الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إيزابيل ألليندي: ملكة الحكايات التي تعيش من أجل الكتابة.

عزة علامة

2017 / 9 / 1
الادب والفن


لطالما كنت أؤمن بالترحال.. ذلك الفعل الذي يُغني حياتك ويجدّدها في كل يوم وفي كل لحظة.. يملؤها بالسحر والجمال والإلهام.. يغيّر نظرتك للأمور، يفتح باب قلبك للمجهول ويبعد أي خوف منه، ذلك أن المجهول هو المحفّز الرئيس لقلب الرحّالة. ولكن أهم من ذلك كله، الحكايات. من يرتحل ويتنقّل كثيراً في هذه الرحلة التي تسمى الحياة، يمتلك أكثر كنوز الدنيا غناً وسحراً، إنه يمتلك الحكايات.

يُخيّل إليّ أنه لا يمكن لجامع الحكايات، خصوصاً ذلك الذي يمتلك عيناً ترى جميع التفاصيل من حوله منهم، ألّا يُفرغ ما في قلبه من روايات من حين لآخر.. يجب على الحكايات أن تُفرغ لكي يسع القلب حكايات جديدة أخرى وعوالم جديدة أخرى تُبهر حاملها أولاً، والمحمولة إليهم ثانياً.
في مثل ظروف هذا الترحال نشأت إيزابيل ألليندي، حيث كانت في البداية تتنقل مع أسرتها من بلد إلى بلد ومن قارة إلى أخرى لأسباب مختلفة. هذا الترحال والتنقل أعطى ألليندي ما أعطاها من فضول المعرفة والاكتشاف وشغف التفاصيل والغوص في المشاعر الإنسانية اللانهائية التي تعزّزها خبرات الحياة المتعددة والمختلفة. وما أكثر ما يليق بها لقب "شهرزاد أميركا اللاتينية"، وكيف لا وهي ملكة الحكايات.

لعل واحدة من الأشياء الكثيرة التي تشعرني بقرب ألليندي من قلبي وحتى من تجربتي الشخصية هي إحدى محطاتها من ذاك الترحال.. ففي فترة نشأتها كفتاة يانعة، استقرت في لبنان لعدد من السنوات والتحقت بمدرسة بريطانية هناك، ولكوني لبنانية الأصل وعشت أغلب سنوات حياتي في لبنان، لم أجد مفر من اعتبار هذا الحدث بمثابة شيء مشترك بيني وبينها، فعلى الأغلب، أو هكذا أفضّل الظن، عينها رأت ما رأته عيني، ووجدانها تأثّر بما تأثّر به وجداني، والتقت في طريقها بكثير من الأشياء التي اعتدت أن ألتقي بها يومياً في طريقي..
بالنسبة لي، ومن خلال تجربتي في قراءة مؤلفاتها، أستطيع أن أقول أن ما يفرّق ألليندي عن الكثير من غيرها من الكتّاب هي قدرتها على أن توصل القارئ لمرحلة لن يكون معها يقرأ مجرّد كلمات مطبوعة على ورق، إنما يعيش مشاعر متكاملة تدخل في عمق روحه لتستقر في داخلها وتستمر، ولتكون جزءاً أبدياً منها. فتأثيرها على القارئ لا يمكن أن يكون عادياً أبداً، هناك دائماً شعور بألفة غريبة ومحببة تُشعرك بأنك صاحب الشأن، أو بأن القصّة تمسّك أنت شخصياً، حتى لو ظروف أيامك كانت أبعد ما يكون عمّا تصفه في كتاباتها. ولذلك، كانت تجربتي الشخصية فيما قرأت لها هي التوحّد الكامل، ليس فقط مع الأحداث وإنما مع كل شعور.

هذه القدرة على أسر القارئ كلياً وإدخاله لعالمها الخاص، الحميمي جداً في أكثر الأحيان، حتماً لم تأتي من فراغ، فأكثر ما يميّز هذه الكاتبة الساحرة برأيي هو شغفها بالكتابة، هو تمسّكها بالكتابة كما لو أنها بذات نفسها هي معنى الحياة، كما لو أن الموت قطعاً يأتي دونها، كما لو أنها النجاة الوحيدة من عالم قاسٍ في معظم الأوقات. ولهذا الشغف مؤشرات كثيرة جداً منتشرة في كتاباتها في كل ظرف، ونذكر منها بعضها:

"الكتابة هي تفحص طويل لأعماق النفس، رحلة إلى أشد كهوف الوعي عتمة، وتأمل بطيء. إنني أكتب متلمسةً في الصمت، وأكتشف في أثناء الطريق أجزاء من الحقيقة، نتفاً صغيرة من الزجاج تتسع لها راحة اليد وتبرر مروري في هذه الدنيا".

"إن حياتي تتجسد حين أرويها، وذاكرتي تثبت بالكتابة، وما لا أصوغه في كلمات وأدوّنه على الورق سيمحوه الزمن".

"الكتابة تريحني بالرغم من أنها تكلّفني الكثير، لأن كل كلمة هي أشبه بجمرة حارقة".

وكان للكتابة في حياة ألليندي أهمية كبرى على وجه الخصوص خلال مرض ابنتها باولا وغيابها عن الوعي، حيث كتبت في أروقة المستشفى رسالة مطوّلة لها، وبرّرت كتابتها لها بقولها:

"لست أعرف كيف أصل إليكِ، إنني أناديك ولكنك لا تسمعيني، ولهذا أكتب لك".

وأيضاً، "اسمعي يا باولا، سأكتب لك ما حدث كي لا يفوتك شيء عندما تستيقظي".

في هذه المرحلة بالذات، كل ما جمعته ألليندي سابقاً من شغف الحكايات وتفاصيلها أفرغته بكامله في رسالتها إلى ابنتها المريضة التي لا تستطيع أن تتواصل معها بأي طريقة أخرى غير الكتابة.

صحيح أن ألليندي، كأي كاتبة عالمية، حصلت على الكثير من الاهتمام والاعتراف من جميع من هم في حقل الكتابة الأدبية، ولكن لا أهمية للأرقام والأعداد ها هنا، لا لعدد الكتب المنشورة، ولا لعدد النسخ المباعة، ولا لعدد اللغات المترجمة، ولا لعدد الجوائز الحاصلة عليها، حتى وإن حصلت على جائزة نوبل نفسها. المهم، كل المهم، هو الحالة التي تتركنا فيها قراءة نصوصها، وسؤالنا لأنفسنا: "هل سأنجو منها؟"، والأكثر أهمية، هي أمنيتنا التي تأتي بعد هذا السؤال مباشرةً: "أرجو ألّا أنجو منها أبداً".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ


.. عدت سنة على رحيله.. -مصطفى درويش- الفنان ابن البلد الجدع




.. فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي


.. الأسطى عزيز عجينة المخرج العبقري????




.. الفنانة الجميلة رانيا يوسف في لقاء حصري مع #ON_Set وأسرار لأ