الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استعراض /استعراء/تطنيش

نور الدين بدران

2006 / 2 / 10
الادب والفن


استعراض /استعراء/تطنيش
بصراحة المرآة.
(1)
قالت العرب :"من أحب شيئاً ، أكثر الحديث عنه" وكأنها قالت: ومن لم يحب شيئاً تجاهله أو تناساه ،وبلغة الدارج اليوم طنشه.
ولنبدأ بالحب دائماً، لأن الحب صاحب ديمومة تتجلى في أدق التفاصيل وعلى مدار الساعة ، وليس في مناسبات ووفق ساعة المنبه وجرسها وربطه مسبقاً.
من يحب وطنه ، يكثر الحديث عنه جغرافيا وتاريخاً ، يفتتن بجماله ، يتألم لمواجعه، ولا ينقطع حديثه عن الارتقاء بذلك الجمال أو بطرق جميع الأبواب لخلاصه واستشفائه ، على الدوام وحسب ما يقتضيه كل من الأمرين.
(2)
المناسبات وجدت للفقراء جداً، كما أظن، أيضاً للعارضين والطارئين وشبه الميؤوس من امتلاكهم للديمومة، وحتى لا تبقى ذاكرتهم أو حياتهم ملعباً للنسيان أو الخواء، فقد ابتكرت القريحة البشرية حكاية الأعياد والمناسبات والذكرى الأولى (سنوية أو غير سنوية) والثانية وغيرها، والأعياد الفضية والذهبية والماسية ، وهو ابتكار كريم وذكي ، يشارك فيه أهل الديمومة ويدعمونه ويجددونه ويحترمونه.
ربما يكتفي بعضهم بيوم واحد للحب أو الوطن أو السعادة، ولا ضير في ذلك ، مادام اكتفى.
(3)
هناك نوع من الاحتفال بالمناسبات مختلف عما ذكر، إنه احتفال الاستعراء أو الاستعراض ، وهو في القاموس النفسي ، حالة من الهوس تخلط الخارج بالداخل ، حتى يصبح الأخير أو رموزه تعبيراً عن الأول بإلغائه كلياً، فيعرض المهووس أعضاءه عارية أو شبه عارية ، أو يقوم بذلك بصورة رمزية (كمداعبتها بلا شعور غالباً) أو يتكلم عنها بطريقة استعراضية ، في المناسبات أو غيرها.
(4)
ليس المحبوب هنا ذا قيمة ، وطنا كان أو إنساناً أو مالاً أو ثقافة ، لأنه في النهاية موضوع أو شيء أو رمز، يتحرك المهووس تحت تأثيره، أو بالأصح يتحرك تحت تأثير عقده الخاصة "تجاهه".
في المناسبات تأخذ الحالة أقصى أبعادها،تبلغ نقطة التوهج ، أي الذروة، حيث يكون الاستعراض على أشده، عارياً في التفاصيل وفي التفنن غير الواعي ،غالباً، في إظهار المفاتن الخاصة لدى الفاعل "المهووس ".
هنا يكون الحب بصيغ مَرَضية، لكنه يبقى حباً، ويحتاج ذلك العاشق إلى عيادة نفسية، ويستدر الشفقة،ويستحق العطف والرعاية.
(5)
أما حين يكون الفعل الاستعراضي / الاستعرائي واعياً ، نخرج من دائرة الحب ، إلى دائرة النفاق ،أي الكذب الواعي، لأن الحب هو الصدق في أدق المعاني للكلمة والفعل.
في الاستعراء الاستعراضي الواعي ، تبرز الحرفية والمهنية، وهو ما يعرف لدى أهل الكار بالستربتيز في مجال عرض المفاتن الجنسية ،سابقاً لدى المرأة، ولاحقاً بعد تشريع وشيوع المثلية الجنسية ،لدى الرجل والمرأة على حد سواء.
(6)
هذا العمل أو هذه المهنة ، يمكن استعارة مفهومها أو نقله ، إلى حقول وساحات أخرى، كالوطنية وغيرها، لاسيما في البلدان الفقيرة جداً أو المفتقرة جداً لهذه الثروة، أعني الوطنية ومفاهيمها ومضامينها الحقيقية ،حيث يحاول الإعلان والإعلام التعويض عن الواقع المفقود بتوهمه أو تخيله.
من هنا في البلدان التي لم ترتق إلى أوطان بالفعل والقانون،ولو كانت كذلك في بعض القصائد ولدى بعض الأفراد،تغدو غالبية الخطابات لاسيما الرسمية منها (لدى أهل الحرفة) نوعا من الاستعراض والاستعراء،أعني شكلا من الستربتيز الوطني.
(7)
الاختلاف في الرأي تعبير عن الغنى، لكن التطنيش فقر، بل أكثر ،إنه بؤس وضنك وفاقة.
أما عندما يطنش غني على رأي ما، فالأمر يغدو تواطئاً يفتقر إلى الشجاعة، وليس هذا من سجايا الأغنياء.
بكل حب، أشفق على الفقراء، لكني أحب صداقة الأغنياء.
(8)
أيتها المرآة أنا صديقك وسأبقى محدقاً فيكِ، لا تطنشي على أي ملمح في محياي ، قبيحاً (وأعلم لدي من هذا كثير) أو جميلا.
ليس التطنيش موقفاً له علاقة بالحضارة والتي من ثمارها الوطنية و............الصداقة أيضاً ، وأهم من الجميع دون استثناء الصدق والصراحة.

نور الدين بدران.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي