الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تستطيع الأحزاب اليسارية المغربية اختراق دائرة الواقع السياسي الذي فرضه المخزن ؟

جلال مجاهدي

2017 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


بداية لا بد أن نستحضر أمرين تاريخيين هامين , أولهما أنه عندما أحست السلطة المخزنية بقوة المشروع السياسي الذي طرحته القوى التقدمية في حكومة عبدا لله إبراهيم لبناء دولة وطنية ديمقراطية كبديل وطني تقدمي للحكم. لجأ المخزن إلى إقالة حكومة عبد الله إبراهيم في 20مايو 1960 من دون وجود أي مبرر , والثاني هو انقطاع الزمن الحزبي إثر مرحلة الاستثناء التي أعلنها الحسن الثاني و التي أعقبها سلوك حزبي ,اهتم أكثر بتأسيس قنوات جديدة مع المخزن المسيطر تحت مسميات شتى, أبرزها الواقعية و الواقع و التوافق و الوحدة الوطنية و فن الممكن و ما إلى ذلك , و التي أعقبها أيضا اختفاء الملامح السياسية لفترة ما قبل إعلان حالة الاستثناء , لتنشأ ممارسة سياسية جديدة أفقدت الأحزاب اليسارية جاذبيتها المستسقاة من فكرها و من ثوريتها .

هذان الحدثان ليسا بمعزل عن باقي الأحداث, لكن يسعفان بشكل ظاهر في تفسير مفهوم توزيع القوة في الدولة المخزنية و الذي يقوم على قاعدة التنافس الصفري بإعدام باقي القوى السياسية و قتل معانيها و لو تم الاحتفاظ بوجودها الظاهري ككيان موجود.

الحكم المخزني قام بصناعة واقع سياسي مسموم, واقع سياسي قاتل للعملية السياسية , فاللعبة السياسية مسيجة بشروط مسبقة و خط دائرتها لا يمكن الخروج عنه و بانضمامها لشروط هذه اللعبة السياسية المحددة المعالم , وجدت الأحزاب اليسارية نفسها في آخر المطاف مجرد لاعب سياسي لا يختلف عن غيره نتيجة سياسة الاحتواء و المعنيان بالذكر هنا هما حزب الاتحاد الاشتراكي و حزب التقدم و الاشتراكية باعتبارهما من أكبر الاحزاب اليسارية التي عرفها المغرب و اللذان و ببطيء دخلا في مرحلة مرضية ثم في غيبوبة سياسية عميقة لن يخرجا منها لاستحكامها من جميع الجهات , دخول أحزاب فيديرالية اليسار للعبة السياسية هو دخول مصيري لكون سياسية الكرسي الفارغ هي حكم بالاضمحلال و الزوال التدريجي , لكن هل تستطيع هذه الأحزاب الخروج من موقف الممانعة النسبية إلى اختراق الواقع السياسي الذي فرضه المخزن ؟

هذا التساؤل بالضبط هو تساؤل ماهوي , فسبب وجود هذه الأحزاب ضمن الأحزاب المشاركة في العملية السياسية و سبب انتمائها لليسارية هو من أجل التغيير و الإصلاح , و هذا التغيير و الإصلاح هو أمر غير ممكن ضمن دائرة الواقع السياسي الذي صنعه المخزن و الذي نهايته خدمة النظام و إعادة إنتاج نفس النظم و نفس الأنماط السلطوية و ليس خدمة الدولة بالمفهوم المتعارف عليه , فهل استراتيجية الاكتفاء بالنضال من داخل المؤسسات كالبرلمان و الحكومة المتحكم فيها هو أمر كاف لحدوث الاصلاح أم أن هامش المناورة و النضال الداخلي الضيق يتطلب أكثر من ذلك بكثير ؟

نرجع للخلف قليلا و بالتحديد إلى سنة 2014 لنتذكر أن أحزاب فيديرالية اليسار قد جعلت كسبب لتكتلها و تأسيس الفيديرالية حسب ذكرها , هو إشراك أكبر عدد ممكن من قوى اليسار في ”النضال الجماهيري المشترك“، بهدف تغيير المجتمع، وتغيير النظام السياسي القائم .

ثم نقف على بعد خطوات فقط من هذا التاريخ و تحديدا في سنة 2011 حين قرر تحاف اليسار إبان هبة 20 فبراير أن يتمسك بالملكية البرلمانية كأقصى مطلب له , ثم ننتقل إلى سنة 2015 حين قررت قيادات أحزاب فيديرالية اليسار وضع ثلاثة شروط للالتحاق بالفيديرالية و هي الالتزام بسقف الملكية البرلمانية و عدم تجاوزه و الالتزام بالمشاركة في الانتخابات البرلمانية ثم الالتزام بالقول بمغربية الصحراء الجنوبية .

بداية نعيد التأكيد بأن التغيير و الإصلاح من داخل المؤسسات هو أمر قليل الجدوى لكون ميزان القوى هو في صالح دولة المخزن التي لا تحتفظ لباقي الفاعلين السياسيين سوى بهامش ضيق للمناورة و التي لا تتحرج في إعدام أي مكون سياسي يحاول المساس بموقعها السلطوي كما حدث مع حكومة عبد الله ابراهيم و كما وقع إبان إعلان حالة الاستثناء إثر استقواء احزاب اليسار عليها , لذلك فإن الدفع في اتجاه الاصلاح هو أمر لن يكون إلا بتظافر الجهود من داخل المؤسسات و من خارجها , و غني عن البيان أن ما تحقق من مكتسبات دستورية صلبة إثر هبة 20 فبراير يفوق ما تحقق من إصلاح من داخل النظام منذ فجر الاستقلال و التي لازالت الدولة المخزنية لم تتقبلها و لا زالت تحاول التغلب على نكبتها بسن قوانين تنظيمية التفافية و تعجيزية تفرغ الدستور من محتواه .

إذن عامل النضال الجماهيري من خارج المؤسسات مشروطا بالتكتل و استيعاب تناقضات اليسار هو مصدر القوة الوحيد الذي يجعل لليسار ثقلا في ميزان القوى في صراعه مع المخزن القوي الذي يعتمد على قاعدة التنافس الصفري , لذلك تكون الاشتراطات السابقة الذكر اشتراطات تناقض هدف و سبب وجود الفيديرالية المعلن عنه عند التأسيس المتمثل في إشراك أكبر عدد ممكن في النضال الجماهيري المشترك , طالما أنها تقصي مكونات يسارية و جماهيرية مهمة و حاسمة في طرح الاصلاح والتي لا تتبنى طروحات سقف الملكية البرلمانية و المشاركة في الانتخابات كحزب النهج الديموقراطي و مناضلي حركة 20 فبراير.

قوة فيديرالية اليسار تكمن في القدرة على استيعاب الحقيقة اليسارية التابتة و هي أن قوتها تكمن في النضال الجماهيري الميداني و في التكثل غير المشروط مع باقي القوى اليسارية و التحالف مع المكونات المناضلة التقدمية و الحرة و هو الأمر الوحيد الذي يتيح لها اختراق دائرة الواقع السياسي الذي صنعه المخزن طالما أن هذا الأخير ليس من طبيعته التنازل عن صلاحياته و سلطاته ما لم يضطر اضطرارا لذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من