الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدال وليد حشمت بين الحركة والسكون( قراءةٌ في قصائد مبعثرة)

ممدوح مكرم

2017 / 8 / 22
الادب والفن


" أما التحليل فهو درجة أعلى من درجات الإقتراب من النصوص، فهو يقوم على افتراض مقابل تضمنه الكتابة الشعرية، فإذا كان التحليل انجاز قراءةٍ ومحصول احتكاك القارىء بالنص، أي مهمة جمالية خالصة، فإن التركيب الذي يقابل الفاعلية، هو التشكل النصي الذي ينجزه الشاعر فنيًا"
[ حاتم الصكر، ترويض النص، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2007م،صـ5.]
" وأطير مثل سحابةٍ
فكت خيوط الله
من يدها
ولفتها على عنقٍ لها
وتعلقت
[ الشاعر >]
هذا هو الديوان الأول، الذي يصدره الشاعر وليد حشمت، والذي حمل عنوان> والذي يضم: 26 قصيدة، في: 92 صفحة، قطع متوسط، في طباعة و إخراج سيئين . وغلاف لا يقل سوءًا! يجب أنْ يحذر الشاعر الإستسهال في موضوع الطباعة والإخراج الفني، لأنه بات من عتبات النص في التحليل النقدي المعاصر، خاصة << البنيوية>> وكل المدارس الألسنية، التي تنطلق من النص ذاته، و ليس من خارج النص( كما في النقد التاريخي، والاجتماعي...وغيرها من مقاربات نقدية ).
مكونات الديوان
1- إهداء:" إلى منْ يقاسموننا الخبز و الألم" ولهذا الإهداء إيحاؤه، فهو يحيل إلى غياب العدل، وتسيد الظلم، فاقتسام الخبز والألم يرتبط بهذا المجتمع الطبقي، الذي يلهث فيه الجميع نحو إشباع حاجاتهم الأساسية بشق الأنفس.
2- ثم الـ 26 قصيدة( 27بقصيدة مكررة مرتين:<< الشعر>> وهو أيضًا من سلبيات الطباعة و الإخراج!!
3- الصفحة الأخيرة قبل الغلاف، كتب عبارة: " الشعر هو الحياة السرمدية، التي نعيش داخل أحرفها، لكي نستنشق في ولهٍ، عبير الحياة" وهو تعريف للشعر من وجهة نظر الشاعر والذي عبَّر فيها عن رؤيته للشعر من خلال قصيدة تحمل عنوان << الشعر>> صـ 77، 78، حيث يقول:
أكتب الشعر سبيلا
للحرية
أتنفسه براحًا
تحلِّق فيه
حروف البوح
......
......
هنا يستخدم الشعر للبوح وللتنفيس، وهو ما يعكس لازمة عصابية لدى الشاعر، الذي يتجرع الألم، والحيرة، و الوحدة، ويشرب من وساوس الأسئلة المؤرقة ذات المغزى الوجودي، ملجومة برومانسية؛ لكنَّ هذه الرومانسية
ساذجة ولم تخرج عن التقليد.فهو يقول في قصيدة<< أيا وطني>> صـ 72
...
من الحنين
حتى أستعيد
حلم طفلي
بالأمان
وبالأمل
حتى أجابه
غدي
بالعلم
و بالحياة
.....

جدال : ودلالاتها، وعلاقتها.
( بنية الديوان الفنية)

اسم الديوان << جدال>> والجدال كما هو معروف يشي بالحركة و الانفعال، تعالوا بنا نتعرف على الكلمة من حيث مدلولها القاموسي(المعجمي) ثم نرى لأي حدٍ حمَّلها الشاعر ما يريد، مع محاولة ربط العنوان بالقصائد الأخرى، و البحث عن ظلال لهذه المفردة اللغوية ، التي هي عنوان الديوان.
يقول الجوهري في الصحاح( تاج اللغة، وصحاح العربية) طبعة دار الحديث، القاهرة، في معني الجدل، صـ 169 : " جَدَلَ: الجدِلُ: العضو، والجمع:الجدول، والأجدل: الصقر، و المِجْدِل: القصر، ومنه قول الكُميت:
(الطويل)
مَجادلُ شدَّ الراصفون اجتدالها
وقال الأعشى( السريع)
في مجدلٍ شُيِّدَ بنيانه يَزِلُ عنه ظُفُرُ الطائرِ
والجَدَالُ: البلح إذا اخضر، واسترق قبل أنْ يشتد بلغة أهل نجد.
..... ويقال طعنه فجدله أي: رماه بالأرض، فانجدل أي: سقط، وجادله: إذا خاصمه، مجادلةً وجدالًا، والاسم الجدل: وهو "شدة الخصومة" انتهى بتصرف.

في قصيدة جدال، والتي هي عنوان الديوان، يستدعي الشاعر اسم << مريم>> وهو ما يحيل إلى المورث الديني في علاقته بالاسم، وحتى وإنْ لم يقصد مريم البتول بشكل مباشر، فهو استدعاء للطهر، الذي يفتقده الشاعر في الأنثي( موقف سلبي من المرأة: سندلل عليه)، مع الأخذ في الإعتبار الدلالة الصوتية لاسم مريم( حرف الميم في ارتباطه بالأمومة= أم، ماما، ما، وكذلك بالماء: مو، ماء،مي.. ) ومريم من حيث دلالاتها ترتبط بالطهر، والانقطاع للعبادة في الموروث الديني الإبراهيمي، وفي النزعة المضادة يرتبط مفهومها بالخطيئة.
يقول: صـ 16
و بين دفاتر مريم
أبحث عن شيءٍ
مفقود
يحتوي ذاتي
التي بعثرها
اللاشيء
.....
.....
وبين ظرف مكان: هو دفاتر مريم، تشي بالغياب، شيٌ ما يغيب<< أبحث عن شيء مفقود>> الجدال بين دفاتر مريم، و بين الشاعر، فهنا الخصومة ( بالمعنى اللغوي) الشاعر ذو الذات المبعثرة( النزوع الوجودي الذي أشرنا إليه سابقًا) هل يبحث الشاعر عن الطهر؟ أم عن العهر؟ هنا مكمن الصراع ( بين الأنا الأعلى، واللاوعي) بين الظاهر و المكبوت، وكلها جداليات متجادلة مع بعضها، هي مبعثرة، حتى أخذت طابع اللاشيء!
و يؤكد ما قلناه قوله: صـ 17
...
أو من قلوب العذارى
فتخونني السويعات
و لا أجدك
....
....
العذارى: جمع عذراء، تحيل على مريم ودفاترها، ولكنه لا يجدها، إنه الكَلم(الجرح) الذي أصاب الشاعر ماديًا ومعنويًا، وهناك نزعة مبطنة بموقف من المرأة، تحدده نهاية القصيدةـ بعد قنوط الشاعر.
قلبي
ما عاد ككل القلوب
تسير وئيدًا
تسير بعيدًا
تسيروقد يخدعني
المسير
قلبي الذي
ما ذاب
إلا عشقًا
ولم يحتمل
هذه هي القصيدة التي عَنون الشاعر بها الديوان، فالجدال والجدل، كما هو معروف في الفلسفة الهيجلية، والماركسية من بعدها( تمثل الجناح الثوري فيها) يرتكز على وجود طرفين، بينهما وحدة وصراع(تناقض) في ذات الوقت، وهو ما تنتج عنه الحركة( ما يُعرف بوحدة وصراع الأضداد) هنا في القصيدة: مريم والشاعر، الشاعر وذاته، مريم(الطهارة، مريم الخطيئة)، ولكن رغم اللفتة الفنية، لم يوفق الشاعر بشكل كبير حيث :-
1- خفت الإحساس
2- اختل الوزن( بداية القصيدة) تفعيلة، وباقي القصيدة تفعيلة أخرى!
3- هناك استاتيك أو سكون، كان يمكن أنْ تكون القصيدة درامية أكثر من ذلك.
4- هناك علاقة بنيوية بين قصيدة "جدال" و قصيدة "بين وترين"، في بين" وترين" نجد جدالاً بين العود والجيتار، كرمزين، الأول للأصالة( باعتباره آلة شرقية من آلات التخت الشرقي/العربي) الثانية(الجيتار) كرمز للتغريب، و بينهما حالة الحيرة المرتبطة بفكرة الهوية، وهنا يمكن أنْ يكون النقد الثقافي أحد المقاربات المنهجية لفهم بنية هذه القصيدة- بين وترين- بعد تفكيك خطابها، ونبراتها الصوتية.صـ 65.

5- وهناك قصيدة << المواجهة>> صـ 50، وهي تصور العلاقة بين الذات وذاتها( جدال) من خلال آلية الرؤية في المرآة، مواجهة(المواجهة جزء من الجدل) بين ذات الشاعر المنقسمة، وهي تصور صراعًا داخليًا، يرتبط بمحاور عديدة داخل النصوص، من حيث إما طرح وجودي، أو متعلق بالمرأة في شكل رومانسي كلاسيكي، أو متعلق بالوطن من خلال طرح ثوري كلاسيكي أيضًا، كما سيتضح. يقول صـ 51:-

تمتلء بالفضيلة
أسراب أحلامنا
يتسربل بالفضيلة
و عندما أصحو
من إغفاءاتي القصيرة
ارتضى في فخرٍ
أفعال الرذيلة
....
6- علاقة بنيوية أخرى بقصيدة<< تتابعات التواقيت>> حيث حركة الزمن، وهي من أفضل قصائد الديوان( مع قصيدة أنين الفرح، وبين وترين، وفلك الذات)، في اللوحة الأولى من التتابعات الظهيرة خلف الصباح، اللوحة الثانية: العصر خلف الظهيرة، اللوحة الثالثة: الغروب بعده الأفق، ويظل الزمن مفتوحًا، في اللوحة الرابعة:" الليل ينصف حلمي" والقصيدة/النص تتكأ على الإغتراب كأحد مقولات الفلسفة الوجودية بشكل خاص، والتي تنسج منه مدرسة اللامعقول والعبث أدبها، فهو يقول مثلا :
....
تجترني سحابات الضياء/ يجرحني احمرار السماء/أخرج في جحيم شوارع الإغتراب/ فتتوه نبضاتي بين الضلوع/ ف. أ.ت.و.ه!!
7- قصيدة الديوان الأولى<< قالت>> التي تكونت من مقاطع خمسة، تدخل ضمن نطاق الجدال، في كل مقطع نجد صوتان يتحدثان، الذات الشاعرة وأنثى.
8- قصيدة<< عصفور>> التجادل بين العصفور و النسر، وكلاهما رمز، يمكن أنْ يكون هناك فهم مفتوح لهذين الرمزين، الأول للخير، و الثاني للشر، أو الوطن، وأعداء الوطن، أو الحرية، وقاتلوا الحرية ..إلخ صـ 22.
9- في فلك الذات: تعبر عن جدلية الحركة في المكان، وهي قصيدة ذات مغزى و جودي عبثي، صـ 27.
أجملنا في السابق العلاقات البنيوية بين عنوان الديوان<< جدال>> وبين عناوين ومضامين القصائد الأخرى، حتى نرى مدى تناسق الديوان من الناحية الهارمونية، رغم جود قصائد خافتة وساكنة لا تتناسب مع قصائد الجدال والحركة( قصيدة توحد صـ 25، درب صـ33، حمق ص41، قبل الفراق صـ 59، حالة صـ 68 ) يمكن إعادة ترتيب الديوان في سياق آخر وبشكل آخر.
هذه القصائد المذكورة هي قصائد عادية من حيث بنيتها الفنية، ومضامينها، وتشترك معها قصائد الوطن( بعضها) التي جاءت مباشرة و تقليدية.
نظرةٌ عامةٌ للديوان
عانى الديوان من كثرة الأخطاء الإملائية، وهي كثيرة خاصة في الهمزات والإلتباس بين الهاء ، والتاء المربوطة، فلم يتم تدقيق إملائي جيد قبل الطباعة، ومن هذه الأمثلة:
صـ 5، 11، 16، 18،23،22، 24، صـ 90 ( حيث جعل المشتاقة بالهاء!) في ذات الصفحة خطأ آخر: يرتج ماءها( ماؤها)، جعل الهمزة على سطر، وهي على واو لأنها فاعل، و الهمزة على واو علتها في الضم، وفي صـ 83 خطأ نحوي في: قلبي و(وحيدًا) جعلها منصوبة، وهي مرفوعة(قلبي وحيدٌ)، في صـ 72 ( حتى استعيدُ) وهي فعل مضارع منصوب بالفتحة الظاهرة لأنه مسبوق بأداة النصب <<حتى>> هذه كانت على سبيل المثال وليس الحصر، الديوان يحتاج لتدقيق جديد.
من حيث الوزن والعروض، الديوان لم يكتمل في ذلك، هناك كسور وهنات عروضية كثيرة، تداخل بين التفعيلات المتقاربة( من حيث حركاتها وسكناتها) وهو ما يسبب بعض النشاز والخفوت الموسيقي في غالبية الديوان، قصيدة" مضاجعة الوطن" صـ 18، الأكثر فجاجة في الكسور العروضية!( وهذا مستوى آخر للدراسة يخرج خارج نطاق دراستنا الحالية).
هناك قصائد تتميز بضعفها في الديوان ( شبق، صمت، إليكِ، صوتك، توحد، حالة، درب، حمق، يوم) الضعف من حيث المضامين المطروحة، والصور العادية، و المباشرة، خفوت الإحساس الشاعري.
الصورة الشعرية: في غالبها جاءت عادية، فقدت دهشتها وإبهارها، وهو أضفى على الديوان طابعًا عامًا من الرتابة لا يتناسب مع عنوانه ومضامينه، وعلة ذلك انفصال بين القيم التعبيرية، والشعور، حيث بدا هناك حالة من حالات البرود الإنفعالي طغت على الديوان، اللهم إلا بعض القصائد التي أشرنا إليها في علاقتها بعنوان الديوان، مع ملاحظة ضعف و فقر قصيدة العنوان!!
هناك عناوين للقصائد لم يكن الشاعر موفقًا فيها(وقالت، الأغنية، الشعر، صوتك، درب، السرمدي، المواجهة، إليك، شبق) العناوين إما ذات دلائل مباشرة تجدها في القصيدة، أو عنوان مُعرَّف( الأغنية، الشعر، السرمدي) التعريف يفقد العنوان دلالاته، هناك اتجاه يميل إلى التنكير ليكون هناك غموض، يستوجب التفكير و التأمل للوصول إلى المدلول الذي يرمي إليه النص.
لم يوفق الشاعر بشكل كبير في صنع مفارقاته إلا لمامًا، إما بسبب نمطية الصورة الشعرية المعلبة، أو الإرباك الحادث في البنية الأسلوبية للديوان، وهو ناتج من خلال التعامل العادي مع اللغة، هناك حاجز ما يقف بين الشاعر وبين تليين اللغة و تشكيلها، الذي وصفناه بالإنفصال بين القيم التعبيرية والشعورية( كما عبر عنه سيد قطب، في كتابه: النقد الأدبي، أصوله و مناهجه).
ملاحظة أخيرة تتعلق بـ: غياب أي استخدام لعلامات الترقيم!
هذه كانت رؤية سريعة ومبتسرة لنصوص جدال، وهي نصوص مبعثرة على كافة مستوياتها وعلاقاتها، نتمنى أنها تكون قد سدَّت جزءًا يسيرًا في تقييم هذا العمل الذي امتعنا رغم مافيه من مثالب.
ممدوح مكرم
باحث و ناقد أدبي
أبنوب: 15تشرين ثان (نوفمبر) 2016م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي


.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع




.. تكريم إلهام شاهين في مهرجان هوليود للفيلم العربي


.. رسميًا.. طرح فيلم السرب فى دور العرض يوم 1 مايو المقبل




.. كل الزوايا - -شرق 12- فيلم مصري يشارك في مسابقة أسبوع المخرج