الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أتوا.. و لكن

سليم البيك

2006 / 2 / 13
الادب والفن


" هم قادمون.. قادمون.." ظل مصطفى يردد في نفسه, في لحظات يصعب فيها كل شيء إلا التركيز على الجنود أمامه. قد تغتاله طلقة لا يدري من أي فوهة أتت, فهو و بيته و من فيه محاصرون من الجنود, و من غير الجنود.
أفرغت بندقيته الخفيفة ما في ( نفسها) و قالت: " هذا كل ما لدي يا رفيقي.. مدني بالطلقات و لا تنتظرهم", فيرد: " هذا كل ما لدي أنا الآخر.. سامحيني.. قد يأتوا الآن و معهم ما يكفي لك و لغيرك.. و يفكوا الحصار.. فقط انتظري".
يواصل الجنود إمطار و قنص و قصف البيت برصاصهم, و أهل البيت متشبثين ببعضهم في غرفة واحدة, فإما أن ينجوا معاً, أو يموتوا معاً.
وديع الصغير قتل حين حاول الزحف متجاهلاً صرخات والدته و أخواته, زحف إلى الغرفة المجاورة لجلب عصفوره المرتعش هو الآخر. قتل أحمد برصاصة كثيراً ما قيل بأنها طائشة, و طار العصفور حراً بعد وقوع قفصه.
يحاول مصطفى اقناع بندقيته بأنهم قادمون, فترد عليه بحزم: " لن يأتوا.. تعلم من تجربتك و قاتل.. اعطني حجارة.. قد أستطيع اطلاقها.. لن يأتوا يا مصطفى.. ارم الجنود بي و بما تقع يديك عليه و لا تنتظر يا مصطفى..". يحاول التحرك من مكانه و الوصول إلى ما يمكن رميه, فلن يرم بندقيته التي ستعبأ بطلاقاهم, حين يأتوا!
أصابته احدى طلقات الجنود في فخذه أثناء محاولته الوصول إلى حجر كان في حديقة البيت, فتدحرج راجعاً إلى مكانه صارخاً ببندقيته: " هذا ما جنيته من نصيحتك", فقالت: " لم يكن أمامك سوى المقاومة و بأي شيء.. ليتني أستطيع مساعدتك.. كم أخجل لعجزي في حضرة جرحك يا رفيق..", فقال محاولاً جبر خاطرها: " ليس الذنب ذنبك و لا ذنبي.. تعلمين أن أبو عامر التاجر لم يرض أن يبيعني مجموعات أكثر من الطلقات.. فغيري يدفع أكثر كما قال.. و أنا.. أنت أعلم بوضعي.. و إن كان من يدفع أكثر يقاتل بها أيضاً.. و لكن.. فليتركوا لغيرهم حق القتال.. أو الدفاع عن أنفسهم على الأقل.. و لا يحتكروا الطلقات لأنفسهم لسبب أنهم القادرون على الدفع..!" يصرخ: " أمي.. هل أنتم بخير.. أنا بخير..", فترد: " نحـ... ـن بخـ... ـير..".
عاد للحديث مع بندقيته التي كما يبدو جريحة أو مصابة بضيق في التنفس. "لماذا لا تتحدثي.. تكاد صوت طلقاتهم تأخذ سمعي معها.. لطلقاتك أنت موسيقى كثيراً ما أشتهي سماعها يا رفيقتي.. ماذا بك..". فترد عليه بتقطع: " يبدو أنك.. ستواصل.. بدوني.. لا حاجة.. لك.. بي..".
بدأت طلقات الجنود تخف من وطأتها تدريجياً إلى أن انقطعت تماماً حين وصلوا, صرخ مصطفى متفائلاً: " نعم.. هاهم.. اصحي.. لقد أتوا.. و معهم بنادق و طلقاتها.. لا بل سيقاتلون معنا", تجاهلته و تابعت استرخاءها.
نعم, تقدموا و لكن ( مدججين) برايات و لافتات كتب عليها ( فلسطين حرة عربية ) و (فلسطين وقف اسلامي) و غيرها من الشعارات. هتفوا و هتفوا إلى أن بحت حناجرهم, ظلوا واقفين في حر الشمس إلى أن تعبوا و جاعوا, و منهم من مل, و مصطفى الجريح يقول في نفسه: " أشقائي هم هؤلاء.. و ليست هذه سوى البداية.. سيتقدموا أكثر.. و لن أقف لوحدي بعد الآن".
ظلوا واقفين إلى أن جاع أحدهم فعاد لتناول عشائه, بح صوت آخر فعاد لشرب الزهورات, و ملت آخرى فذهبت تنتظر خبر مصطفى العاجل, و آخر ذهب مسرعاً ليلحق صلاة المغرب قبل أذان العشاء, و الآخرون عادوا لأن عليهم ( النهوض) غداً باكراً ليذهب كل إلى عمله.
أما مصطفى الجريح فأمسى شهيداً, متأثراً بجراحه, أما العائلة فلم تدر وسائل الإعلام بأمرها, و لا تنسوا وديع الصغير.
و طلقات الجنود استأنفت عملها هي الأخرى, بعد استراحة الغداء في حضور من أتى, و ما تزال تعمل, حتى الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل