الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول طبيعة الثورات ومآلاتها

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2017 / 9 / 4
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لا يوجد تماثل في أحداث التاريخ البشري. ولكن يوجد تشابه كبير بين وضع المنطقة العربية منذ السنوات السبع الماضية وأروبا مطلع القرن السابع عشر.
ففي ذلك الوقت كان ما يسمى "الامبراطورية الرومانية المقدسة" هي الإطار الشرعي للسلطة والحكم في أروبا. ومع توسع الحركة البروتستانتية التي قسمت الكنيسة وقسمت المسيحية في القرن السادس عشر، في مقابل طموحات الملوك والأمراء على الأرض أدت تلك التناقضات في النهاية إلى انفجار أروبا. حيث اندلعت حرب عارمة شاملة في وسط أروبا وغربها استمرت من سنة 1618 إلى سنة 1648، وسميت حرب الثلاثين عاما.
في 1648 تم التوافق في إطار معاهدة "وستفاليا" التي نشأت بموجبهما أروبا الحديثة، حيث تم الاتفاق على فكرة الدولة ذات السيادة وذات الحدود وذات التطابق بين الدولة والشعب، وأفكار أخرى وردت في نص المعاهدة جاءت لتنظم الاستقرار، من صنف التعاون، وعدم تدخل أي دولة في شؤون الدول الأخرى ... الخ...
ويمكن القول أن بذور الدولة القومية زرعت ضمن تفاصيل ذلك التوافق الشامل المعرف ب"صلح وستفاليا".

المنطقة العربية الان، تتعرض لانهيار شامل شبيه بوضع أروبا سنة 1618، انهيار النظام الاقليمي الذي ساد منذ الحرب العالمية الأولى.
انهيار للدولة الملتبسة التي قامت على حكم الفرد أو حكم العشيرة.
وما يشبه الانهيار في الجماعة الوطنية نفسها التي ولدت من هذا النظام.
وعندما يحدث هذا الخلل الكبير في البنية السياسية الاجتماعية، في بنية الدولة، في ضوابط العلاقات بين الفئات والجهات والطوائف، في بنية النظام الاقليمي كله، فنخن أمام حالة ليس فيها ركائز وأركان راسخة "تشد البحر لليابسة"، بل نحن أمام حالة سائلة ليس فيها طرف غالب أو قوي أو شرعي قادر على الحكم. إنما هنالك قوى تتشكل في إطار الصراع وتتدافع، تلتقي، تتنافر، تتحالف، تغير مواقعها باستمرار في ظل أرض عتيقة ارتجت بعنف ومازالت لم تهدأ بعد جراء الزلزال الذي حدث.
هذا الوضع جار في المستويات الثلاثة كما ذكرت: في الدولة، في الجماعات الوطنية، وفي النظام الإقليمي. ومما لا شك فيه أن الأمور تسير نحو تغير واقع المنطقة تغيرا جذريا، وهذا مسار لابد له أن يأخذ حظه كاملا من الزمن.

لسائل أن يسأل، لماذا نقول بأن المنطقة ستتغير وبشكل جذري؟
لماذا هذا اليقين في كون المنطقة لن تعود إلى الوراء أبدا؟
ببساطة، لأن ما حدث لم يكن مؤامرة من دولة أو مجموعة دول أو قناة تلفزية مشبوهة (فهذا كلام سخيف ولا يستحق النقاش). وأيضا ما حدث لم يكن مخططا من شخص أو حزب أو طليعة ثورية. بحيث لم تجلس القيادة الثورية التونسية وتقرر الثورة مثلما فعل لينين ورفاقه في قيادة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي في جينيف، ووضعوا المخطط، وقرروا تاريخ ثورة أكتوبر 1917. بل أن ما حدث هو تطور تاريخي خارج كل الإرادات، ولا أحد يستطيع إيقافه وهو -رغم تعثره- ماضي في اتجاهه، وغير قابل للتحكم فيه. ولعل هذا ما يفسر كون هذه الثورات لم تكن لها قيادة. بل أن الشباب الذي فجر الاحتجاجات العارمة حركته قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، ولم تحركه لا الايديولوجيات ولا الشعارات السياسية ولا تكتيكات حزبية. بل أن العكس هو الصحيح. يعني لما تدخلت الأحزاب السياسية لاحقا، انقسم الشباب وتفكك الإصرار على دفع حركة التغيير إلى مداها.

باختصار، عندما ينهار النظام الاقليمي، وتصبح الدولة غير قادرة على فرض سلطانها. عندما يتحرك الشعب بهذه الطريقة المنفلتة غير المسبوقة، وبكل ما يختزن من معضلات كبتها الاستبداد، وتناقضات عرقية وطائفية كامنة ومدفونة لم تلق الحل في ظل النظم الطغيانية، مثل قضايا الشيعة والسنة والعلويين والأقباط والأكراد وغيرها،، فإنه من الطبيعي أن نشهد حروبا وإرهابا وفوضى وتدخلا أجنبيا وتقارير مخابراتية مزورة (تقول بأن أمريكا وراء انتفاضة الأمة العربية)، ومن الطبيعي أن نشهد تعفينا للثورات وإفسادا لها بالمال وبالاعلام وبالسلاح وبالرهاب، وباستخدام ورقة الأقليات. وستطفو في مثل هده الأوضاع كل أوساخ التاريخ وأمراضه لتملأ الساحات والنفوس.

في هذا الانهيار، كانت ثورة تونس سلمية. ويبدو أنها الوحيدة التي تسير بالاتجاه الصحيح وذلك راجع لعدة اعتبارات ليس هنا مجال تفصيلها. أما ثورة مصر فانتهت إلى عودة النظام السابق. وفي سوريا تم تعفين الثورة بالسلاح والارهاب. وليبيا عندها وضع خاص لأن الليبيين مازالوا قبائل متنافرة، ولم يتمكنوا من الانتقال إلى شعب خلال المئة سنة الماضية... ولكن و برغم هذا الاختلاف بين ما يجري هنا وهناك من تفاصيل، فكلها وجوه لظاهرة واحدة، لا يجب أن تحجب علينا حقيقة أن كل المؤسسات وكل الجيوش وكل الأحزاب التي قامت خلال المئة سنة الماضية لم تعد قابلة للبقاء، وستزول مهما تشبثت بالبقاء. كما لا يجب أن يدفعنا الموقف من التدخل الأجنبي السافر ، والموقف من الإرهاب ومن عملية "تحويل تطلع الشعوب للحرية إلى حروب أهلية مدمرة" إلى موقف سلبي من حركة التاريخ. كأن نعتبر ثورات الشعوب مؤامرة من سفارة أمريكية عملاقة في الخليج العربي مثل دولة قطر. أو كأن ننخرط في أكاذيب الأمريكان الذين ادعوا أنهم وراء حركة التغيير التي اندلعا آواخر 2010، ونتبنى تلك التقارير المسمومة العنصرية الهادفة إلى تشكيك العرب في قدرتهم على الانخراط في العصر، والهادفة أيضا إلى وضع اليد على مستقبل الثورات، وإلى تقسيم المجتمعات بين نصير للثورة ومضاد لها. أو كأن نتغنى بعظمة ثورة تونس وبشعبها العظيم، وفي نفس الوقت نعتبر الثورة السورية مؤامرة والشعب السوري مغفل، ونظام الأسد وطني وممتاز إلى درجة أن الإمبريالية العالمية تآمرت عليه لإسقاطه!

صحيح لقد كان الحياد مستحيلا. وكان لابد من الوقوف ضد المشروع الاستعماري. أما الآن وقد هزم الدواعش، يجب إعادة النظر في بعض المواقف الاستراتيجية. أحدها أن سوريا الديمقراطية مثلا، لن تبنيها مجاميع المرتزقة والإرهاب. ولن تبنيها أمريكا. ولكن أيضا لن تبنيها روسيا ولن يبنيها نظام فردي دموي، واجه المظاهرات السلمية بالدبابات والطائرات. نظام إرهابي ضالع وشريك في إبادة نصف شعبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟