الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جرائم الحرب والإفلات من العقاب

عبدالرحمن مطر
كاتب وروائي، شاعر من سوريا

(Abdulrahman Matar)

2017 / 9 / 5
الارهاب, الحرب والسلام





لا تبدو أن ثمة محاسبة أو مراجعة تجريها قوات التحالف الدولي، فيما يتصل بالاخطاء التي ترتكبها ضد المدنيين، خلال عمليات القصف التي تقوم بها، والأمر مثله يجري في أوساط قسد. بل إن كثيرا من القوانين التي أقرها المشرعون في الولايات المتحدة على وجه الخصوص، يُحظربموجبها مسائلة ومحاسبة الجنود والقادة، على ما يُنظر إليه وفق القوانين الدولية كـ " جرائم حرب ". وتشكل تلك التشريعات منظمومة حماية متكاملة للقوات الأمريكية، حيال أية مقاضاة محتملة حول العالم، أياً كانت الدوافع والأسباب. وقد سنّت عدداً من دول العالم تشريعات وطنية، تمنع مثول قادة سياسيين وعسكريين، أمام أي جهة للمسائلة، وبالتالي منع المحاسبة، كما يفعل النظام السوري اليوم، وكذلك الكيان الاسرائيلي.
حيثما حلت القوات الأمريكية، تترك إرثاً مثيراً من عدم الالتزام بقواعد حماية المدنيين اثناء الحروب، وحذت حذوها، القوى الحليفة لها، وأذرعها المختلفة. وقد جرت جرائم كارثية مهولة بحق المدنيين والناطق السكانية بصورة عامة، ولا تزال تحدث منذ غزوالعراق عام 2003 وحتى اليوم، أي عمليات التحالف الدولي لمحاربة الارهاب في العراق وسوريا. وتشير تقارير دولية، أن هناك إخفاقاً ذريعاً في المحاسبة والمسائلة بشأن جرائم الحرب التي جرت في العراق، وأن الولايات المتحده وشركائها، لم تقم بمسؤلياتها ( واجباتها ) بهذا الصدد، كما أوردت هيومان رايتس ووتش.
لا تتصل المسألة بجرائم التعذيب والقتل والإخفاء القسري فحسب، فثمة جوانب أخرى كثيرة، نتائج تلك الحرب على المدنيين، هي من صلب الجرائم التي يتوجب المسائلة فيها. لقد قتل مليوني عراقي، وشُرّد أربعة ملايين، تدمير أحياء سكنية بأكملها، واقتلاع مجموعات بشرية من موطنها، واختفاء قسري لآلاف العراقيين. سياسات خاطئة أدت الى تغاضٍ ممنهج عن سياسات القتل والتعذيب والتهجير، وفساد في كل شئ، حتى الراهن.
في عمليات التحالف الدولي ضد داعش،لا نتوقع أن تجري محاسبة أو مساءلة من أي نوعٍ حول " الأخطاء " المتكررة التي ارتكبتها قوات الحشد الشعبي والبشمركة والقوات العراقية التي شاركت " بتحرير" الموصل، وخلفت دماراً شاملاً وتهجيراً غير مسبوق.
في الرقة استهداف منظم للأحياء السكنية والمرافق العامة، والمشافي القليلة التي لا تكفي حاجة المدينة في الواقع. وهو تدمير يأخذ بمبدأ سياسة الأرض المحروقة، والذي تأخذ به قوات قسد، مدعومة من طيران التحالف، وهو ما قامت به منذ انطلاق عملية غضب الفرات في نوفمبر الماضي. عبر استهداف قرى الريف الشمالي، وصولاً ألى أطراف المدينة، بشكل تدريجي نحو المركز.
ليست هناك أرقام دقيقة لدى أي طرف، عن الأعداد الحقيقية للمدنيين اللذين قضوا في الموصل، أو في الرقة حتى الآن. ومع ذلك يتحدث مسؤولو الولايات المتحدة في قيادة التحالف عن أضرار تطال المدنيين نتيجة العمليات الحربية في الرقة، وهي تصريحات أقل ما يمكن أن توصف به، بأنها غير صادقة، مراوغة وتخفي الحقائق. صور الدمار المهول لأحياء بكاملها، وانقطاع الاتصال بأشخاص وعائلات، ثم العثور على جثث بعض الضحايا تحت الركام بعد أيام من الغارات، مؤشر على حجم الإيغال في ضرب المدينة بلا هوادة، دون أي اعتبار لوجود السكان العُزّل، مع افتراض غير دقيق، وغير مؤكد، بوجود مقاتلين من داعش.
لا شئ يرشح من أرض الخراب. فقط الإعلان عن مواجهات وأرقام قتلى دواعش لا أثر لهم، الصور تحتفىي بمقاتلي قسد كأنهم في مشاهد سينمائية مملة ممجة، ومقاتلات يدبكن قبيل الذهاب الى المعركة. لكن كثيراً من الأهالي اللذين تقول قسد أنها حررتهم، يختفون بعد التقاط الصور..صورٌ لا تخفي حجم الخراب، لكنها تُغيّب أحوال الناس في الرقة.
مايكل رايتني، بريت ماكغورك، ستيفن تاونسند قائد قوات التحالف الدولي في سوريا والعراق ، ونائبه روبرت جونز، وكارن داكر منسق الدعم والاستقرار بين التحالف وقسد و مجلس ( رقة ) المدني. جميع هؤلاء، وكلٍ حسب موقعه، يعملون بإمرة دونالد ترامب، هم مسؤولون بشكل مباشر، عما يجري من انتهاكات واسعة بحق المدنيين في الرقة كما مناطق سورية وعراقية أخرى. وتحت اشرافهم ومتابعتهم، ترتكب جرائم حرب موصوفة، يتم التغاضي عنها والتغطية عليها بشكل او بآخر، فيما تحمل تصرحاتهم ولقاءاتهم تضليلاً لا لُبس فيه، بشأن تضخيم أعداد مقاتلي داعش، ما يبرر – ربما – إمطار المدينة بكل هذه المقذوفات المهولة.
هؤلاء معروفون بالنسبة إلينا، يضاف إليهم قادة حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم، والأجهزة الأمنية والعسكرية الملحقة به، والمنفذة لسياسته في شمال سوريا.
وعلى الضفة الأخرى بوتين وخامنئي والأسد، وأدواتهم، مجرمي حرب من طراز رفيع، ترفع لهم القبعات في العالم الحر، وليس من سبيل كي تأخذ العدالة مجراها.
منذ محاكمات نورمبيرغ الشهيرة، لم تجر محاكمة مجرمي الحرب، بصورة جدية وحقيقية في أي مكان من العالم، وتم إجهاض كل المحاولات التي تمت، سواء ما يتعلق بحروب البلقان، أو في القارة الأفريقية، او مجرمي الحروب الاسرائيليين، اللذين تتم ترقيتهم الى مراتب سياسية عليا، تحكم الكيان الاسرائيلي.
كما لم تجري في الولايات المتحدة وبريطانيا أية مسائلات حول الجرائم التي ترتكبها قوات بلادهم، أو القوات والميليشيات التي تعمل بإمرتهم في مناطق النزاعات حول العالم، العراق بشكل خاص.
في حرب دول التحالف ضد الارهاب، أسفرت معركة الفلوجة عن تدمير80% من المدينة، تدميراً ممنهجاً، بما صاحب ذلك من نتائج كارثية. جرى ذلك بسبب أمرين هما تضخيم أعداد داعش في المدينة، ولجوء التحالف الى سياسة التدمير الشامل بهدف القضاء على الارهاب. وهو في الواقع الاستراتيجية المتبعة ذاتها، في ما يُسمى بعملية تحرير الرقة، ومصيرها سوف يكون أكثر كارثية من سابقاتها، وليس ثمة من يقول للأميركيين أوقفوا قتل المدنيين.
لقد شكلت نجاة مجرمي الحروب من المحاكمة، ظاهرة عالمية ترعاها الدول الكبرى، التي تمتلك مقدرة فرض المحاسبة، وتركت بذلك الأبواب مشرعة امام المستبدين، من قادة وأنظمة ومنظمات ارهابية، ليواصلوا ارتكاب الجرائم دون أن ينتابهم قلق احتمال المحاكمة. تتحمل الولايات المتحدة جزءاً كبيراً من مسؤولية الجرائم التي تطال المدنيين، لأنها ترتكب في ظل دعمها وحمايتها، ولأنها القوة الدولية الأشد فعالية في الحيلولة دون سوق مجرمي الحروب الى العدالة.
الحرب على الإرهاب، لا تستقيم في ظل الإبقاء على النظام الأسدي، وحمايته، والتوجه نحو ضمان استمراره. هو منتجٌ للإرهاب بحق السوريين، وفي سجلّه اليوم المئات من جرائم الحرب الموثقة ضده. وإعادة تأهيله، هي درجة من درجات السماح باستمرار جرائم الإبادة المنظمة في سوريا والمنطقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اتفاقية الدفاع المشترك.. واشنطن تشترط على السعودية التطبيع م


.. تصعيد كبير بين حزب الله وإسرائيل بعد قصف متبادل | #غرفة_الأخ




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجز


.. وقفة داعمة لغزة في محافظة بنزرت التونسية




.. مسيرات في شوارع مونتريال تؤيد داعمي غزة في أمريكا