الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العشاء الاخير للمسيح في اليمن

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2017 / 8 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


في اليمن وفق تصاعد معدلات الفوضى والعبث السياسي وتداخل المصالح الداخلية والخارجية وتقاطعها وظهور نزعات التملك والقتل والتدمير يبدو انه حان الوقت للعشاء الاخير بين اطراف الصراع ومكوناته كبداية لنهاية مسار تراجيدي وهو امر اصبح من الضرورة حدوثه لان التعايش بين المتناقضات لايمكن استمراره ولا التكيف معه .. هنا نحن على موعد مع هذا العشاء الاخير ..
وهنا نستعير التشبيه من رواية نيكوس كازانتزاكيس ذات الاهمية الكبيرة والتي تحمل عنوان الاغواء الاخير للمسيح ..حيث يعلن المسيح خلال العشاء أن أحدهم على وشك خيانته فوقع الاضطراب في نفوس التلاميذ، وعند العشاء، بدأ العظة ، وإعلامهم بخيانة يهوذا، واذا كانت الاحزاب في اليمن ومعها رموز القبيلة والعسكر وحلفائهم قد خانوا ثورة الشباب وغدروا بها في صفقة بليدة يدرك اليوم كل اليمنيين مخاطرها وابعادها . فقد حان الوقت لحسم الموقف السياسي وإعادة فرز المواقع الاجتماعية وبناء اصطفاف طبقي واجتماعي جديد يخرج منه من يناهض مسار التغيير والدولة والجمهورية ..
فالتحالف القائم حاليا هو ذاته التحالف القديم مع تغيير في بعض مكوناته حيث تشكل اولا لمحاولة اجهاض مسار الثورة السبتمبرية ثم تغلغل رموز التحالف في كل مؤسسات الدولة وتخلصوا تدريجيا من القوى المدنية الديمنقراطية سجنا واغتيالا وصولا الى ثورة فبراير الشعبية الشبابية حيث قرر مكونات الصراع عدم السماح بانتصار الثورة خوفا على مصالحهم ومواقعهم ومصالح حلفائهم في الخارج ..
اليوم وبعد خمس سنوات من الفوضى والعبث السياسي والتدخلات الخارجية وعدوانها لابد من حفلة توديع تكون في اطار عشاء اخير ولكن بدون المسيح ولا تلاميذه ولا حتى من يتشبه به .. بل نحن امام نخب وقيادات وجماعات لم تعد تقبل بعضها وجميعها مسؤولة عن تدمير المجتمع وتخريب مؤسسات الدولة ...وحان الوقت للفرز السياسي اما نحو مسار وطني في اطار الدولة والجمهورية أو نحو المذهبية والقبيلة او التدمير الكلي للدولة والمجتمع . وحان الوقت لغياب رموز وقيادات تسببت ولاتزال بكل الازمات والمشكلات التي نجمت عن تدمير الدولة والمجتمع من خلال
حفلة عشاء اخيرة ..لكن الاقرب للتوقع هو تقاسم اطراف الصراع للسلطة وفق محاصصة تغيب معها مفاهيم الدولة والوطن والمواطنة ..مع فرض هيمنة احد الاطراف باعتبار القائد والفاعل الاكبر ..
واذا كان البعض يراهن على تحول دراماتيكي من المؤتمر ضد الانصار او العكس اقول ربما اراد البعض تلبية رغباته وتمنياته في خروج الانصار من المشهد السياسي نحو اعادة انتاج للمشهد من بداياته التي خرج الشعب رافضا لها وداعيا لتغييرها ..
وفي راويته عن الاغواء الاخير للمسيح يعبر الكاتب بالاشارة الى ان ظهور المسيح كان ثورة سياسية على الإمبراطورية الرومانية تؤدي إلى تدمير الحكم الذاتي الذي تمتع به اليهود وهنا تم الاقرار من تحالف الحكم نحو قتل المسيح كما تم الاقرار من اطراف تحالف النظام عام 2011 بقتل الثوار وثورتهم والانحراف بمسارها نحو اعادة انتاج نظام مشوه بعد تعميم الفوضى لمزيد من القهر السياسي والاقتصادي لعامة افراد المجتمع .. هذا المجتمع ومع تزايد معاناته ينتظر " المخلص " كبطل ومنقذ وهو امر لن يتحقق مالم يخرج الشعب كله ضد من نهب ثرواته ومرتباته وحقوقه واعادة بناء الدولة وفق مرتكزات التعايش والمساواة والمواطنة ضمن دولة وطنية حديثة ..هنا نكون على بعد ايام قلائل من نفحة ايلول -سبتمبر- وعنفوانه ورمزيته في التغيير ..؟
لا مجال لحضور البطل المنقذ في اليمن ولذلك فلحشود الغفيرة والمظاهرات التي لا تطالب بأكثر من تحسين شروط العبودية لا تكون فاعلة في مسار التغيير السياسي والثوري ولهذا يتم تعويم المجتمع بوعي زائف تجاه ازماته حيث يكون الخطاب السياسي والحزبي - وهو خطاب بائس في اصله - مركزا على بعض مظاهر الازمات وليس على اسسها ومصادرها ..
وللعلم نحن في مسيس الحاجة الى الوعي الكاشف لحقيقة الصراع الراهن ودينامياته باعتباره الكفيل بخلق حركة سياسية وثورية تستهدف التغيير الشامل واعادة بناء نظام بتوجهات جديدة وتحالفات اجتماعية جديدة وهو امر لايزال في طور التشكل لانه افتقد من سنوات لقيادة طليعية قادرة على رفد المجتمع بوعي سياسي متقدم نسبيا على وعي المجتمع و كاشف للزيف الراهن والتضليل الايدولوجي ..وحتى لو وصلت المظاهرات والحشود الى مليونيات وهي دون وعي حقيقي بمصالحها حاضرا ومستقبلا ودون وعي وادراك كاملين لمن تسبب بكل المشكلات والمعاناة السائدة فلن يترتب عليها اي تغيير ..الوعي السياسي والوعي العلمي شرط للتحرر من الجهل ومن القيود الاجتماعية وشرط فاعلية الانسان الفرد -والمجتمع- وتمكنه من صناعة التاريخ وصناعة المستقبل ..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الزمالك المصري ونهضة بركان المغربي في إياب نهائي كأس الاتحاد


.. كيف ستواجه الحكومة الإسرائيلية الانقسامات الداخلية؟ وما موقف




.. وسائل الإعلام الإسرائيلية تسلط الضوء على معارك جباليا وقدرات


.. الدوري الألماني.. تشابي ألونزو يقود ليفركوزن لفوز تاريخي محل




.. فرنسا.. مظاهرة في ذكرى النكبة الفلسطينية تندد بالحرب الإسرائ