الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ذاكرة الراهن (19)مرة أخرى حول الغوغاء والحرية.

نور الدين بدران

2006 / 2 / 11
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


(1)
حين شاهدت بعض الشاشات تعرض أولئك الرعاع في دمشق وبيروت وهم يحرقون ويمارسون عقدهم ويفصحون عن جهلهم تذكرت الشاعر العربي ابن الحجاج الذي قال منذ نحو ألف عام:
لا تخدعنّكَ اللحى ولا الصورُ تسعة أعشار من ترى بقرُ .
(2)
إني أتساءل مَنْ ِمنْ أولئك الرعاع رأى الرسم الكاريكاتيري الذي يحتج عليه ويستنكره؟
بل هناك تساؤل أهم من منهم يعرف النبي محمد أو يعرف شيئا عن تسامحه وسعة صدره وحلمه، أو أي شيء عن القرآن الذي يدعو النبي محمد إلى الإعراض عن المسيء وجهله :" واعرض عن الجاهلين"، وتركه لرب ما له وكيل ،هو الوحيد الذي يحاسب :" فمن شاء أن يؤمن فليؤمن ومن شاء أن يكفر فليكفر" و" وما أنت عليهم بوكيل".
(3)
لكن تلك القطعان الهائجة تحركت (ومتى ؟ بعد أكثر من أربعة أشهر من نشر تلك الرسوم التي أدينها على طريقتي بقدر ما أكبر حرية الرأي ) بعد أن أعطيت الإشارة من أجهزة أمنية وإعلامية هنا وهناك ، للمزيد من التأكيد على الموقف من الحضارة والمعرفة من الثقافة والحرية، وبالمقابل من الإمعان في الهمجية والجهل واستعداء ليس الدول وحسب ، وإنما الشعوب أيضا، وفي كل يوم تثبت تلك الأجهزة أنها موهوبة ليس باستفزاز وإهانة أحرارها فقط ، بل وأيضا "الغرباء".
(4)
حين كتب الروائي الكبير سلمان رشدي رواية "الآيات الشيطانية" أصدر الخميني فتواه بقتله وهدر دمه ، وانفلتت القطعان وثارت وهاجت ، ولم يكن مثقفوها قد عرفوا شيئا عن تلك الرواية ،وقد اعترف كثير من المهيجين آنذاك أنهم لم يقرؤوها بعد.
كانت العلاقة مأزومة بين بريطانيا وإيران ، استغل الخميني الرواية وشن فتواه القاتلة ، ومن يعرف القليل عن تاريخ القرآن يعرف أن الروائي رشدي لم يفتر على التاريخ ، ولكن في الوقت نفسه كان له أدواته الفنية ورؤيته الأدبية الخاصة به، وبالطبع لم يقترب أحد من ذلك، بل عومل كمارق وزنديق حتى من قبل أسماء بارزة هناك وهنا.
ولا مجال للمقارنة بين الرواية والرسوم الكاريكاتيرية ، ولكن لجهة الرعاع الأمر عينه ، جهلهم واستغلاله من قبل أجهزة وأطراف سياسية في ظروف خاصة تحكم العلاقة بينهم وبين الغرب عموماً.
(5)
أولئك الرعاع المنفلتون الثائرون ،لا يعرفون شيئاً لا عن ماضيهم ولا عن حاضرهم ،لا عن نبيهم ولا عن من أساء له ،وإلا لماذا لا يهاجمون قبر الخليفة الأموي يزيد بن معاوية ويقومون بإحراقه وهو القائل:
تلعّب بالنبوة هاشميُّ بلا وحي أتاه ولا كتاب.
أو لماذا لا يدمرون قبر عبد الملك بن مروان الذي حين وصلته الخلافة، رمى القرآن جانباً وخاطبه قائلا: "هذا آخر عهدي بك".
أو لماذا لا يمضون إلى معرة النعمان ويحرقون قبر أبي العلاء الذي قال:
ضلتِ الحنيفة والنصارى ما اهتدتْ ويهود حارتْ والمجوس مضللة
اثنان أهل الأرض ذو عقل بلا دين وآخر ديّن لا عقل له
لماذا لا يحرقون ما في التاريخ العربي الإسلامي (وفيه الكثير) من الآثار الشعرية والنثرية التي تهجو ونهاجم وتشكك وغير ذلك .
لكن لحسن الحظ أنهم لا يعرفون شيئا عن هذا التاريخ ،ولكن لسوء الحظ أيضا أنهم لا يعرفون أنه لا يجوز أن يكون الرد على الكلمة إلا بالكلمة بل وبالكلمة الطيبة وفق منهج النبي محمد .
عن أية مشاعر تتحدث أبواق الإرهاب الأصولي كالجزيرة و غيرها؟ وهل لدى القطيع مشاعر؟
(6)
لحسن الحظ أنه ما يزال هنا وهناك بعض المتحضرين في صفوف المسلمين ، وهم في الوقت نفسه يعرفون نبيهم والجوانب المشرقة في دينهم ورسالته وقد عبروا واستنكروا واحتجوا بالشكل اللائق بهذا الدين وتلك الرسالة ، وهؤلاء فقط هم الجديرون بالاحترام والتقدير.

نور الدين بدران








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن بوست: صور جوية تكشف ملامح خطط إسرائيل لما بعد حرب غزة


.. المعارضة الكردية الإيرانية تصف طلب إيران بجمعها في مخيمات بـ




.. عشرات القتلى والمصابين في هجمات إسرائيلية على مناطق عدة في ا


.. دانيال هاغاري: قوات الجيش تعمل على إعادة 128 مختطفا بسلام




.. اللواء الدويري: الجيش الإسرائيلي يتجاهل العوامل الغير محسوسة