول إعادة التفكير بطبيعة الدولة والسعي لوضعها في مكانها الطبيعي ضمن التطور التأريخي الملموس، أي مقاربتها تأريخياً، ضمن مسعى الرد على الأطروحة السائدة حول حدوث قطيعة بين الدولة والمجتمع المدني.ويفرد حيزاً وافياً لطبيعة العلاقة ما بين الطبقات الإجتماعية، المحددة أساساً وإعتباراً لموقعها ضمن البنية الإقتصادية، وما بين السلطة السياسية من خلال الدولة.

ويركز المبحث الخامس، الموسوم:" الديمقراطية: بعض الإشكاليات العامة"، على الرابط بين الديمقراطية والمجتمع المدني، ويسعى للتأكيد على دور مؤسسات المجتمع المدني في العملية الديمقراطية، معطياً إجابة وافية لسؤال: ما هي الديمقراطية،ويشرح الآليات الأساسية التي أنتجتها التجربة التأريخية للديمقراطية كعملية للحكم وكإطار مؤسسي وليس كفلسفة ونظام إجتماعي، وهذه الآليات هي: التعدد التنظيمي المفتوح، وتداول السلطة السياسية، ومنظومة الحقوق والحريات العامة، واَلية المؤسسة.

ومن منطلق الحاجة الملحة للتمييز بين خصائص نشوء وتطور المجتمع المدني في البلدان المتطورة والبلدان النامية بشكل عام، والبلدان العربية بشكل خاص،يتناول المبحث السادس، وعنوانه:" المجتمع المدني والدولة السياسية في العالم العربي- بعض التعميمات" هذه الخصائص،ويسعى لتقديم خلاصات مكثفة للتطور التأريخي للدولة في العالم العربي والمسارت التأريخية الفعلية التي إتخذتها وساهمت بإحباط أية محاولة لنشوء المجتمع المدني، بأبعاده المعروفة عالمياً، في هذه البلدان، وفك الإشتباك بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي.ويعرض السمات الأساسية والخصائص المشتركة للمجتمع المدني في البلدان العربية.

وخصص المبحث السابع والأخير، الموسوم:" دور منظمات المجتمع المدني في التحول نحو الديمقراطية"، لدور هذه المنظمات في ظروف العراق الملموسة،أي لحظة تحوله نحو الديمقراطية في ظل عملية سياسية بالغة التعقيد، حيث يمر العراق حالياً بعمليتين مترابطتين، هما بناء المجتمع المدني والتحول نحو الديمقراطية، في ظل مخاطر وتحديات جدية تواجه العمليتين.ولحداثة التجربة يشير الباحث الى العوائق التي تواجه العاملين في هذا الميدان، ويدعو،بغية تجاوزها، الى ضرورة ان يستعيد المجتمع والجماهير العراقية شعورها بجدوى المشاركة وجدوى التضحيات، ولابد من زعزعة الأسس الإقتصادية والسياسية لعملية الفساد، وتكريس جملة الممارسات الحقوقية والتنفيذية التي تمنع كل أشكال التعدي على حقوق المواطنين، الفردية والجمعية،والمزيد من الحقائق الديمقراطية في الحياة السياسية، والحذر من تسطيح فكرة المجتمع المدني وتخفيضها وإختزالها الى جمعيات غير حكومية تهتم بقضايا جزئية، والتأكيد على إستقلالية هذه المنظمات،والنضال من أجل جعل حركة المجتمع المدني في العراق لا تنفصل عن حركة المجتمع المدني العالمية، ومواصلة منظماتها لعملها في مجال الإصلاح الديمقراطي، والقيام بخطط لنشر ثقافة حقوق الإنسان والمشاركة الديمقراطية، وتطوير الديمقراطية داخل هذه المنظمات، ودعم المجتمع المدني بكافة مؤسساته ومنظماته، وتفعيل الحوار بين مكونات المجتمع العراقي بهدف بناء عراق جديد على اساس ديمقراطي إتحادي يضم كل مكوناته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضباط شرطة يدخلون كلية مدينة نيويورك لاعتقال وتفريق المتظاهري


.. اقتحام الشرطة الأميركية جامعة كولومبيا واعتقال العشرات من ال




.. شرطة نيويورك تعتقل عددا من الطلاب المتظاهرين في جامعة كولومب


.. الشرطة في جورجيا تشتبك مع متظاهرين خرجوا ضد مشروع قانون -الع




.. الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطيني