الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقوب سوداء في الدار البيضاء

بدر الدين شنن

2017 / 8 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


لم أكن أعرف بالضبط ، أثناء زيارتي للدار البيضاء ، لماذا رغم كبر المدينة وعمرانها المتنوع ، لفت انتباهي فقط عدد من معالم المدينة .. المتناقضة .. دون غيرها .. مثلت في نظري .. بتناقضها المزعج ، ثقوباً سوداء .. بمعنى نواقص وأخطاء كبيرة .. تتعارض واسم المدينة وشهرتها .. وتعيب المسؤولين عنها . ولعل مكان إقامتي المؤقتة ، قد لعب دوراً ، في جذب انتباهي إلى تلك المعالم .

فعلى مسافة عشرات الأمتار ، أو أكثر قليلاً ، من البيت ، من ناحية الغرب ، يقوم مسجد الحسن الثاني ، على مساحة كبيرة جداً ، منتزعة من مياه البحر الأطلسي . وقد كان الملك يريد أن يضاهي بهذا المسجد .. بحجمه .. وزخرفته .. المساجد الكبرى في العالم .. ويكون لافتاً ، بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة ، ومسجد الرسول في المدينة المنورة . ولعله خوفاً من الخطايا والفناء .. يدخل الخلود " الجنة " .. من باب هذا المسجد .. الذي بلغت تكاليفه ، من المال العام ، والتبرعات القسرية ، والطوعية ، نحو أربعين مليار درهم مغربي . أي ما يعادل أربع مليارات دولار .

وبعد إنجاز بناء المسجد العملاق على الشاطئ الأطلسي ( 1993 ) . بدا صرحاً عمرانياً ، دينياً ، باهراً . لكن ما ينقصه هو العدد الكبير من المصلين ، الذي يتناسب وكبر حجمه ومساحته ، التي تتسع ل ( ثمانين ألفاً من المصلين في باحته الخارجية ، و وخمس وخمسين ألفاً في الحرم الداخلي ). ويفسر المطلعون ذلك أنه لبعده عن مركز المدينة . ما أدى إلى أن يتحول لاحقاً ، إلى موقع سياحي .. بالتوازي مع كونه مسجداً للعبادة .
ويندهش السياح الأجانب ، عندما يقومون بزيارة المسجد ، من البذخ الواضح في الإنفاق عليه ، ومن أنواع التكنولوجيا ، التي تستخدم في تحريك السقف الواسع للحرم .. للتهوية عند تزايد المصلين .. أو للتظاهر بالعظمة . سيما ، في الأوقات الشديدة الحرارة . وفي تستخدم في تحديد القبلة للمصلين ، على مساحة كبيرة بأشعة الليزر .

لكن من يسابون بالاندهاش أكثر هم المغاربة الفقراء ، من سكان أحياء المدينة الفقراء ، الذي يكابدون من أزمات معيشية متعددة .. والجدير ذكره هنا ، أن الملك الحسن الثاني العلوي ، كان مبالغاً في خياره الخلود ، وطريق الجنة ، من خلال الصرح العمراني للمسجد الباهظ للتكاليف الخيالية .. الذي سماه باسمه .
وكان مخطئاً باختيار مكان المسجد البعيد عن الكثافة السكانية .. ورضي أن يوضع المسجد برسم السياحة .
وقبل وبعد ذلك ، هو التضحية بالإنفاق الكبير على هدف غير منتج . فيما الشعب المغربي ، يكابد البطالة ، والاغتراب ، ومن أزمات السكن ، وارتفاع الأسعار . وانخفاض مستوى الطبابة ، والتعليم ، ما شكل كما يراه ابن البد والزائر ، ثقباً أسوداً في بياض المينة .

ولم يخطر ببال الحسن الثاني ، أن هناك ملكاً عربياً مسلماً ، يجري وراء العظمة مثله . لكنه ثري جداً ، وليس بحاجة لجمع المال للإنفاق على بناء مسجده المنشود في الأمارات العربية المتحدة . وهو أعظم بالزخرفة والبذخ من مسجد الحسن في المغرب . واحتل مسجد الشيخ زايد آل نهيان ، المرتبة التي كان الحسن الثاني يتمناها لمسجده .

وبالقرب من البيت من طرف الشرق ، وعلى مسافة غير بعيدة من مسجد الحسن الثاني ، يقع حي " كارتي كوبا " الشعبي القديم . وهو برسم الهدم مع عدد من عدد من أحياء المدينة القديمة . بسبب الانهيارات في أبنيتها ، وسقوط أعداد متزايد من الضحايا تحت أنقاضها .

لم يكن حي " كارتي كوبا " " المبني منذ القدم ، من الخشب العتيق ، والطين ، وصفائح التوتياء الصدئة ، ويقطنه أفقر سكان المدينة ، ويستخدم " الدباغون " مياه شاطئه ، لغسل جاود الحيوانات قبل تصنيعها ،. لم يكن قبل بناء مسجد الحسن الثاني العلوي ، المخصص لخلود الملك بالقرب منه .. لافتاً . وذلك لموقعه البعيد عن المدينة .. وفقره .. والرائحة الكريهة المتصاعدة من الجلود .
وربما السوق الشعبي بداخل الحي ، المسمى سوق عوا ، هو الذي يجذب حركة الناس ، منه وإليه ، لأسعاره الرخيصة من الخضار وغيرها ، مقارنة بأسواق أخرى . وربما حركة ساكني الحي أيضاً ، تدل على وجود حياة ، ما زالت تتحرك داخل المكان ، ومعظمهم من المشردين الذين لا مأوى لهم ، قادمين من مآس لا يبوحونن بها لأحد . . ويبرز عند تقاطع المكان الذي يضم مسجد الحسن الثاني ، وحي " كارتي كوبا " التناقض الحاد بين عالمين . بين جسر الخلود الملكي المهيب ، وبين " كارتي كوبا " وبؤساء سوق عوا ، على شكل ثقب أسود كبير وواسع ، مستقر في جهة هامة من المدينة . يقال أنها مرشحة لاحتضان رمز خلود الملك ، ومشاريع عمرانية متطورة ، مكملة لعظمة هذا الرمز .

من حي " كارتي كوبا " الشعبي الفقير ، مروراً بسوق المدينة القديم ، وما حوله من المدينة القديمة ، الذي ينتهي بباب مراكش الشهير ، تتشكل رغم وجود المسجد الملكي ، الساكن بعيداً عللا الشاطئ ، تتشكل إطلالة البؤس ، والفقر المزمن في الدار البيضاء . وتتمو ضع قطباً متناقضاً ، مع كورنيش ، وقصور الملوك والأمراء العرب ، وأبرزها " قصر الأمير سلطان بن عبد العزيز ، وقصور الأثرياء العرب والمغاربة ، والمطاعم والفنادق الفخمة في عين دياب . وتشكل إطلالة الدار البيضاء الغنية الجميلة .. على شاطئ البحر الأطلسي .. شامخة بدورها التجاري ، وسمعتها السياسية والتاريخية ، التي تسمح بمناداته باسمين دوليين ، الأول " الدار البيضاء " والثاني " كازابلانكا" . وهي من طرف آخر مكسورة الكبرياء ، أمام أحيائها القديمة ، التي احتضنتها في بداياتها .

وعند مقارنة جديدها المحجوز للأمراء والأثرياء ، وقد يمها المؤسس .. والقائم على جذور الفقر ، وعلى توابعه المذلة العليلة ، في مجالات الصحة ، والتعليم ، والسكن ، وفرص العمل . ينكشف للمراقب والمواطن .. ثقبان أسودان .. يشوهان اسم المدينة .. ويكشفان فساد المسؤولين عنها .

وهناك ثقب أسود ولاشك ، له علاقة بجشع الثراء وظلمه ، وبالفساد الإداري وتقاعسه ، وإهمالهما كلاهما لإنسانية الإنسان ، الذي ترتبط حياته ولقمة عيشه بالعلاقة غير المتكافئة ، بينه وبين أصحاب الأملاك والعمران ، وإدارات الأمن الصناعي والضمان الاجتماعي . فعندما يمر المرء بجوار مشروع قيد العمل ، يرى بسهولة أسلوب البناء المستخدم المستهتر بحياة العاملين فيه ، حيث يعملون يدون وسائل ضمان ووقاية . وبعضهم الذي يتعرض للسقوط من أعالي المبنى ، محكوم عليه ، دون ريب ، بالموت ، لأنه سقط أعزلاً حتى من حزام أمان بسيط .

هنا يرتبط بؤس سكان " كارتي كوبا " وسوق عوا ، وسكان أحياء المدينة القديمة الأخرى الفقراء، مع بؤس العمال الذين ، لا يعيشون إلاّ من بيع قوة عملهم ، بدون أمان من إصابات العمل ، وجميعهم براء من مسؤولية الثقوب السوداء المتزايدة في هذا القطاع .. مع تضخم عظمة الأمراء والأثرياء .. على حساب امتهان وكرامة ، كل الفئات والطبقات الاجتماعية ، التي تعيش ضمن قوس العمل المأجور .

وتأتي انتفاضة جماهير الحسيمة ، لتكشف عمق واتساع الفساد ، وتكشف الكثير من الثقوب السوداء ، التي تتأتى عنها . وتدفع جماهير مدن أخرى ، ومراكز إنتاج ، وتجمعات ، مهمشة . أو متضامنة .. للتحرك .
وتدفع الملك محمد السادس العلوي ، الوارث عن أبيه الحسن الثاني ، مخلفاته على كل الصعد منذ ( 1999 ) ، للإعلان منذ أيام على الملأ ( لقد آن الأوان للقضاء عللا الفساد " .
لكنه يرسم إشارة استفهام كبيرة ، حول السلطات " الأداة " التي ستنفذ الوعد الملكي .. والتي هي على مدار مختلف العهود قد سببت الفساد .

إن الفساد ، ليس مسألة إدارية فاشلة . وإنما هي مسألة ، سياسية ، واجتماعية ، وأخلاقية على كل الصعد ، تستدعي تولى القوى الوطنية والديمقراطية ، المؤهلة ، بالعلم ، والأمانة ، والأخلاق ، والخبرة . إدارة البلاد .. ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والتخلف فيها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة الأردنية تقر نظاما يحد من مدة الإجازات بدون راتب لمو


.. حرب غزة.. هل يجد ما ورد في خطاب بايدن طريقه إلى التطبيق العم




.. حملة ترامب تجمع 53 مليون دولار من التبرعات عقب قرار إدانته ف


.. علاء #مبارك يهاجم #محمد_صلاح بسبب #غزة #سوشال_سكاي




.. عبر الخريطة التفاعلية.. كيف وقع كمين جباليا؟