الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليست المسيحيّة فرّوجا دانمركيّا

اسماعيل خليل الحسن

2006 / 2 / 11
كتابات ساخرة


يتحدثون عن صراع حضارات! و أن الرسوم الكاريكاتيرية الدانمركية السفيهة هي إحدى تجليات ذلك الصراع, ولكني لست أدري كيف تنسجم كلمتا حضارة و صراع مع بعضهما؟! فالحضارة تحاور ولا تصارع, و مجال عملها و مجلاه الفكر و ليس الحلبة, إن ما حدث أشبه بصراع حارات.
لقد أقام العرب حوارا مع الحضارة اليونانيّة عبر الترجمة, و كان لهم فضل نفض الغبار عنها, و الحضارة اليونانيّة تدين للفلسفات المشرقيّة التي كانت مزدهرة قبلها, و لو أنصف الغرب لاعترف بفضل علوم العرب و سائر الثقافات المشرقيّة على نهضتهم, و لكن يعترف بذلك من يتحلّى بأخلاق العلماء , و ينكر و يعاند الجاهلون و السفهاء, وهم يلتحمون اليوم بمن نصب للسيّد المسيح العداء و كاد له, و ينسون أو يتناسون أن المسيح و المسيحيّة هما ابنتا شرقنا أهداهما للإنسانية, كما أهدى بقية الديانات و كثيرا من القيم الأخرى, من علوم و فلسفات. فالمسيحية لم تكن يوما فروّجا دانمركيا ولا هي من شطائر ماكدونالد عسيرة الهضم, و لا هي ماركة مسجلة من نتاج الفبريكة الرأسمالية.
ولو أردت أن ارسم صورة للمسيح لكان وجهه و جه فلسطيني أسمر أجعد الشعر مفعم بالطيبة و المرارة لآن بلده محتلّ من الرومان و سطا على مقدساته أحبار يهود, أما ذاك الوجه الباروني الأشقر بعينيه الـّزرقاوين في أيقوناتهم, و بشرته الطافحة بالنعمة من شرب الحليب البقري على الطريقة الهولندية، فلا يمت للمسيح بصلة.
هذا إذا كانوا يديرون الحلبة باسم المسيحية, ولو وضعنا فكرهم المسيحي اليوم على محك القيم المسيحيّة الحقيقيّة لتبدى لنا أنهم أقرب إلى الوثنيّة, التي عادت و تسربت إلى العقل الغربي و سكنته, فهم أقرب إلى تعدد الآلهة من التوحيد, و المسيح أكبر من أن يفتدي ترومان و هتلر و رامسفلد و سائر آثمي أوروبا و يخلصهم من آثامهم بفدائه نفسه و هو الذي قال: خلص نفسك يا إنسان؟.
لست أنزه الحضارات من بعض السفاهات و الأدران السرطانيّة التي تعلق بها كالطحالب, و هنالك من مدعي الثقافة من يسفـّه هذه الحضارة أو تلك متصيدا سقطاتها, مضخما لهذه السقطات, مقزّما لفعلها الكوني, عاملا بقول أبي الطيب:
" و من يك ذا فم مر مريض .... يجد مرّا به الماء الزّلالا "
حين كان النبي محمّد (ص) يعلّم الأعراب كيف يغتسلون و كيف يأكلون, كانت الدانمرك موطنا لآكلي لحوم البشر. و لكنني أول من يعترف بفضل حضارتهم الماديّة و الإنسانية اليوم, بتنظيمهم مجتمعاتهم على أساس من الديمقراطيّة و حقوق الإنسان. في حين تخلّف شرقنا في هذا المضمار, و أصبح مرتعا للاستبداد و الجهل و أصبحت ردود فعله غوغائيّة رعائيّة بلا فعل حقيقي. ان مرتكب هذه الأفعال يخدع نفسه بأنه خرج منتصرا من المعركة, مصعدا من أهمية فعله, مضخما من قدر نفسه في حين كان أولى به أن يشعر بالتسفـّل.
الآن بعد انطفاء أنوار العرس, لنقوم بجردة حساب, و نتساءل: ماذا قدّم المسلمون دفاعا عن نبيّهم؟ حرق سفارة هنا و هناك!! استعراضات هستيريّة في الشوارع!!الاعنداء على كنيسة!! عرائض و توقيعات!!
و ماذا بعد:
لو جنح خيالي و تخيلت الرسول الكريم يمشي بيننا و يلاحظ, فانـّه سيقول بئس هذه الأمة فيما انحدرت, لقد رقصّها صاحب مجلة سفيه مدسوس من الصهيونية العالميّة, و كأنـّها في مخبر العالم " بافلوف" يجرّب عليها نظرية "الفعل المنعكس الشرطي". لقد ضخـّموا التافه و تفاهته و صنعوا, لكل فاشل ولكل صحيفة فاشلة في أوروبا لا تجد من يقرأها, مجدا ليست أهلا له.
و لكني لا أنصح الرسول الكريم أن يعود فلسوف يتصدى له المشايخ و فقهاء السلاطين و الغلاة حاملو السواطير باعتباره مدّع للنبوة فيستحلون دمه و يكيدون له كما فعلت قريش إبان الدعوة و لكن بمرارة أشد.
و لربما فعلت كلماته و عظاته فعلها في أوروبا فاستعذبتها فآمن بها كثيرون و قد يكون منهم صاحب الصحيفة الضال فينكب على وجهه تائبا معتذرا و لسان حاله يقول: لم يعرفنا أصحابك بحقيقتك فشوهوك لنا و شوهوا تعاليمك فاعذرنا على جهلنا بك.
ولكنني أحب أن يعود أبو الطيّب ليقول بأسى: " يا أمة ضحكت من جهلها الأمم" ثم يضحك و يردد قائلا:
" و ماذا بمصر من المضحكات ... ولكنـّه ضحك كالبكا "
و رحم الله من قال: شـرّ البليّة ما يضحك!! و الضحك أنواع يبدأ بالافترار ثم الابتسام (..) و ينتهي بالطخطخة كأن يستلقي المرء على قفاه فيصوّت: طيخ.. طيخ !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس