الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كي لا يتحول لبنان رهينة للتطرف

قاسم محمد عثمان

2006 / 2 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


ما حدث اول امس في الاشرفية من اعمال شغب واعتداء على ارزاق الناس وممتلكاتهم، وضع ‏البلد على حافة السقوط مرة ثانية في حرب اهلية، كنا قد اعتقدنا ان استشهاد الرئيس ‏الحريري قد افتداها ووضعها من خلال تظاهرة 14 آذار على مشارف مرحلة جديدة تجسد آمال ‏وتطلعات اللبنانيين لبناء دولة الاستقلال والسيادة.‏
دعوة للاعتصام والاحتجاج ردا على اساءة صحيفة دانمركية للنبي محمد وللمسلمين كادت ان تعيد ‏البلد الى جحيم الحرب الاهلية، لو لم تنتصر الحكمة على الغباء والعقل على الجنون والاعتدال ‏والتروي والانضباط على التطرف والفلتان والفوضى. ولنقل ان العقلانية التي تصرف بها ‏المسيحيون في الاشرفية قد فوتت على المتآمرين والغوغائيين فرصة دفع بيروت الى فتنة جديدة، ‏اين منها الفتنة التي اشعلت الحرب الاهلية عام 1975 والتي قسمت العاصمة الى شطرين ودمرت ‏قلبها، الذي لم ننته بعد من اعادة اعماره.‏
تصور لو حدث السيناريو الاسوأ، والذي يبدو ان المتآمرين قد خططوا لوقوعه من خلال تعميم ‏الشغب ليشمل شوارع ومناطق ومراكز دينية بعيدة عن القنصلية الدانمركية، وذلك بهدف ‏استدراج المسيحيين من سكان الاشرفية للتصدي للمتظاهرين وبالتالي اشعال نار الفتنة ‏الطائفية بين المسلمين والمسيحيين.‏
هل يمكن تصور امكانية استيعاب الوضع واحتواء التداعيات التي كان يمكن ان يتسبب بها ‏القاء قنبلة يدوية من احد الابنية على جموع المتظاهرين؟ هل غاب عن اذهان الهيئات ‏والجمعيات الاسلامية التي دعت للتظاهر في قلب الاشرفية، متناسية الحساسيات والمخاطر التي يمكن ‏ان تواجهها التظاهرة؟ وهل اصيب المسؤولون في الحكومة والقوى الامنية بقصر النظر وفقدان ‏البصيرة للسماح بالمظاهرة اولا، ولعدم اتخاذ ما يكفي من التدابير والاحتياطات الامنية ‏اللازمة لمنع الفلتان والشغب والانفلاش التخريبي والذي وصل الى مبنى وزارة الخارجية في قلب ‏الاشرفية وعلى تخوم الجميزة؟
كان المشهد بوقائعه الميدانية غوغائيا ومسيئا لكل القيم الاسلامية والقيم الوطنية ‏والانسانية. شبان يتبارون في الاعتداء على املاك وكرامات الناس، فيما تقف القوى الامنية ‏موقف العاجز حتى عن الدفاع عن مواقعها وآلياتها. كان من المفترض ان تبادر القوى الامنية ‏الى احتواء الفلتان عن طريق اقامة عدة سدود على المسلك الاساسي باتجاه القنصلية، وان ‏تحتفظ بما يكفي من قوى الاحتياط في الشوارع الجانبية للتدخل كقوة صدم جانبية تخفف من ‏اندفاع المتظاهرين لتجاوز السدود الامامية.‏
الاهم من كل ذلك، نقول ان الامن هو قرار سياسي ورؤية استباقية للحدث قبل وقوعه. وان ‏مراجعة المشهد الميداني والنتائج التي حصلت يؤكدان على غياب القرار السياسي في استدراك ‏المخاطر والتهديدات من خلال العمل على منع المظاهرة بالاقناع او بقوة القانون اي بعدم ‏الترخيص لها او من خلال احتواء المظاهرة وتحويلها الى عدة تجمعات، او من خلال احد من تدفق ‏المشاركين فيها من جميع المناطق اللبنانية. وغابت الرؤية الاستباقية للحدث حيث كان من ‏المفترض ان تقوم الاجهزة الامنية والاستعلامية، بالتقصي عن هوية وسلوكية مختلف الفئات ‏والهيئات المشاركة، وتحذير المسؤولين عنها وتحميلهم مسؤولية ما يمكن ان يحدث، واعتلام ‏المسؤولين عنها وتحميلهم مسؤولية ما يمكن ان يحدث، واعتلام المتآمرين والمأجورين من اجل شل ‏حركتهم والحؤول دون وصولهم الى غاياتهم.‏
هذا في الامن، اما في السياسة فان استقالة وزير الداخلية هي غير كافية لافتداء الحكومة، ‏ولا بدّ في سياق ما حدث ان تجتمع الحكومة في خلوة مصارحة لبحث مسألة التماسك الحكومي بحيث لا ‏تبقى منقسمة على ذاتها، وبحيث لا ينشغل رئيسها، معظم الوقت، في لملمة الخلافات، واسترضاء ‏المعتكفين من اعضائها لم يعد من المقبول ان تحكم الحكومة من خلال الشعارات والوعود التي ‏يطلقها الرئيس السنيورة كسبا للوقت، وبانتظار حدوث معجزة ما.‏
من المفترض ان تبادر الحكومة الى حزم امرها، فاذا قررت ان تحكم فعليها ان تحسم قراراتها ‏لفرض سيطرتها الفعلية والكاملة على جميع الاراضي اللبنانية، بحيث لا يبقى هناك امن ‏بالتراضي، ولا يبقى رديف للسلاح الشرعي، ولا تبقى هناك بؤر امنية خارجة على سلطة ‏القانون، ولا يبقى هناك مقيمون اغراب لا وظيفة لهم سوى التآمر على الامن والاستقرار ونشر ‏سموم الفتنة.‏
يتطلب حكم البلد ان تتوحد ارادة اللبنانيين، وان الحكومة، وحدها مسؤولة عن رعاية ‏الحوار الوطني، والمطلوب في النتيجة التوصل الى توافق على رؤية وطنية جامعة، يمكن على ‏اساسها ان تستبدل الحكومة الحالية بحكومة وفاق وطني، قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة في ‏مجال الامن، والاقتصاد، وضبط العلاقات مع سوريا، بالاقناع، واذا لم ينفع ذلك فبالمساومة ‏على تبادل الغنم اوتقاسم الغبن، واذا لم يتحقق ذلك فبالمواجهة السياسية على المستويين ‏العربي والدولي.‏
على الصعيد الاسلامي لا بد من كلمة سواء، صحيح ان الانتخابات قد انتجت اكثرية نيابية ‏سنية معقوداً لواؤها لتيار المستقبل، وبان الاكثرية السنية الشعبية تؤمن بلبنان كوطن ‏نهائي، وتدعم قيام دولة المؤسسات والقانون، ولكن لم يمنع ذلك من حصول اختراقات خطيرة ‏لصفوفها، حيث نمت جماعات هامشية تستغل بين الحين والاخر بعض الاحداث او التناقضات السياسية ‏او الاجتماعية لتنفث بسموم الحقد والكراهية والتطرف. لا يمكن معالجة هذا الامر بتجاهله ‏خوفا او مكابرة، تبرز الحاجة الملحة لمعالجة هذا الامر الخطير، اخذين العبرة من التجربة التي ‏تواجهها المملكة العربية السعودية في محاولاتها الدؤوبة لاقتلاع هذه الاقلية المتطرفة.‏
تترتب مسؤولية مشتركة على الحكومة ودار الفتوى وتيار المستقبل، ومختلف قوى الاعتدال ‏لمواجهة موجة التطرف الراهنة. في السياق نفسه ان من واجب الحكومة ان تبادر الى فتح حوار ‏مع الفلسطينيين، وخصوصا مع قيادة حماس من اجل انهاء حالة الفلتان والتطرف داخل المخيمات ‏وخصوصا مخيم عين الحلوة.‏
لا يكفي ان يتخذ المجلس الشرعي الاسلامي قرارا بالادعاء بصورة شخصية ضد مفتعلي الفتنة ‏والمخربين ممن شاركوا في تظاهرة الاشرفية، بل الاهم والانجح للسنة وللوطن ان تكلف دار ‏الافتاء لجنة من الخبراء في علم الاجتماع، وان تدرس هذه اللجنة بعمق كل الاختراقات الاصولية ‏للجماعات الاسلامية، واقتراح برنامج لاحتواء النزعة التطرفية الراهنة، ووقف موجة التكفير ‏التي يقودها اغراب دخلاء على الاسلام والوطن.‏


editor of : www.kassemclub.tk








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو بين إرضاء حلفائه في الحكومة وقبول -صفقة الهدنة-؟| ال


.. فورين أفارز: لهذه الأسباب، على إسرائيل إعلان وقف إطلاق النار




.. حزب الله يرفض المبادرة الفرنسية و-فصل المسارات- بين غزة ولبن


.. السعودية.. المدينة المنورة تشهد أمطارا غير مسبوقة




.. وزير الخارجية الفرنسي في القاهرة، مقاربة مشتركة حول غزة