الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكيم المجنون

فارس حسن صالح الشنكالي

2017 / 8 / 17
الادب والفن


صديقي الذي يمشي منحني الظهر قليلا وشعره يشبه شعر اينشتاين ومشيته كمشية فقمة على لوح جليد ،ويبتسم دائما حد الجنون احيانا يبكي عند سماعه اغنية حزينة في جو ماطر ثم يمسح دموعه ويأتي الينا ويرقص رقصة مهرج، كلنا نضحك عليه ونصفه بالمجنون الحكيم ولكنه يدعي انه مختلف ولكننا متفقين على ان الجنون نفسه هو اختلاف، ومن يعتمد على عقله الباطن فقط نصفه بالحيواني بدل المجنون. كنا انا وهو نتحدث عن شيء اسمه الانسانية، كان يقول اني استطيع ان افدي بروحي لاجل طفل صغير، كنت اؤيده بعاطفة مفرطة احيانا تصل الا ان احضنه لشدة حماسي، وكم عدد المرات التي كان فيها يجد طفلا يذهب الى المدرسة بلا حذاء ويوقفه اثناء عودته ويعطيه ثمن حذائه ! وكم من طفل يتيم كان يعطيه الشوكولاه كل يوم، اذكر يوما ان امرأة مات زوجها في حادث سير ،وصديقي نفسه كان يسرق المال من تحت مخدة امه ليعطيه لتلك الامراة التي تملك خمسة اطفال وحين تسأله امه ما اذا رأى المال ام لا كان يقنعها بأنه زار احدى حبيباته والتي كانت امه تفرح حين ترى ابنها المجنون يستطيع ان يقنع الفتيات فكل ام تريد من ابنها ان يكون ذكيا على الاقل في الاقناع، كان يفرحه ان يساعد الناس ولكن المساعدة ايضا ليست الا انانية نعوض فيها ما حرمنا منه في حياتنا وحين كنت اقول له هذا الامر ،كان يرد علي بقوله "على العموم غاندي كان افضل من استالين على الرغم من ان كل واحد منهما كان يريد ان يدخل التاريخ ويصبح بطلا"، ولكني انا بذاتي كنت اعلم جيدا انه لا يحب الاضواء بل يريد فقط ان يصبح بطلا خفيا يساعد كل الايتام الذين يحتاجون الى احذية ومأوى ومؤن،وفي احد الايام اضطررنا بسبب حادثة ما ان نهرب من مدينتنا وان نعيش في منطقة ينعدم فيها كل شيء حتى قطرة ماء، المحظوظ فقط كان يملك الطعام والماء وفقدنا ما لم نكن نتوقعه ، لم يكن هناك اي شيء الا القليل من الخبز الذي حملناه معنا! وفي المنفى الذي ينتهي فيه كل شيء ،يبحث هذا البائس عن حيز يشغله،اذ ان من يخسر كل شيء دفعة واحدة لا يمكن له ان يخاف اكثر او ان يهتم بما يحدث، لا يمكن للمرء ان يعرف قيمة الحياة او سخفها الا حين يجوع او يتعرض للموت بطريقة او باخرى، وبعد يومين من هذه المحنة التي لا تنتهي مر صديقي البطل امام تلك المرأة الارملة وهي ما ان وجدته طلبت منه ان يعطي كسرة الخبز الذي بين يديه لطفلها الجائع لأن طعامهم قد نفذ، وقف حائرا وقطعة الخبز بين يديه ينظر اليها بأشمئزاز، ثم ابتلعها دفعة واحدة ! وتركهم يموتون جوعا
وقال متمتماً ان الحياة في هذه الظروف لا تجعل من الانسان وحشا بل تعطيه الحق في ان يكون كذلك . وبعد سنتين من انتهاء تلك المحنة .. انتحر !
وكتب في رسالة إلي: " ما من مبادئ يمكنني ان احتفظ بها،.. مبدأي الوحيد تركته خلف تلك الصخرة التي دفن تحتها ذلك الطفل اليتيم.... وداعا صديق "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة في عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2024 | يوروماكس


.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم




.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب


.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي




.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت