الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حضرة الناظر وميسيوه بوسار

فاروق عطية

2017 / 8 / 16
كتابات ساخرة


مع هوجة نتيجة الثانوية العامة وتهنئة المتفوقين والمتفوقات، ومعمعة مكتب التنسيق والجري وراء كليات القمة رغم أن الجميع في النهاية سيكونون عاطلين ورواد للمقاهي كغيرهم من الخريجين الذين تخرجوا من أكثر من عشر سنوات وينتظرون أن تعينهم الحكومة والحكومة في واد آخر. تذكرت أيامنا الخوالي أيام مرحلة الدراسة الثانوية بعد الانتهاء من مرحلة الدراسة الابتدائية. كان التعليم في مصر يتبع وزارة المعارف العمومية، التعليم الابتدائي أربعة سنوات تنتهي بامتحان شهادة عامة لكل مديرية. الحاصل علي الابتدائية يحظى بكم هائل من الثقافة العامة في جميع المجالات تمكنه من العمل بالسلك الحكومي أو الشركات. ومن بريد مواصلة التعليم أمامه عدة طرق، الدراسة بالمدارس الثانوية خمس سنوات دراسية وتنتهي بامتحان عام علي مستوي المملكة (الجمهورية بعد حركة الضباط) للحصول علي شهادة التوجيهية (البكلوريا) التي تؤهله للوظائف أو دخول الجامعة أو الكليات العسكرية (جيش وطيران وشرطة)، أو معهد المعلمين لتخريج مدرسين للمرحلة الابتدائية، أو مدرسة الصنائع لتعليمه حرفة صناعية، وللبنات المدرسة الثانوية النسوية التي تؤهل الفتيات ليكن زوجات صالحات مستقبلا.
وكان الالتحاق بأي من هذه المدارس يتوقف علي مجموع الدرجات الحاصل عليها الطالب في شهادته الابتدائية وتحدد تلك المستويات بواسطة كل مديرية تعليمية. المتفوقون علميا مؤهلون للدراسة بالمدارس الثانوية أو أي من المدارس الأقل مستوي، المستوي التالي لمعد المعلمين، والمستوي الأدني للصنايع والنسوية للفتيات. كانت المصاريف الدراسية ستة جنيهات للسنة الدراسية، وكان معظم الطلاب لا يدفعونها أو يدفقعون نصفها أو ربعها، فهناك مجانية التفوق العلمي أو الرياضي، وعندما يقدم ولي أمر الطالب شهادة موثقة من 2 موظفين وشيخ البلد بأنه غير قادر علي الدفع لتدني دخله أو لوجود عدد من الأبناء له بالمدارس قد يمنح مجانية كاملة أو النصف أوالربع حسب الحالة. مقابل ذلك يمنح الطالب كل الكتب الدراسية والكراسات والكشاكيل والوسائل التعليمية والأقلام وريش الكتابة والأسنان الخاصة بها، حتي الحبر المستعمل في الكتابة توجد دوايات مثيتة بكل تختة يوضع بها الحبر يوميا.
في العام الدراسي 1950/1951 التحقت بمدرية طهطا الثانوية الأميرية (رفاعة الطهطاوي الآن) بالفصل الدراسي أولي أول. كان بالسنة الأولي خمس فصول كل فصل به 26 طالب، يلحق به الطلبه حسب مجاميعهم بالشهادة الابتدائية (الحاصلون علي 90-85% بالفصل الأول، من 84-80% الفصل الثاني، من 79-75% الفصل الثالث، من 74-70% بالفصل الرابع، من 69-65% الفصل الخامس). كنا ندرس بالسنة الأولي كل المواد: لغات تشمل اللغة العربية ولغة أجنبية أولي هي الإنجليزية ولغة ثانية هي الفرنسية، تاريخ وجغرافيا، رياضيات تشمل الجبر والهندسة وحساب المثلثات، العلوم وتشمل الكيمياء والفيزياء والأحياء، إضافة للرسم والدين والألعاب الرياضية، وكانت هناك أيضا حصتين كل يوم خمبس تخصص للهوايات.
كنا في الفصل زملاء دراسة وأصدقاء لا يعلم أي منا الفرق بين المسلم والمسيحي، نذاكر معا وندخل بيوت بعضنا البعض ونأكل طعاما واحدا ولا يفرقنا إلا ساعات النوم، نتعاون في السراء والضراء حتي لوكان تعاوننا هذا سيؤدي لبعض الخسائر.
كان يدرّس لنا اللغة الفرنسية مدرّس فرنسي هو في الأصل مستشرق شاب جاء لمصر لدراسة العادات والتقاليد المصرية فاستعانت به وزارة المعارف العمومية لتدريس اللغة الفرنسية بمدرستنا، كان إسمه ميسيوه بوسار، شابا في العشرينات من عمره إي أن الفرق في العمر بينه وبيننا لا يتعدي العشر سنوات، لذلك كان مرحا معنا وملاطفا ومصدقا لكل ما نقوله له. أذكر ذات يوم في حصته أحضر أحد الزملاء معه طبلة، أغلقنا باب الفصل من الداخل وقمنا بتحزيمه وقام بالرقص علي دقات الدربكة. سمع سكرتير المدرسة دقات الطبل وضحكاتنا وتهريجنا فأخبر الناظر الذي أتي إلي الفصل محاولا الدخول، ودق علي الباب فلم نفتح له حتي رن جرس انتهاء الحصة فهرولنا خارجين، وعندما سأل الناظر ميسيوه بوسار عن هذه الجلبة أجابه أنه كان بعلمنا إحدي الأغنيات باللغة الفرنسية. وقي يوم آخر سألنا عن تحية الصباح باللغة العربية، فقال له أحد الزملاء جملة بذيئة علي أنها صباح الخير، فرح ميسيوه بوسار بتعلم جملة عربية جدبدة، وفي صباح اليوم التالي صادف دخوله للمدرسة تواجد حضرة الناظر في طريقه، فبادره التحية بهذه الجملة البذيئة. صمت الناظر قليلا ثم سأله عمن علمه هذه الجملة، فأجابه إنه تعلمها من طلبة أولي أول. أتي حضرة الناظر إلي الفصل فقال مدرس الحصة قيام فوقفنا جميعا. تحدث الناظر عن الأخلاق والقدوة الحسنة واحترام المدرّس، وبعد المحاضرة سأل: من منكم الذي علم ميسيوه بوسار هذه الجملة البذيئة؟ فلم يجبه أحد. قال مرة أخري: من فعل ذلك عليه أن يتحلي بالشجاعة ولن أعاقبه لصراحته، فلم يجبه أحد. قال: إذا لم يخبرني أي منكم بالفاعل ستعاقبون جميعا، فلم يجبه أحد. صمت قليلا ثم قال: جميعكم مرفوتون لمدة أسبوع. ففرحنا بالقرار واتخذناه ذريعة للمذاكرة والتحصيل ونحن علي يقين أن المدرسين سيواصلون شرح المواد بالتسلسل.
في أحد الأيام كنا في طابور الصباح نحيي علم مصر ونهتف لملك مصر والسودان، حناجرنا تهتف بكل حب لمليكنا المفدي : يعيش ملك مصر والسودان.. يعيش يعيش يعيش، تبعه صمت رهيب فقد كان حضرة الناظر يمر بين الطوابير وإذ أحد الطلاب يطيح بيده طربوشه إلي الأرض. صمت رهيب وحضرة الناظر يقف في ذهول، لم يكم يتصور أن يقف في هذا الموقف الكوميدي التراجدي. انحني أحد الطلاب والتقط الطربوش ومسحه في قميصه وقدمه مع انحناءة لحضرة التاظر..فترة صمت رهيبة كأنها الدهر مرت علينا ونحن في وجوم وترقب لما سيفعله حضرة الناظر كرد فعل لما حدث. بعد لحظات استعاد حضرة الناظر جأشه وأومأ له أحد المدرسين إلي الزميل الفاعل وكان يقف خلفي في الطابور، لكن حضرة الناظر ظن أنني الفاعل فعاجلني بلكمة قوية في فكي أطاحت بمعظم أسناني فصرخت من الألم لأستيقظ وأجد عيني أم العربي ترمقني في اندهاش وغيظ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ذكريات جميله
أمير فؤاد توفيق ( 2017 / 8 / 27 - 18:57 )
ذكريات جميله عن زمن فات ودوله وتعليم جميل لم بعد موجودا الآن ونتمني أن يعود


2 - التعليم زمان
سهير علي ( 2017 / 8 / 27 - 19:04 )
ههههههههه وبعدين بقى ام العربى دى مستقصدانى كنت عاوزه اعرف اعتذر لك ولا لأ لما عرف الحقيقه
فعلا التعليم زمان كان تعليم بجد يقوم على الفهم وتشغيل المخ مش زى الايام دى حشو مناهج للصم وليس للفهم وتخريج أميين من الجامعات
صدقنى انا بأحزن لما اشوف الغلطات

اخر الافلام

.. جائزة العين الذهبية بمهرجان -كان- تذهب لأول مرة لفيلم مصري ?


.. بالطبل والزغاريد??.. الاستوديو اتملى بهجة وفرحة لأبطال فيلم




.. الفنان #علي_جاسم ضيف حلقة الليلة من #المجهول مع الاعلامي #رو


.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها




.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف